انعقد نهاية الأسبوع المُنقضي مجلس شورى حركة النهضة (حزب محافظ ذو خلفية إسلامية) في دورته الرابعة والثلاثين، وكان من أبرز قراراته إقرار مبدأ المُشاركة في الحكومة القادمة، وهو ما عبّر عنه في النقطة الرابعة من بيانه الختامي والتي تقول “استعداد الحركة المبدئي للمشاركة في الحكومة إذا تلقت عرضًا رسميًا وأفضت المشاورات إلى توافق حول برنامج الحكومة وأولوياتها”.
قرار يأتي على خلفيّة المُشاورات التي انطلق فيها الحبيب الصّيد، المُكلّف بتشكيل الحكومة، والتي قابل فيها أغلب الأحزاب ومن بينها حركة النهضة، وحسب الكواليس يبدو أن الصّيد عرض رسميًا على حركة النهضة المشاركة في الحكومة التي يعمل على تكوينها خاصة وهي صاحبة الكُتلة البرلمانية الثانية في البلاد.
قرار حينما نستقرأ ظروفه واستتباعاته على الحراك السياسي في تونس نستنتج ما يلي:
في علاقة بحركة النّهضة
صدور هذا القرار في اليوم الأول من مُداولات الشورى (يوم السبت) يُحيل على وجود رأي عام داعم لهذا التمشّي في مشهد غاب عن دورات الشورى الأخيرة، إذ عاشت حركة النّهضة مُؤخرًا نقاشات حادة صُلب هياكلها حول المسار السياسي الذي عقُب الانتخابات التشريعيّة الأخيرة .
تصويت بالإجماع يمكن قراءته على أنه انتصار لطرح رئيس الحركة ومن يلتقي معه بخصوص تموقع حركة النهضة في منظومة الحكم على طرح آخر دفع نحو التموقع الصريح في المُعارضة وتجنب الدخول في أي مسار سياسي يقوده حزب نداء تونس باعتباره واجهة جديدة للنظام القديم.
بالرجوع قليلاً بالأحداث إلى مرحلة الانتخابات الرئيسية، نجد أن حركة النهضة اختارت الوقوف على الحياد في العلاقة بالمُترشّحين ولم تتماه مُؤسساتها مع المزاج الداخلي العام الذي كان يُؤيد الدكتور المُنصف المرزوقي، الرئيس المُتخلّي، وهو ما جنّبها غضبة كلا المترشحين، ويبدو أنها اليوم تجني ثمار ذلك الموقف.
في ذات السياق، ارتكزت السياسة الإعلامية النهضوية في مرحلة ما بعد الانتخابات أساسًا على مُعطى التذكير بما وعدت به أثناء حملتها الانتخابية بأنها لن تحكم وحيدة في حال فازت وبأنها تعتقد بأن ثقل المسؤولية يستوجب حكومة وحدة وطنية ذات إسناد سياسي واسع وتحظى بدعم أوسع طيف ممكن من الأحزاب والمُنظمات الوطنية، كما تحاشت حركة النهضة الدخول في أي مناكفات إعلامية رغم محاولات استدراجها من بعض قيادات نداء تونس الرافضة لتشريكها في الحكومة، وحافظت على هدوء يبدو أنه كان وراء حالة التفاعل الإيجابي بين أصحاب القرار في الحزبين (نداء تونس وحركة النهضة).
بعد إقرار المبدأ، ينتظر الحركة شوط آخر من المُحادثات حول شكل الحكومة وبرنامجها، علمًا وأنها عبرت عن تصور مبدئي يقضي بتحييد وزارات السيادة، يبدو أنه سيكون أحد شروطها للانضمام لها (الحكومة).
في علاقة بنداء تونس
اُعتبر تقديم حبيب الصيد ليُكَلف بتشكيل الحكومة من طرف نداء تونس خطوة للأمام نحو تشكيل حكومة وحدة وطنية/ ائتلاف وطني، خاصة مع استثناء الطيب البكوش، أمين عام الحزب، رغم دعمه من طرف جزء هام من قيادات الصف الأول.
استثناء البكوش على ما يبدو، رغم ما سببه من تصدع داخلي داخل نداء تونس، كان استجابة للفيتو الذي رفعته حركة النهضة في وجه مسار تكليفه، خاصة مع عدائيته التي تجلت في تصريحاته الأخيرة والتي دعا فيها الحركة إلى الاكتفاء بموقع المعارضة.
على عكس حركة النهضة التي يبدو أنها تجاوزت أزمتها الداخلية في علاقة بالمسار السياسي ما بعد الانتخابات، انفرط العقد في نداء تونس واندلعت أزمة حقيقية على خلفية ما ذهب إليه الباجي قائد السبسي من فرض تقديم شخصية من خارج الحزب لترؤس الحكومة وأيضًا من استبعاد أعضاء الكتلة النيابية من قائمة المرشحين لتقلد حقائب وزارية في الحكومة القادمة، وخاصة من قرار تشريك حركة النهضة في الحكومة القادمة، إذ يرى مراقبون بأن إقدام الحبيب الصيد على عرض المشاركة على حركة النهضة لا يتعلق باجتهاد من الأخير وإنما هو محض ترجمة لتصور شيخ النداء لمنظومة الحكم القادمة.
الصراع في نداء تونس، الذي تنبأنا به منذ إعلان نتائج الانتخابات، لا يعسر تجميع المعطيات حوله خاصة وأنه يبث مباشرة في وسائل الإعلام وعلى الصفحات الرسمية في مواقع التواصل الاجتماعي الراجعة لقيادته؛ خميس قسيلة مثلاً اعتبر مؤخرًا بأن مستشاري الرئيس الجديد محسن مرزوق ورافع بن عاشور يمثلان خطرًا على تونس وبأنهما سيعيدان ممارسة الطرابلسية (عائلة زوجة الرئيس المخلوع بن علي الذين أفسدوا واستغلوا نفوذهم لتكوين ثرواتهم الطائلة).
في ذات السياق، وفي تضارب مع توجه الباجي قائد السبسي ودائرته داخل نداء تونس، هاجم عبد العزيز القطي (قيادي في نداء تونس وعضو كتلته البرلمانية عن ولاية اريانة) بيان حركة النهضة وكتب في تغريدة نشرها على صفحته في الفيسبوك “بعدما صرّح به فتحي العيادي رئيس مجلس الشورى حول قرار قبول المشاركة في الحكومة وتحييد وزارات السيادة، فإنني اعتبر هذا التصريح تطاولاً على إرادة الشعب التونسي واستهزاء بنتائج الانتخابات ووقاحة سياسية لا مثيل لها”، وأضاف “من صالح النهضة مساندة الحكومة القادمة والتي ستكون خارجها، ووزارات السيادة ستؤول لمن أعطاه الشعب اﻷولوية وأن تنتظر نتائج التحقيق في مقتل الشهداء لطفي نقض، شكري بلعيد ومحمد البراهمي، خاصة بعد إيقاف النهضوي عبد الكريم لعبيدي، وفتح ملف مقتل سقراط الشارني، ملف الرش في سليانة، ملف السفارة اﻷمريكية، ملف عدم إلقاء القبض على أبو عياض في أربعة مناسبات، ملف الوثيقة المسربة حول اغتيال البراهمي وملف الأمن الموازي والتدريبات المشبوهة في وزارة الداخلية”.
استفحال الصراع داخل نداء تونس من المُنتظر أن يدفع نحو الحسم ونهائيًا في بعض الوجوه اليسارية المتطرفة، خاصة خميس قسيلة الذي سيتم عرضه على لجنة التأديب، وسيلقي بظلاله على المؤتمر التأسيسي للحزب الذي سينعقد خلال الأشهر القليلة القادمة.
في انتظار ما ستؤول إليه المشاورات حول شكل الحكومة والعروض التي سيقدمها الحبيب الصيد لكل حزب، تبقى كل الفرضيات مطروحة، وإلى حد الآن يصح القول إن حركة النهضة تلعب وبذكاء دور الخاسر الذكي، إلا أنه يبقى من المُبكر الحكم بالسلب أو بالإيجاب على خياراتها السياسية التي قد تكون نتائجها من بين أبرز المُعطيات الحاسمة في مؤتمرها القادم، في شهر يوليو/ تموز القادم.