ربما لا يتسع كادر هذه الصورة لكل الأسماء التي شاركت في المسيرة المليونية والتي سار على رأسها عدد من رؤساء ورؤساء حكومات أو قادة العالم، لكن نظرة فاحصة تخبرنا أن عدد الإرهابيين في هذه الصورة (أو في المسيرة) يفوق عدد الإرهابيين خارجها.
الإرهابيون الذين نتحدث عنهم لن يوقفهم أحد في المطارات أو على معابر الدول، فهم يقودون تلك الدول، وجميعهم تركوا العديد من المهام والمسؤوليات الجسيمة لكي يوفروا ساعات لحضور مسيرة باريس لدعم “حرية التعبير” و “رفض الإرهاب”.
هناك العديد من المسؤولين الذين شاركوا في المسيرة والذين اضطروا أن يتوقفوا عن ممارسة القمع في دولهم لساعات قبل أن يعودوا ليكملوا ما بدأوه. لكن المأساة الحقيقية تكمن في أن هؤلاء القادة هم أحد أهم أسباب ظهور الإرهاب في العالم. تنظيم القاعدة على سبيل المثال بدأ في التوعد ومهاجمة المصالح الأمريكية لأسباب، أورد أسامة بن لادن أحدها في خطابات عدة، كان أشهرها خطاب “لن تنعم أمريكا بالأمن قبل أن تنعم به فلسطين”، والتي -للمفارقة- كان رئيس وزراء دولة الاحتلال فيها عام 1998 هو بنيامين نتنياهو.
الخطاب الديني الذي تبناه الوهابيون في السعودية وحاولوا نشره في أوروبا، بالإضافة إلى الدعم الخليجي لقمع الأنظمة في الدول العربية لشعوبها، في الجزائر ومصر وليبيا والأردن واليمن، والوقوف في صف العداء للثورات وللتغيير السياسي السلمي، ودعم الاحتلال في فلسطين عبر وسائل عدة، جميع تلك الأسباب وغيرها والتي التزم بها قادة الخليج على سبيل المثال، وتبنت سياساتها بشكل أو بآخر معظم الإدارات السياسية العالمية، أوصلت المنطقة والعالم إلى مرحلة من التوتر لم يعد من السهل التراجع عنها، وقامت بالمساهمة في تأسيس أطروحة عنيفة صلبة.
هنا رصد لعدد من قادة العالم أو ممثلي الدول الذين شاركوا في المسيرة، والذين مارسوا بشكل شخصي، أو تمارس دولهم التي يمثلونها أقسى أشكال القمع والإرهاب، إما بالمعارضين، أو حتى بالصحفيين مثل هؤلاء الذين ينتفض الزعماء من أجل مقتلهم!
فرانسوا هولاند: الرئيس الفرنسي
الرجل الذي عانت فرنسا في عهده أقسى هجوم منذ رحيل المحتل الفرنسي عن الجزائر، ضعيف في بلده، قوي خارجها. التدخل الفرنسي في مالي والذي أسفر عن مقتل العديد من المدنيين، الوقائع التي تواتر شهودها تصل في بعضها إلى الإعدامات الميدانية الممنهجة التي ارتكبتها القوات الفرنسية في مالي أثناء الحملة العسكرية في نهاية 2013.
إبراهيم أبو بكر كيتا: رئيس مالي
الرجل الذي يحكم البلاد منذ 2002، درس في فرنسا وعمل هناك. وعندما شعر بتهديد الجهاديين في مالي، استغاث بالفرنسيين الذين حضروا ليساندوا صديقهم. لم يكن ممكنا أن تمارس فرنسا الانتهاكات التي حدثت في مالي في خريف 2013 بلا مساعدة كيتا.
بنيامين نتنياهو: رئيس الوزراء الإسرائيلي
خلال حرب الصيف الماضي على غزة، قُتل أكثر من 2200 فلسطيني، ما يفعله رئيس وزراء دولة الاحتلال هو أنه يبرر قتل الفلسطينيين حتى الآن، لكن العالم لا يلتفت إلا لقتلى حرية التعبير. نتنياهو أيضا له دور عظيم في ذلك، فقد قتلت القوات الإسرائيلية 7 صحفيين على الأقل خلال حربها على غزة.
الفلسطينيون يحاولون الانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية، وما يفعله بنيامين نتنياهو من جانبه هو أنه يعرقل ذلك الانضمام، يحاول إجراء تحقيقات صورية داخل جيش الاحتلال لإثبات جرائم لا ترقى عقوبة أقساها إلى عقوبة سرقة بطاقة ائتمان.
الصحفيون الفلسطينيون يتعرضون بشكل دائم لتمييز من قبل سلطات الاحتلال، كما أنهم يعملون في ظروف شديدة التعقيد، وتحت تضييق مستمر.
في المسيرة شارك أيضا أعضاء من الكنيست، ووزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان، اليميني المتطرف وزير الخارجية وزعيم حزب إسرائيل بيتنا.
محمود عباس (أبو مازن): رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية
ربما لا يعرف عباس ما الذي جاء به إلى هنا، فصحيفة هآرتز الإسرائيلية أوردت أن الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند طلب من بنيامين نتنياهو ألا يحضر، وإلا فسيضطر إلى دعوة محمود عباس للحضور، ويبدو أن هذا هو ما حدث بالفعل. الدعوة التي شارك محمود عباس على إثرها في مسيرة باريس لم تلتفت لسجله كما لم تلتفت لسجل رفيقه الإسرائيلي في المفاوضات.
محمود عباس ترك مقاطعته في رام الله لكي يحضر إلى فرنسا وهو المشغول بتعميق الانقسام الفلسطيني، وسرقة مخصصات السلطة، والهجوم على المقاومة، والمعارك الداخلية في فتح، والتنسيق مع الاحتلال بالطبع. محمود عباس مهووس بذاته، فقد سجن الصحفي ممدوح حمامرة من بيت لحم لسنة بتهمة “إهانة الرئيس”! بعد أن قام بمشاركة صورة على حساباته على مواقع التواصل، وفي فبراير 2013 قضت محكمة فلسطينية في نابلس بسجن أنس سعيد عوض لعام بتهمة مشابهة بعد أن شارك صورة لمحمود عباس شبهه فيها بأحد لاعبي فريق ريال مدريد. (هناك صحفيون تم اعتقالهم بتهم مثل التشهير بشرطي في الأمن الفلسطيني!)، هذه العقلية التي تحاكم الصحفي بتهمة “إهانة” شخص ما، هي ذات العقلية التي تقتل شخصا آخر في باريس، لإهانة مقدس ما، وهي ذات العقلية التي قتلت الرسام الفلسطيني ناجي العلي لأنه أهان زعيم السلطة أو زوجته أو كليهما! وفضلا عن ذلك، فإن التنسيق الأمني مع سلطات الاحتلال الإسرائيلي أدى لاعتقال عشرات الصحفيين الفلسطينيين من قبل تل أبيب.
الأمر الآخر أن محمود عباس لم يستطع التخلي عن مسؤولياته التي ذكرناها آنفا من أجل الوقوف دقيقة حدادا على 530 طفل و 302 امرأة قضوا في حرب الصيف!
سامح شكري: وزير الخارجية المصري
منذ الانقلاب العسكري في صيف 2013 قام النظام المصري باعتقال أكثر من 166 صحفيا (حتى مايو 2014)، العديد من هؤلاء الصحفيين تمت محاكمتهم أمام محاكمات هزلية، ليس أدل عليها من محاكمة صحفيي الجزيرة المعتقلين.
سامح شكري تفرغ في الفترة السابقة لتبرير الانتهاكات ضد الصحفيين، وأكد عبر أكثر من تصريح أن القضاء المصري شديد الاستقلال. دعوات إعدام الصحفيين، والمعارضين السلميين، تصدر بشكل يومي من القنوات المصرية الخاصة والمملوكة للدولة، ووزير الخارجية يشارك حكومته في مواقفها التي نتج عنها اعتقال قرابة 50 ألف مصري خلال أشهر منذ منتصف 2013 حتى نهاية 2014.
الملك عبدالله الثاني: ملك الأردن
يتعجب المرء كيف استطاع ملك الأردن المشاركة في مسيرة لصالح حقوق الصحفيين! فبحسب إحصائيات مركز حماية وحرية الصحفيين، تعرض 22 صحفيا لـ 153 انتهاكا حتى شهر أكتوبر 2014، وذلك بعد أن شهد العام 2013 ارتفاعا قياسيا بتعرض 61 صحفيا لما مجموعه 384 انتهاكا، مقابل تعرض 29 صحفيا لـ 61 انتهاكا خلال العام 2012.
المعارضة الأردنية ليست بمنأى عن القمع الحكومي. فعمّان تعتقل عددا من القيادات الإسلامية المعارضة، من بينها زكي بني أرشيد، نائب المراقب العام للإخوان المسلمين في الأردن، على خلفية تصريحات أدلى بها وأغضبت أصدقاء الملك في أبوظبي.
عبدالله بن زايد: وزير الخارجية الإماراتي
جميع الانتهاكات التي سبق ذكرها في مصر والأردن وفلسطين وربما حتى إسرائيل، ومعظم الانتهاكات التي سنتناولها في هذا التقرير تتحمل الإمارات العربية المتحدة جزءا من المسؤولية عنها. فالدعم المالي والمعنوي الذي تقدمه الإمارات للأنظمة المناهضة للتحركات المطالبة بالحرية في الدول العربية، بما فيها حركات المقاومة الفلسطينية، أو النشطاء الإسلاميين أو اليساريين أو الصحفيين في تلك الدول وغيرها، أدى بالأنظمة إلى الاعتماد شبه الكامل على الدعم الإماراتي في توفير غطاء شعبي للقمع الذي تقوم به تجاه أطياف المعارضة على اختلافها.
المتهمون باقتحام مقر شارلي إيبدو هم أخوين جزائريين، حصلا على تدريب في اليمن، الأيدي الإماراتية ليست بعيدة عن صنعاء أيضا، إذ تدعم الإمارات نظام علي عبدالله صالح، والحوثيين الموالين له والموالين لإيران، لوأد التجربة السياسية الإسلامية والتي كان على رأسها حزب الإصلاح اليمني، وهو ما أدى من بين أسباب أخرى إلى صعود خطاب القاعدة، وهذا تحديدا هو ما تقوم به أبوظبي في دول الربيع الأخرى مثل ليبيا ومصر وتونس والبحرين.
أوضاع حقوق الإنسان في الإمارات شديدة السوء، إذ تتحدث تقارير متواردة عن الانتهاكات ضد حقوق العُمال، والأنظمة التي تسمح باستغلال النساء.
الإمارات أيضا تسهم بشكل مباشر في دعم العقلية المتطرفة عبر تجريم الانتماد إلى المجموعات الإسلامية المعتدلة، ومن بينها أغلب المنظمات الإسلامية في أوروبا ، والتي هي الدرع الأساسي الذي يقي المجتمع المسلم في أوروبا من الأفكار التكفيرية والعنيفة، وهو ما يؤدي بدوره إلى العمل الإسلامي لأن يهبط تحت الأرض وهو المناخ الأنسب لنمو مثل أفكار القاعدة وداعش.
خالد بن أحمد آل خليفة: وزير خارجية البحرين
اليوم انا فرنسي
— خالد بن أحمد (@khalidalkhalifa) January 11, 2015
منذ الانتفاضة البحرينية في فبراير 2011، تلتزم السلطات البحرينية مسارا شديد العنف تجاه المعارضة، وتجاه الصحفيين على حد سواء. فبعد أن استعانت البحرين بقوات درع الخليج والتي تشكل القوات السعودية غالبية تعدادها لتفرقة المظاهرات التي اندلعت وسط زخم الربيع العربي، التفتت السلطات إلى الإعلاميين والمعارضين السلميين.
في مارس 2013 تمت تبرئة 5 من ضباط الشرطة البحرينيين بعد أن قاموا بضرب المدون زكريا العشيري حتى الموت في أبريل 2011. وفي نفس الوقت تقريبا تمت تبرئة ضابطة من الشرطة النسائية قامت بتعذيب نزيهة سعيد، مراسلة قناة فرنسا 24.
الآن يوجد مئات المعتقلين من المعارضين في البحرين، و12 صحفيا معتقلا على الأقل.
رمطان لعمامرة: وزير الخارجية الجزائري
في 2014، تصاعدت الاعتقالات والتضييقات التي يتعرض لها الصحفيون في الجزائر. فقد جاء في تقرير صدر مؤخرا عن الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان أن “السلطات الجزائرية تضرب الصحفي بيد من حديد مستخدمة قانون العقوبات، الذي يُعتبر بمثابة المطرقة التي لا يمكن الإفلات منها.” ووصفت الرابطة العام الماضي بأنه عام أسود على الصحافة. الجزائر أيضا قامت بمداهمة وإغلاق عدد من المقار الصحفية والقنوات الإخبارية مثل “الجزائر نيوز”، “جريدتي”، “مون جورنال”، وقناة “الأطلس”،
محمد إسماعيل الشيخ: السفير السعودي في فرنسا
بعد يومين من الهجوم على شارلي إيبدو، قامت السعودية ببدء معاقبة المدون السعودي رائف بدوي بالجلد، إذ قامت بجلده لخمسين جلدة على الملأ في جدة. رائف بدوي متهم بإهانة الإسلام، وستستمر السلطات في جلده لمدة عشرين أسبوعا. الأمر ذاته يطال الجميع، المعارضة السياسية السعودية، والأقلية الشيعية، والمطالبات بحقوقهن من النساء. والإصلاحيين وغيرهم. السعودية لديها دور أعقد كثيرا من دور الإمارات في زيادة العنف والتطرف العالمي، فالدولة السعودية التي تؤكد التزامها بالإسلام، هي واحدة من أسوأ الدول في مجال حقوق الإنسان والحريات والديمقراطية، كما أنها تحمل بذور كراهية للإسلاميين المعتدلين الذين يشكلون تهديدا على شرعية الدولة السعودية.
بعض المعلقين أشاروا إلى أن فرنسا استعانت بأئمة وهابيين لمخاطبة المجتمع المسلم في فرنسا، إلا أن النتيجة كانت أسوأ!