نذير الكتاري وسفيان الشورابي، صحفيان انتقلا إلى ليبيا لإعداد تقرير استقصائي لفائدة قناة تلفزيونية تونسية خاصة منذ 2 سبتمبر 2014 لتنقطع أخبارهما بعد خمسة أيام إلى يومنا هذا.
تفاعلاً مع هذا، أنشأت الحكومة التونسيّة خلية أزمة لمتابعة الموضوع كما أُنشأت لجنة مساندة للصحفيين المذكورين يوم 10 أكتوبر، وضمّت نُشطاء من المجتمع المدني وحقوقيّين وعائلات المفقودين، بالإضافة إلى نقابة الصحفيين التونسيين.
رغم كل الجهود المبذولة، ظلّ مصير الصّحفيين مجهولاً خاصّة وأن الخاطفين لم يتصلوا بأي جهة رسمية أو شبه رسمية كما هو الحال بالنسبة لأغلب عمليات الاختطاف؛ وهو ما عقّد الأمور وصعب عمليّة البحث بغياب جهة واضحة للتواصل معها.
لم يُراوح هذا الملف مكانه حتى يوم الأربعاء الماضي، إذ أعلن “فرع الدولة الإسلامية ببرقة الليبية” خبر إعدام الصحفيين في أحد المواقع الراجعة إليه بالنّظر مرفوقًا بصور لهما.
الخبر أصدره “المكتب الإعلامي لولاية برقة التابعة للدولة الإسلامية” في موقع خاص وعلى صفحته الرسمية على الفايسبوك “إفريقية للإعلام”، وبرّر عملية الإعدام بكون الصحفيان يعملان لفائدة “قناة تحارب الله والرسول”، على حد تعبيره.
خبر سارعت الوكالات الإعلاميّة لنشره، وكان أولها وكالة الأنباء الفرنسية ثم وكالة الأناضول ومنهما باقي وسائل الإعلام ليتم التراجع عن الإقرار فيما بعد باعتبار أنه لم يتم نشر صور واضحة تُؤكد عملية الإعدام، كما تعوّد الرأي العام في مثل هذه العمليات.
في تونُس، ظل الرأي العام ينتظر تأكيدًا أو نفيًا من مؤسسات الدولة أو من نقابة الصّحفيين، إلا أنهم أقروا بغياب التفاصيل وبأنّه طالما لم يتم عرض صور تؤكد عملية الاغتيال فإن الأمل يبقى راسخًا.
في ذات السّياق، سارعت بعض المؤسسات الإعلامية إلى التشكيك في البيان المذكور، خاصّة وأن الصور يظهر فيها الصحفيان بملابس صيفية كما أن الصورة الثالثة التي تُظهر إطلاق النّار غير واضحة، مُطالبة السلطة بمواصلة بذل الجهد.
على المستوى الرسمي، طالبت وزارة الخارجية التونسية نظيرتها في ليبيا بتحمّل مسؤوليتها وبضمان حماية الصحفيين أو على الأقل الإتيان بالخبر اليقين، إلا أنه وكما نعرف جميعًا في ليبيا حضور الدّولة رمزي وهي أضعف من أن تحمي مسؤوليها، فما بالك بصحافيين مجهولي المكان.
التّشكيك في عملية الاغتيال، دفع نفس الجهة أي “المكتب الإعلامي لولاية برقة التابعة للدولة الإسلامية” لإصدار بيان جاء فيه:
سياسة صنع الغباء وتسويق الرداءة وسياسة إنكار الواقع والحقائق سياستان وجب على كل تونسي مسلم كان أو كافر حداثي علماني وسطي معتدل أن يتعوّد عليهما كما تعوّد عليهما طيلة نصف قرن.
ونريد أن نُفجِّر مفاجأة ستزلزل حكام تلك الدويلة المضحكة وسخافيّيها وسياسيّيها:
عدوّ الله الشورابي ومن معه لم يُقتلا البارحة كما تعتقدون، نعم .. لم يُقتلا البارحة، بل قُتلا منذ شهور ولله الحمد، وكنّا في إفريقيّة للإعلام على علم بهذه المعلومة منذ أواخر شهر أكتوبر الماضي ولم نعلن ذلك، وكان كلّ مجاهد مهاجر من تونس يتواجد في ولاية برقة (النصف الشرقي لليبيا) على علم بذلك، ولم تعلم مخابراتكم وداخليّتكم المضحكة بهذا، ولم يعلم به أسيادكم الأمريكان والفرنسيّون، ولم يتم إعلان ذلك من قِبل الدولة الإسلامية لأنّهما تافهان لا يستحقّان أن تتحدث عنهما الدولة الإسلامية ومكاتبها الإعلاميّة.
فالدولة الإسلامية ولله الحمد يقتل مجاهدوها يوميًا المئات من المرتدين والكفار في كل ولاياتها، وليس هذان المرتدان بمهمين حتى يُخصا بتقرير مرئي، ولكن بعدما رآه الإخوة الإعلاميون من كفر وردة سخافيي تونس بعد مساندتهم الوقحة العلنية للكفرة الهلكى الفرنسيين المستهزئين برسول الله – صلى الله عليه وسلم – وبذات الله المقدسة وبالأنبياء والرسل وبعباد الله المسلمين، قاموا بنشر تلك الصور الرديئة المصوّرة بهاتف جوال في تقرير رسمي، في رسالة مباشرة لكم حتى نذكركم بأن ذلك ما ينتظر كل كافر محارب لله ورسوله وعباده المسلمين.
كما تم في ذات التقرير، توعّد الصحفي حمزة البلومي، بنيل نفس الجزاء.
من جهة أخرى، أكّدت قوات فجر ليبيا مقتل الصحفيين التونسيين واتهمت ابراهيم الجظران، و هو زعيم فدرالي في الشرق الليبي كان تحت سيطرته وهو المكان الذي اُختطف منه الصحفيان، بقتلهما.
أيًا كانت مصداقية البيان الذي أصدره المكتب الإعلامي التابع “للدولة الإسلامية”، اعتبر مُحلّلون بأنّ عدم تفنيد الخبر من طرف خاطفيه يؤكّد حدوث الفاجعة منذ مُدّة وبأنّ الإعلان أتى فقط ليتفاعل مع حادثة شارلي إيبدو بفرنسا لانسجامهما في المضمون.
يُذكر أن منظمة “مراسلون بلا حدود” صنّفت ليبيا كثاني أخطر منطقة على الصحفيين سنة 2014 بعد المساحات التي تُسيطر عليها داعش بين سوريا والعراق، إذ قُتل على أرضها 4 صحفيين واُختُطِف 29 في حين اُضطر 43 صحفيًا إلى مُغادرة ليبيا لاستحالة العمل فيها.