منظور آخر للتطرف في العالم الإسلامي

reaganandmujahideen1

إن من أشد ما يحدث الآن في العالم الإسلامي هو التطرف الذي يفتت بلادها وشعبها، ومازالت هذه الثقافة تتوغل وتنتشر دون أثر لأي جهد مثمر يحد من انتشارها، وآخر ما وصل إليه التطرف هو إقامة الدولة الإسلامية – أو هكذا تدعي – في العراق والشام، والتي تُعَد أكبر وأخطر ما وصل إليه الفكر التطرفي، فقبل ذلك كان التطرف محصور في أشخاص وجماعات بينما هو الآن يتمثل في شبه دولة.

والتطرف موجود في كل دين وفي كل معتقد وفي كل سياسة، فهناك دومًا أشخاص مستعدين للتضحية بشكل أو بآخر للدفاع عن قضيتهم أو نشرها أو محاربة من يعارضها، والتطرف مسببه الأشخاص المتطرفون أنفسهم الذين أساؤوا فهم دينهم أو تعلقوا بشدة بمعتقدهم لدرجة أنهم لم يعودوا يرون الصواب سوى في أفكارهم والخطأ سوى في أفكار غيرهم.

إن ما يرتكبه بعض المدعين بأنهم ينتمون إلى الإسلام من أعمال إرهابية لا يمكن تبريره ولا يمكن الدفاع عنه، وحتى وإن كان هناك أسباب مثل الحروب والعدوان الخارجي أو حتى الفقر وسوء الأوضاع الداخلية والتي تثير هذه الأعمال الإرهابية، فإنه لا يجب صرف النظر عنها، ولكن التطرف في العالم الإسلامي أخذ منحى آخر قبل ما يقارب الثلاثين سنة، حينما حدثت بعض المواقف التي أدت إلى تنميته وانتشاره.

في عام 1979 قام الاتحاد السوفيتي بغزو أفغانستان في محاولة لإقامة حكومة شيوعية، ومنذ بداية الحرب بدأ المجاهدون المسلمون بالتجمع لصد العدوان السوفيتي، كان دور إدارة الرئيس الأمريكي رونالد ريغان مهمًا في دعم المجاهدين دعمًا خفيًا بتوفير إعانات حربية، ما تطور لاحقًا ليصبح تحالف بين الولايات المتحدة الأمريكية، بريطانيا، السعودية، مصر، باكستان والصين لتدريب ودعم المجاهدين، بين 1986 و1987 كان التحالف يرسل ما يقارب 60.000 طنًا من الأسلحة والذخائر وأجهزة التواصل إلى أفغانستان، حسب ما أوضحه رئيس محطة سي أي إي في باكستان ميلتون بيردن، وقُدر أن المجاهدين كانوا يحصلون على ما يقارب 200 مليون دولارًا سنويًا من الولايات المتحدة الأمريكية، وساعد السي أي إي في إنشاء مخيمات تدريب للأفغان يتم تدريبهم فيها على صناعة القنابل، التخريب، وحروب العصابات، هذه المخيمات التي أنتجت لاحقًا القاعدة وطالبان اللذان تعتبرهم الولايات المتحدة الأمريكية اليوم جماعات إرهابية خطيرة.

وكانت باكستان من أكثر الدول المتواطئة مع الولايات المتحدة الأمريكية في هذه العملية، فالمخابرات الباكستانية التي دُعمت من إدارة ريغان تحت رئاسة ضياء الحق لباكستان كانت المنفذ الرئيسي للأسلحة إلى أفغانستان، وعندما كان أسامة بن لادن يدير مكتب الخدمات في باكستان الذي يقوم بتمويل المال والأسلحة والمقاتلين من الخارج إلى أفغانستان كانت المخابرات الباكستانية الداعم الرئيسي لهذا المكتب.

عملية استقطاب المجاهدين تطلبت بروباجندا عميقة ممولة من السي أي إي انتشرت في الصحف والإعلانات حول العالم تدعو الناس إلى الجهاد في أفغانستان، وحسب ما أوضحه بيرويز هودبوي، عالم فيزيائي وناشط باكستاني، فإن الولايات المتحدة الأمريكية أعدت كتب للأطفال الأفغانيين تدعو إلى قتال السوفيتيين، هذه الكتب كانت تهدف إلى تنمية الشعور بواجب القتال واستمرت أفغانستان بتدريسها بموافقة من طالبان بعد سنوات من طباعتها، فالولايات المتحدة الأمريكية وجدت من الإسلاميين حليفًا يمكن الاعتماد عليه لهزيمة الاتحاد السوفيتي الذي كان يمثل أخطر عدو يقف في طريقها آنذاك.

خلال العشرة أعوام للحرب اُستقطب ما يقارب 100.000 مقاتلاً من 40 دولة للقتال، وكان الدعم يصل إلى أكثر الجماعات والأشخاص تطرفًا أمثال قلب الدين حكمتيار مؤسس جماعة حزب إسلامي، مولاوي يونس خالص، وبرهان الدين رباني؛ حكمتيار المسؤول عن جرائم كثيرة، منها رمي وجوه النساء بأسيد حارق عند كشفهم لها، كان من أحد أكبر المستفيدين من الإعانات الأمريكية.

كان لدعم المجاهدين أثر جذري في قلب كفة النزاع لصالح الأفغان، وبعد 10 سنوات من الحرب انسحب الجيش السوفيتي مهزومًا من أفغانستان، وبينما كان المجاهدون متحدون في ظل الحرب بهدف إخراج الجيش السوفيتي، انتهت الحرب ونتج عنها انشقاقات في صفوف المجاهدين ليتم تشكيل جماعات وأحزاب مختلفة يسعى كل منها إلى السلطة في فراغ السلطة الذي دخلت فيه أفغانستان بعد الحرب.

وعلق زبغنيو برزنسكي، مستشار الأمن الوطني الأمريكي، عندما سُئل هل يندم على دعم أشخاص متطرفين أصبحوا في نهاية المطاف إرهابيين، قائلاً: “أيهم أهم في تاريخ العالم، طالبان أم سقوط الاتحاد السوفيتي؟ مجموعة من المسلمين المثارين أم تحرير وسط أوروبا وإنهاء الحرب الباردة؟”.

في منتصف التسعينات بدأ التطرف يأخذ منحى آخر، فحرب أفغانستان مع الاتحاد السوفيتي خلفت أولاً مجموعة كبيرة من الأشخاص المدربين عسكريًا والمستعدين لحمل السلاح والمغسول أدمغتهم بأفكار متطرفة، وثانيًا مجموعة أكبر من الأشخاص الصغار والشباب الذين لم يعرفوا للحياة معنى سوى الحرب وكبروا على ثقافة القتل والسلاح.

الحادثة الأولى المهمة كانت حرب الخليج، إرسال قوات أمريكية إلى السعودية لتحرير الكويت، وبقاء هذه القوات حتى بعد انتهاء الحرب، ثم العدوان العسكري الذي ذهب ضحيته آلاف الأبرياء، بالإضافة إلى كون الولايات المتحدة الأمريكية تخلت عن المقاتلين الذين صنعتهم بعد أن خدموا مصالحها، كان كفيلاً بإشعال شرارة الرغبة في الانتقام.

في عام 1998، قامت الولايات المتحدة الأمريكية بإطلاق 14 صاروخًا على مصنع الشفاء للأدوية في مدينة الخرطوم الذي كان مشتبهًا أنه مصنع للأسحة الكيماوية مملوك جزئيًا لأسامة بن لادن، العدوان جاء كانتقام للتفجيرات التي حصلت في سفارتين أمريكيتين في تنزانيا وكينيا والذي كان أسامة بن لادن مشتبهًا بتدبيرها، ولكن كما تبين فإن المصنع كان مصنعًا للأدوية بلا أثر لأسلحة كيماوية، وكان هذا المصنع أحد المصانع الثلاثة التي تمتلكها السودان لإنتاج الأدوية، وما يثير الدهشة هو كيف ادعت الولايات المتحدة الأمريكية أن أحد أكثر الدول فقرًا في العالم الثالث تمتلك مصنعًا للأسلحة الكيماوية، ومن غير المستغرب أن هذا العدوان قوبل بشجب شديد من السودانيون الذين عبروا عن غضبهم بالتظاهر ورمي الحجارة على السفارة الأمريكية في الخرطوم، وبينما كانت السودان تسعى في محاولات جادة لإصلاح الوضع الداخلي وتخفيف الأثر التطرفي فإن العدوان بدد كل هذه الجهود حينما عاد التطرف من جديد.

وفي نفس اليوم أطلقت الولايات المتحدة الأمريكية صواريخ على مخيمات تدريب شبه عسكرية في أفغانستان كان مشتبهًا أنها تتبع لجماعات مرتبطة بأسامة بن لادن.

بعد أسبوعين فقط من تفجير السفارتين الأمريكيتين اتفق المسؤولون في إدارة الرئيس بيل كلينتون أنه يوجد دليل كافي لإدانة بن لادن، وأوضح مسؤول أعلى أن إدارة الرئيس كلينتون لديها “ثقة عالية أن التفجيرين تم التخطيط، والدعم والتنفيذ لهما من قبل الجماعة التي يديرها بن لادن”، وخرج الرئيس كلينتون ليعلن أن العدوان الذي تم تنفيذه على السودان وأفغانستان ليس عدوانًا على الإسلام أو المسلمين، قائلاً: “أريدكم أن تفهموا وأريد العالم أن يفهم أن تصرفنا اليوم لم يكن ضد الإسلام، الديانة التي يعتنقها الملايين من الأشخاص الجيدين والمسالمين في كل أنحاء العالم وفي الولايات المتحدة الأمريكية”.

في ذاك العقد كان أسامة بن لادن قد بدأ يتصدر العناوين بسبب ربطه في تفجير السفارتين الأمريكيتين، العدوان الانتقامي المذكور جاء من دون سابق إنذار من الولايات المتحدة الأمريكية، وعلق جيسون بيرك، صحفي يقوم بتغطية شمال أسيا، أن العدوان على السودان وأفغانستان في 1998 “جعل بن لادن رمزًا، وعمل على تقوية العلاقات بينه وبين طالبان كما أدى إلى ارتفاع حاد في الدعم والتمويل والتجنيد للقاعدة التي كانت قبل ذلك غير معروفة”.

فهذا هو المبدأ عند التعامل مع الإرهاب، كلما هاجمته كلما انتشر بشكل أكبر.

في حادثة مرتبطة بذلك في عام 1981، قامت إسرائيل بتفجير مفاعل أوزيراك النووي الغير مكتمل في العراق، ريتشارد ويلسون، رئيس قسم الفيزياء في جامعة هارفارد، استنتج أن مفاعل أوزيراك لم يكن مناسبًا لصنع البلوتونيوم على نقيض مفاعل ديمونة النووي الإسرائيلي، ودعم ذلك عماد خضوري، عالم عراقي في الفيزياء النووية، كما أوضح أنه بعد التفجير قامت العراق بأخذ قرارات جادة للعمل على صنع الأسلحة”، معلقًا أنه كان ليتطلب من العراق عقود لصنع أسلحة نووية ولكن التفجير قام بتسريع العملية بشكل كبير.

عام 2001 مثّل نقطة تحول خطيرة أولاً في انتشار التطرف وتطوره، وثانيًا في نظرة العالم له، أحداث 11 سبتمبر تمثل حدثًا لا يُنسى في التاريخ الحديث، فهو الحدث الذي أدى إلى “الحرب على الإرهاب” التي انتهت بكونها حربًا على البلاد الإسلامية.

بطريقة مشابهة لردة الفعل لتفجيرات السفارة الأمريكية في تنزانيا وكينيا، كان أسامة بن لادن المتهم الرئيسي، ومرة أخرى قام رئيس أمريكي آخر، جورج بوش هذه المرة، بالتعليق على ما حصل قائلاً إن “الإرهاب ليس هو الإيمان الحقيقي للإسلام، ليس هذا هو الإسلام، الإسلام هو السلام، هؤلاء الإرهابيون لا يمثلون السلام هم يمثلون الشر والحرب”، وأن “هذه الأفعال ضد الأبرياء تنتهك المبادئ الأساسية للإسلام، ومن المهم للأمريكيين أن يفهموا ذلك”.

ولكن هذا الرئيس الأمريكي هو نفسه الذي قام بغزو دولتين إسلاميتين، أحدهم حصل بعد شهرين من إلقائه الخطاب، غزو أفغانستان والعراق شكّل مرحلة مهمة في تحول الحركة الجهادية، فالمشكلة الأساسية أن هذه الحروب لم تكن حربًا على القاعدة، بل كانت حربًا على الأفغانيين والعراقيين الذين لم يرتكبوا عدوانًا قط ضد الولايات المتحدة الأمريكية، ففي العام الذي شُنّت فيه الحرب قدرت الأمم المتحدة وجود ثمانية ملايين أفغاني بحاجة إلى إعانات طارئة، بينما هاجر مليون أفغانيًا إلى الحدود الأفغانية – الباكستانية خوفًا من الهجوم الأمريكي، وهؤلاء هم الأشخاص الذين وقعوا ضحايا لحرب الإرهاب رغم أنهم لم يرتكبوا الإرهاب قط، لذلك ما الذي يجب علينا توقعه أكثر من زيادة في التطرف وكره متزايد للولايات المتحدة الأمريكية.

وقد شُنت الحرب على أفغانستان بحجة أن طالبان متواطئة مع القاعدة وتخفي بن لادن في بلادها، وعندما طلبت الحكومة الأمريكية من طالبان أن تسلم بن لادن وافقت طالبان على تسليمه للمحاكمة إذا قدمت الحكومة الأمريكية أدلة تثبت إدانته، وما كان من الرئيس جورج بوش إلا أن رد قائلاً: “نحن نعلم أنه مذنب، قوموا بتسليمه”، وحذر رئيس وزراء بريطانيا توني بلير نظام طالبان قائلاً: “تخلوا عن بن لادن، أو تخلوا عن السلطة”، فلم يكن هناك دليل معتمد يثبت أن أسامة بن لادن كان مرتبطًا بالتفجيرات، وقد صرح متحدث الإف بي أي ركس تومب في سبتمبر 2001 أن معرفة مرتكبي التفجيرات سوف يستغرق وقتًا، وفي 2006 صرح أن “الإف بي أي لا تمتلك دليل قوي يربط أسامة بن لادن بأحداث 11 سبتمبر”.

قبل 2001 كانت القاعدة ماتزال غير معروفة بشكل كامل، عدا بعض الهجمات العشوائية على مواقع أمريكية لم تشكل القاعدة أي خطر حقيقي، ولكن بعد غزو أفغانستان والعراق أصبحت القاعدة أحد أهم الجماعات الإرهابية في العالم، وهو الأمر الذي كان متوقعًا، أوضح جيسون بيرك أنه بعد غزو أفغانستان انتشرت رسالة بن لادن لملايين الأشخاص، بالتحديد الشباب الغاضبون في أنحاء العالم، وأن كل استعمال للقوة هو نصر صغير أخر لبن لادن، المجاهدون الذين دعمتهم الولايات المتحدة الأمريكية في حربهم ضد الاتحاد السوفيتي عادت لتقوم بتفجيرهم في حربها ضدهم.

حذر الكثير من الخبراء قبل غزو العراق أن الحرب ستثير الإرهاب، المجلة العالمية للمخابرات العسكرية استنتجت أن “الهجوم على العراق سوف يزيد حدة الإرهاب لا أن يخففه، الحرب في العراق تهدد بالزعزعة وخلق تهديدات إرهابية أخرى”، وكانت هذه الاستنتاجات في محلها فقد أوضح تقرير للأمم المتحدة أن التجنيد للقاعدة ازداد في ثلاثين إلى أربعين دولة بينما كانت الولايات المتحدة الأمريكية تستعد للحرب، وحسب مختصي الإرهاب بيتير بيرغن وبول كروكسانك، فإن الإرهاب ازداد سبعة أضعاف في العراق بعد الغزو، كما علق فواز جرجس، خبير الشرق الأوسط، أنه “لا يمكن تصديق كيف أحيت الحرب النداء للجهاد العالمي الذي كان في انخفاض حقيقي قبل أحداث 11 سبتمبر”.

السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط كان لها أثير عميق في انتشار التطرف والتشدد، إنها حقيقة بديهية كون الأمم تمقت أن تتدخل قوة خارجية لتتحكم في بلادهم، الأشخاص في الشرق الأوسط كانوا معارضين لحروب الولايات المتحدة الأمريكية أو لأي تدخل منها، يقول كينيث والتز، أحد أهم الأكاديميين في مجال العلاقات العالمية، إن “الأشخاص الساخطون في الدول الضعيفة يوجهون الاتهام للولايات المتحدة الأمريكية كرمز لمعاناتهم”، ويتفق في ذلك خبراء أخرون كما يتفقون أن الهجوم من قبل دولة تعد الأقوى عسكريًا على دولة ضعيفة من المرجح أن ينمي الحاجة للانتقام، لذلك ليس من المستغرب أن نشهد نوع من المقاومة من قبل هؤلاء الأشخاص.

القتل الجماعي خلال عمليات قتل المشتبهين يمكن فقط أن ينتج عنه حدة في الرغبة في الانتقام، لكل “مشتبه به” يُقتل (وليس هناك داعي لإثبات تهمته يكفي الشك) يخسر عشرات الأشخاص الأبرياء أرواحهم في هذه العملية، في منطقة باجوار القبلية في باكستان شُنت حرب صغيرة حادة علقت عليها BBC أن “الكثير في باجوار يتتبعون أثر الحرب لهجوم صاروخي مشتبه من الجيش الأمريكي على مدرسة إسلامية في نوفمبر 2006 والذي قتل ما يقارب 80 شخصًا”، الناشط المعارض بيرويز هودبوي قال إن نتيجة الهجوم الصاروخي كان “بيوت مدمرة وأطفال قتلى ومشوهون وسكان متزايدون يسعون للانتقام ضد باكستان والولايات المتحدة الأمريكية”.

ومثل هذا يتكرر كثيرًا في الحروب الأمريكية، ففي قرية “جراناي” الأفغانية قُتل 147 شخصًا في تفجيرات قامت بها طائرات الجيش الأمريكي، وفجرت أيضًا قرية في منطقة أروزغان بينما كانت القرية تحتفل بزفاف نتج عنه عدد من القتلى أيضًا، كما صرح ديفيد كلكولين، مستشار الجنرال السابق بترايوس، أن الطائرات بدون طيار قتلت 14 إرهابيًا مشتبه به و700 مدنيًا في باكستان.

في دراسة قامت بها جريدة “Globe and Mail” الكندية على جنود مشاة طالبان من منطقة قندهار، كشفت أن هؤلاء الجنود يصفون أنفسهم بالمجاهدين، ما يقارب الثلث منهم أدلى بأنه خسر على الأقل فرد من أفراد عائلته في غارات جوية، الكثير منهم أعلن أنهم يقاتلون للدفاع عن القرى الأفغانية من الهجمات الجوية والقوات الخارجية، بينما أعلن القليلون أنهم يحاربون جهادًا عالميًا أو أنهم أولياء لرئيس طالبان ملا عمر.

أحمد رشيد، صحفي باكستاني قام بتغطية باكستان وأفغانستان ووسط أسيا لأكثر من 20 عامًا، قابل معظم الأعضاء المؤسسين لحركة طالبان ويخبر عنهم أنهم كانوا شباب قرى متدينين حاربوا الجيش السوفيتي كجنود مشاة وشعروا بخيبة أمل من الحرب الأهلية التي تبعت ذلك، فاجتمعوا ليخلصوا قندهار من العصابات ثم جابوا البلد ليطلبوا من القادة أن ينهوا الحرب الأهلية، وعندما فشل ذلك قرروا إنشاء جماعتهم والتي كانت تهدف إلى إنهاء الحرب الأهلية، نزع السلاح من المواطنين، وتقديم نظام إسلامي، صحيح أن هذه الجماعة في النهاية ارتكبت جرائم عدة في حق الأفغانيين خصوصًا بتأسيس نظام حكم إسلامي شديد التطرف، إلا أن ما كتبه أحمد رشيد يفسر الكثير عن نشأة هذه الجماعة.

لقد أثبت المواطنون أنهم قادرون على معالجة مشاكلهم التي تواجههم في بلادهم، في أفغانستان كانت هناك محاولات جادة قبل الغزو الأمريكي من قبل الأفغانيين أنفسهم للإطاحة بحكومة طالبان، وحتى بعد الغزو مازال الأفغانيون يحاولون معالجة الوضع، أوضح جيسون بيرك أن “طالبان كانت مشتركة في محادثات سرية لإنهاء النزاع في أفغانستان في عملية سلام واسعة النطاق مدعومة من قبل السعودية وبريطانيا”، بالإضافة إلى أن هناك شبكة من النشطاء الذين يدعون إلى مفاوضات وإيجاد حل مسالم مع طالبان عن طريق مجلس أمن وطني يمثل اجتماع للأفغانيين مؤسس في 2008، وفي لقاء لدعم هذا المجلس انتقد 3000 من السياسيين والمفكرين الأفغانيين الحملة العسكرية العالمية ضد العسكريين الإسلاميين في أفغانستان ودعوا إلى حوار لإنهاء القتال.

ولا تقل السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية تطرفًا عن المتطرفين الذين تحاربهم، فالطرفان يحاربان كل من يعارضهم، والطرفان مستعدان لاستخدام القوة عند المشيئة لفرض سيطرتهم ونشر سياستهم، والطرفان يرون أنهم على حق مطلق فيما يرتكبونه.

ولنا هنا أن نسأل هل يمكن القضاء على التطرف بمزيد من التطرف؟ أو بالقتل والعنف؟ قد لا يكون لدينا حل عملي لهذه المشكلة في الوقت الحالي إلا أنه لدينا من المنطق ما يكفي لنقول: لا، ليس هكذا تُعالج المشكلة، ولنا أن نقترح أنه إذا سحبت الولايات المتحدة الأمريكية قواتها من أفغانستان والعراق وباكستان ومن جميع أنحاء الشرق الأوسط فإن هذه الجماعات المتطرفة سوف تضعف لأنه لا يوجد شيء يثيرهم، وبغض النظر عما تطلبه هذه الجماعات فالولايات المتحدة الأمريكية يتعين عليها أن تغير من سياستها الخارجية وتستجيب لمطالب مواطني الدول المتأثرة بشكل أو بآخر من هذه السياسة.