في منتصف القرن العشرين بدأت كلمة الإرهاب في الظهور والانتشار في الكتابات السياسية وسائر وسائل الإعلام ، ثم انبرى مؤلفون وكتاب غربيون أخذوا على عاتقهم نشرها والتركيز عليها في مؤلفاتهم والتي وصلت إلى ذروتها في القرن الحادي والعشرين.
ولقد استخرج صائغو النظام العالمى الجديد هذا المصطلح من خلفياتهم الثقافية ومن تاريخهم، وعلى الرغم من أن هذا المصطلح لا يعطي نفس المعنى في الإسلام إلا أن بعض المثقفين من أمتنا، ممن اعتادوا أن يقتاتوا على فتات الموائد الثقافية الغربية التقطوا هذا المصطلح، وحاولوا استخدامه في بلداننا الإسلامية للدلالة على الداعين إلى التمسك بسنة رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، فقد وصفوهم في البداية بالمتشددين واستخدموا أيضًا اصطلاح الأصوليين لوصفهم، ولما لم يجد هذا المصطلح نجاحًا صَدَّر الغرب إلينا لفظيّ المتطرفين والتطرف، بيد أن هذا المصطلح أخفق هو الآخر في تحقيق أهدافه الهدَّامة في بلداننا الإسلامية؛ لأن تساؤلاً ثار: من الذى يُحدد المتطرف من غير المتطرف؟ ورغم استمرار استخدام هذا اللفظ للدلالة على اعتناق الفكر الإسلامي، الذى ينكره عليهم العلمانيون ممن ينتسبون إلى الأمة الإسلامية بأسمائهم فقط، أو من غير المسلمين الذين يعيشون في الأمة؛ نجد أنه قد استُحدِثَ لفظ جديد هو لفظ الإرهاب كترجمة للفظ Terrorism.
وقد انتُقي هذا اللفظ ليكون مشتقًا من اللفظ القرآني (ترهبون) لِيُعبِّر عن استخدام العنف في فرض الرعب أو للوصول إلى السلطة، مع أن اللفظ القرآني هو لفظ في سياق آية قرآنية تدعو إلى إعداد القوة قدر الاستطاعة، كإجراء وقائي يمنع أعداء الله وأعداء الأمة من الاعتداء، فيقول الله تعالى {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ} الأنفال: 60.
فالآية الكريمة تدلنا على المنهاج الإسلامى لردع العدو تجنبًا للحرب بدليل أن الآية التالية لها كما يلي: {وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} (61).
فالمسلمون لا يسالمون من موقع الضعف فيكون استسلامًا، ولكن من واقع القوة، ولا يدعون إعداد القوة حال السلم، حتى يرتدع العدو ولا يفكر في الاعتداء عليهم.
وعلى الرغم من كل هذا فقد نجد أن الاتجاه العالمي هو التعبير بكلمة “الإرهاب” عن الإسلام، وبعضهم يضيف وصفًا للإرهاب فيقول: “الإرهاب الإسلامي”، وهو ما نجده كثيرًا فى تعبيرات قادة العالم الغربي والعربي أيضًا، وممن أعلنوا صراحة عدائهم للإسلام .. افتراءً على الإسلام والمسلمين.
ذلك وتعتبر التعبئة العالمية لمحاربة الإرهاب أحد مكونات ثقافة السلام المزعومة وهم يشيرون إلى المجاهدين المسلمين في كل مكان المُدافعين عن أرضهم.
إن محاربة الإرهاب ليست حربًا عسكرية فحسب، بل هي حرب إعلامية فكرية في المقام الأول، لذا نجدهم يضيفون لفظ التطرف للفظ الإرهاب، ويتحدثون عن أن حرب الإرهاب يجب أن تمتد إلى تجفيف منابعه، وهم يقصدون بذلك محاولة القضاء على الفكر الإسلامي وأصوله، فقد وضعوا كل المسلمين في قارب واحد وعقدوا العزم على إغراقه.
إن الواقع التاريخي – في القديم والحديث – يؤكد على أنه كانت ومازالت هناك حروب ظالمة غاشمة على البلدان الإسلامية بداية من الحروب الصليبية وفي الأيام الأخيرة في العدوان الهمجي على المسلمين في كل بقاع الأرض، فعلى سبيل المثال لا الحصر: حرب الإبادة الجماعية في الاتحاد السوفيتي وإثيوبيا وأفريقيا الوسطى وفى الهند والعدوان الصهيوني المستمر على غزة، وغيرها من الأصقاع التي يسيطر فيها غير المسلمين أو يتغلبون فيها عليهم سواء أكانوا أقلية أم أغلبية، وفي العصور السالفة نجد محاكم التفتيش فى إسبانيا بعد سقوط دولة المسلمين في الأندلس، ولم يُطلق على كل هؤلاء إرهابيين.
ولم تكن الحروب العسكرية الميدان الوحيد للنزاع والصراع ، كما أنها ليست الوسيلة المضمونة للغلبة على المسلمين، إنما هناك ميدان آخر للنزال وهو ميدان الفكر والإعلام والدعاية والمعلومات، ليكن ذلك وسيلة مضمونة التأثير في التشويه والتشكيك.
والصورة القريبة لهذه الحرب التي نراها اليوم ونعيش أحداثها هي هذه الهجمة الشرسة على الإسلام والمسلمين لإلصاق تهمة الإرهاب والتعصب والأصولية هذه الألفاظ المنعوتة بالشر والسوء كلها، وقد كان اليهود وأذنابهم وراء نشر وإشاعة هذه المصطلحات، ثم وجدت قبول عند الدوائر المعادية للإسلام والمسلمين، انتقلت بعد ذلك عن طريق العدوى والتقليد الأعمى إلى الصحافة ووسائل الإعلام العربية، وعند إشاعة هذه التهمة يدخل الإسلام والمسلمون في قفص الاتهام ويُضطرون لإنفاق الجهد في الدفاع عن النفس والعمل على نفي التهمة بالوسائل والأساليب كلها وعلى جميع المستويات، ويستتبع هذا مواقف التبرير والتنازل؛ فيفرح أعداء المسلمين بنجاح مخططهم فقد تبادلوا المواقع مع المسلمين ووقفوا موقف الهجوم علينا وهم الغارقون في الجريمة والمفسدون في الأرض بكل ألوان الفساد.
إن شعار “التحالف الدولي من أجل محاربة الإرهاب” الذي يرفعه قادة وزعماء الدول الغربية وعلى رأسهم أمريكا ويوافقه عدد كبير من قادة البلدان العربية والإسلامية، ما هو إلا شعار يحمل في طياته شن حرب عالمية شاملة ضد الإسلام والمسلمين لاقتلاعه من العالم إن استطاعوا – ولن يستطيعوا بإذن الله -.