خلال عامي 2011 و2012، كانت الولايات المتحدة ومعظم البلدان الغربية تتحدث كثيرًا عمّا تسميه “عدم توحّد المعارضة السورية سياسيًا وعسكريًا”، لاسيما عندما يتعلق الأمر بأي نوع من أنواع المساعدة الفعّالة المفترضة حتى في مواضيع إنسانية لا ترتبط بالسياسة.
بطبيعة الحال، لم تكن تلك سوى مبررات غير حقيقية في قائمة لا حصر لها من الذرائع المختلقة لتبرير التقاعس في الموقف والأداء، وللتغطية على المسؤولية الأخلاقية، في المقابل، لا نريد أن نبالغ ونقول إن المعارضة السياسية والعسكرية كانت موحّدة وعلى قلب رجل واحد آنذاك، لكنها كانت قد حققت الحد الأدنى المطلوب منها في الوحدة والتنوع والإجماع على هدف واحد وهو إسقاط النظام السوري، ففي النهاية لم يكن الهدف خلق أو تشكيل نظام سوري آخر لكن كان في المعارضة!
اليوم وبعد قرابة الأربع سنوات على انطلاق الثورة، وبعد اختلاط الأوراق واتساع دائرة القضية وتحول سوريا إلى ساحة لصراع جيوبوليتيكي إقليمي ودولي، ازداد الموضوع تعقيدًا، وتشتت المعارضة العسكرية للأسف لأسباب عديدة، وبدلاً من أن يكون هناك فصيل عسكري واحد وموحد في مواجهة النظام، أصبح لدينا في الجبهة الشمالية وحدها ربما ما يزيد عن 70 فصيلاً مسلحًا معارضًا .
ورغم أنّ كل هؤلاء هدفهم إسقاط نظام الأسد أولاً، لكن عمليًا رأينا بعض الانحرافات في الأفكار والأسلوب والمنهج، كما أن البعض قد غيّر أولوياته أو خلطها بما لم يطالب به الشعب السوري، وبغض النظر عن الأسباب التي أدت إلى كل ذلك ومن بينها وحشية النظام وتخلي العالم عن المعارضة المسلحة وتدخل إيران وأذرعها الطائفية، فإن الأوضاع التي بات الشعب السوري يعاني منها اليوم بسبب عدم حسم المعركة لا تبرر لأي من هؤلاء الفرقة والتقاتل والتناحر.
في الجبهة الجنوبية، هناك تجربة من نوع آخر كما يقال، نعم، هناك تعدد أيضًا للمقاتلين المعارضين، لكن هناك حد أدنى من الانضباط المطلوب والعمل الجماعي والتركيز على الهدف، لقد حققت هذه التوليفة إن صح التعبير، إنجازات كبيرة في الجبهة الجنوبية ضد النظام السوري، صحيح أنّها بطيئة لكن تقدّمها كان ثابتًا رغم أنّ ما هو متوافر من أسلحة وذخيرة لهؤلاء المقاتلين أقل مما هو متوافر كمًا ونوعًا لأقرانهم في الشمال كما تشير التقارير.
يقال إنّ السبب في تحقيق هذه الإنجازات التي سجّلت في الجبهة الجنوبية بالإضافة طبعًا إلى إرادة المقاتلين والعناصر التي ذُكِرَت أعلاه، إنما يعود إلى الانضباط الشديد الموجود في هذه الجبهة، وهو ما يعزوه البعض أيضًا إلى تأثير خارجي يحرص على ألا تتحول الجبهة إلى فوضى مماثلة لما هو عليه الأمر في الشمال، وأن لا تنتقل الانعكاسات السلبية المحتملة حينها من هذه المنطقة إلى المناطق المجاورة خارج سوريا.
وبغض النظر عمّا إذا كان السبب صحيحًا أم لا، فإن شيئًا مما هو موجود في الجبهة الجنوبية نحتاج إليه في الجبهة الشمالية أيضًا، صحيح أنّ هناك اندماجات تحصل بين فترة وأخرى، وأن هناك تنسيقًا متزايدًا في الآونة الأخيرة بين عدد من الفصائل التي أصبحت تنضوي تحت تجمعات أكبر، لكنها مازالت دون المستوى المطلوب أولاً، وثانيًا إن كلّاً منها محسوب على طرف أو أطراف متعددة داخل أو خارج سوريا؛ مما يؤثر على طبيعة سياساتها وعملها وأهدافها.
على هذه الفصائل المختلفة والمتنوعة أن تعي أن المعركة الأساسية هي ضد الأسد، وأنّ عامل الوقت ليس لصالحها وأنّ هناك فرصة الآن لكسر المعادلة التي كانت قائمة سابقًا في المعركة ضد الأسد، لاسيما مع تراجع زخم الميليشيات الشيعية والمصاعب الاقتصادية والمالية التي يعاني منها النظام في ظل تفاقم التحديات التي تواجه داعمي الأسد الإقليميين والدوليين.
في هذا السياق، وضمن إطار النظرة الشاملة لما تمّ ذكره، لابد للجانب التركي أن يتحرك بشكل أسرع وأكثر حزمًا في إعادة ترتيب الوضع في الجبهة الشمالية، فرغم التعدد والتنافر بين عدد كبير من الفصائل المسلحة في هذه الجبهة، إلا أنّ الغالبية العظمى من هذه الفصائل تحترم تركيا (سواء لأسباب تكتيكية أو براغماتية أو لإيمان فعلي بدور تركيا ضد الأسد).
للأسف لم تقم تركيا حتى الآن باستغلال حظوتها لدى هذه الفصائل بالشكل المطلوب للدفع في اتجاه تحقيق أجندة الإطاحة بنظام الأسد، على أنقرة أن تستغل ذلك في ممارسة ضغوط حقيقية وجدّية على الفصائل المختلفة لإعادة ترتيب الوضع بهدف تحقيق هذه النقاط الثلاث (الانضباط ، العمل الجماعي الموحد، التركيز على الهدف)، من أجل استغلال الفرصة المتاحة لتحقيق مكاسب سريعة وواسعة ضد نظام الأسد، وأيضًا لتهيئة المسرح استعدادًا لنتائج المفاوضات الأمريكية – الإيرانية.
من المعلوم أنّ احتمال التوصّل إلى اتفاق بين واشنطن وطهران هو الأرجح، إذا ما أخدنا بعين الاعتبار أنّه حصل فعليًا على الأرض، وأنّ المتبقي هو إعداد النص، لكن في المقابل في حال فشلت هذه المفاوضات (وهو أمر محتمل ومازال ممكنًا نظريًا على الأقل)، قد يكون عندها خيار المنطقة الآمنة والحظر الجوي في سوريا متاحًا، وإذا ما كانت الأوراق والتحضيرات مرتّبة ومعدّة بشكل صحيح من قبل الجانب التركي سواءً سياسيًا أو عسكريًا على الأرض في الجبهة الشمالية، فعندها سيصبح الأمر أسهل وأيسر إن كان من ناحية إقناع الأمريكيين أو من ناحية التنفيذ، وإن لم يتم الاستعداد منذ الآن فسنكون قد ضيّعنا الفرصة مرّة أخرى.
المصدر: السورية نت