أثار الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، اهتمام المعلقين وعدسات الإعلام التركي والعربي والغربي عبر المظهر الجديد لمراسم استقبال الرؤساء الأجانب خلال استقباله لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، في قصر رئاسة الجمهورية التركية في أنقرة.
وتتمثل مراسم استقبال الرؤساء الجديدة في وقوف 16 عسكريًا على جانبي الدرج الذي ينزل منه رئيس الجمهورية التركية، مرتدين الملابس الرسمية لـ 16 جيشًا من جيوش الدول التركية التي تداولت على حكم منطقة الأناضول خلال الـ 2000 سنة الماضية؛ حيث نقلت صحيفة “حريات” (محسوبة على المعارضة) عن مصادر خاصة من الرئاسة التركية أن الفكرة قُدِمت من قِبل إدارة الحرس الجمهوري الذي قام بتصميم هذه الأزياء وباختيار الجنود حسب المعايير المذكورة في الوثائق التاريخية.
وذكرت نفس المصادر أن الفكرة شُرع في تنفيذها في عهد الرئيس السابق عبد الله غول حين تم إضافة فقرة جديدة لمراسم الاستقبال تتمثل في ظهور 16 فارسًا يحمل كل منهم علمًا يعود كل علم لإحدى الدول التركية التاريخية، مع العلم أن شعار رئاسة الجمهورية التركية يتمثل في دائرة متكونة من 16 نجمة ترمز للدول التركية التاريخية تتوسطها نجمة كبيرة ترمز للدولة التركية الحديثة أي “الجمهورية التركية” التي أسسها مصطفى كمال أتاتورك.
والتفاعلات التي أثارتها مراسم الاستقبال الجديدة وعلى اختلافها (تراوحت بين الإعجاب والانتقاد والسخرية) فإنها قد دارت حول نفس النقطة: إحياء أردوغان لتراث ما قبل الجمهورية التركية، حيث رحب بعض المعلقين بالخطوة معتبرينها ترسيخ للمصالحة ما بين الجمهورية التركية وتاريخ الشعب التركي وخاصة التاريخ العثماني، في حين سخر آخرون من المظهر الغريب للعسكريين الذين استقبلوا محمود عباس، واعتبرها آخرون محاولة لتقليد مراسم الاستقبال التي تقيمها الملكة البريطانية.
وبالعودة إلى سياسات الحكومات التركية في عهد أردوغان، يمكن أن نجد أنه عمل طيلة السنوات الماضية على إحياء كل ما له صلة بالتاريخ التركي والعثماني، ليس فقط من خلال المظاهر التي تجلت في القصر الرئاسي الجديد وحرسه ومراسمه، وإنما في جانب كبير من عمل حكومات حزب العدالة والتنمية في الـ12 سنة الماضية، ففي الفترة ما بين 2003 و2013 قامت الحكومة التركية بترميم 4 آلاف وقف، في حين لم يبلغ عدد الأوقاف العثمانية المرممة في عهد الحكومات التركية المتعاقبة منذ تأسيس الجمهورية في 1923 وحتى 2002 سوى 45 مبنى.
كما عملت حكومات العدالة والتنمية من خلال وزارة الخارجية على الوصول إلى المباني العثمانية التاريخية خارج تركيا، وخاصة تلك التي تم إهمالها خلال العقود الثمانية الأولى من عمر الجمهورية التركية، وقامت بترميم أعداد كبيرة من المباني العثمانية التاريخية في دول البلقان ودول الشرق الأوسط والقوقاز وشمال أفريقيا.
وفي مجال العناية بالأرشيف العثماني، قامت إدارة الأوقاف التركية خلال فترة حكم حزب العدالة والتنمية من 2002 وحتى 2012 بجمع وأرشفة 10 مليون وثيقة يعود عمرها إلى حوالي 500 سنة، وبالإضافة إلى ذلك قامت نفس الإدارة بتفريغ نصوص هذه الوثائق وحفظتها في نسخ إلكترونية وضعت على موقع خاص مفتوح للباحثين، مع العلم أن إجمالي عدد الوثائق المسجلة في الأرشيف العثماني قبل وصول حزب العدالة والتنمية بلغ حوالي مليون وثيقة، في حين بقيت الوثائق الأخرى محفوظة طيلة العقود الماضية في شكل رزم داخل مستودعات إدارة الأرشيف.
وفي الأسابيع القليلة الماضية، تبنت الحكومة التركية توصية صادرة عن “الاجتماع التشاوري السنوي لوزارة التعليم”، تدعو إلى إقرار دروس لتعلم اللغة “التركية العثمانية” في المرحلة الثانوية وترى أن “الأتراك هم الشعب الوحيد الذي ليس لدية إمكانية قراءة الكلمات المكتوبة على قبور أجدادهم العثمانيين، وهذا يعتبر عيبًا كبيرًا لا يمكن التغاضي عنه”، مع العلم أن اللغة التركية العثمانية التي تسمى في تركيا بـ “لسانِ عثمانِی”، هي نوع من اللغة التركية وكانت تستخدم في الإدارة العثمانية كلغة رسمية لدولة الخلافة، وهي كذلك اللغة الأدبية للإمبراطورية العثمانية.
وبينما تبرر الإدارة التركية ميلها إلى إحياء التاريخ العثماني وإبرازه ضمن قيم الجمهورية التركية على أنه بحث عن العمق التاريخي لتركيا وللمنطقة، ينظر المتابعون الغربيون إلى هذه السياسات على أنها إعادة إنتاج للنظام العثماني وعلى أنها ناتجة عن الطموحات التي يحملها زعماء حزب العدالة والتنمية وخاصة رجب طيب أردوغان، الذي يلقبونه بالسلطان أردوغان، وكذلك أحمد داوود الأوغلو الذي يعتبرونه أهم المنظرين للعثمانيين الجدد.