هل تنجح إسرائيل في توظيف أحداث فرنسا لصالحها؟

التوظيف الإسرائيلي لأحداث باريس صار مبالغًا فيه، حتى يكاد يخرج عن منطق الحنكة الإسرائيلية في الترويج والتسويق، وامتهان الضعف واستجداء التعاطف الشعبي والرسمي الدولي، بعد أن تحوّل إلى لون من ألوان ” الرّدح” والنواح على أحداث وقعت خلف البحار، قُتل فيها من قُتل من المسلمين والمسيحيين الذين لا يُذكرون، بينما تحوّل نتنياهو ووزرائه إلى نائحات على أطلال أربعة من اليهود الفرنسيين الذين جيء بجثامينهم للدفن في القدس المُحتلّة، بدلاً من دفنهم في مقابر فرنسية.
يبدو من التصريحات الإسرائيلية التي تندرج أيضًا في إطار السباق المحتدم بين القيادات عشية الانتخابات، ومحاولة بلوغ الهدف عبر التسابق في إطلاق الشعارات المناوئة للإسلام تارة، وللفلسطينيين تارة أخرى، أن إسرائيل تحاول جاهدة التغطية على جرائمها في غزّة ولبنان والقدس والضفة الغربية والداخل الفلسطيني أو تبريرها، بل كسب التأييد لتحركاتها من خلال تعزيز نظرية العدو المشترك، وتشبيه فصائل المقاومة والتحرر الفلسطيني بـ “داعش” أو “القاعدة”، واستغلال التحالف العالمي على محاربة ما يسمى بـ “الدولة الإسلامية” للفت الانتباه، والإصرار على ترديد مصطلح واحد “نحن، وأنتم”، فنحن الإسرائيليون وأنتم الأوروبيون أمام عدوّ واحد مشترك.
الخطوات الإسرائيلية المتسارعة، باعتقادي لها هدفان:
أما الأوّل: فهو عبارة عن رسالة للتنظيمات المتشددة بأن أرض أوروبا فعلاً لم تعد آمنة، فضخامة التخويف والدعوة لهجرة اليهود من هناك لمجرّد حوادث موضعية صغيرة، لن يزيد الحركات المتشددة إلا إصرارًا على مواصلة الدّرب الذي تشعرهم إسرائيل أنه بات يؤتي أكله، ويشكل تهديدًا؛ مما يقنع كل عاقل على سلامة الفعل، ويحفزّه على الاستمرار به؛ مما قد يجعل من أوروبا مسرحًا لعمليات أخرى جديدة، وبالتالي تعود الفائدة على إسرائيل التي تذكي نظرية العدو المشترك، وتفسح المجال أمام مزيد من الضغط الغربي على المقاومة الفلسطينية وغيرها، خاصة في أعقاب إزالة اسم حركة المقاومة الإسلامية (حماس) عن لائحة الإرهاب الأوروبية، مما يفتح بابًا جديدًا لإعادتها على الوجه الذي تحب تل أبيب، إلى جانب تعزيز مكانة إسرائيل التي ستصبح جزءًا من كُلٍّ مستهدف.
الهدف الثاني باعتقادي والذي لا يقل أهميّة، هو الخطر الإستراتيجي الذي بدأ يحيط بإسرائيل منذ عام 2006، والمتمثل بالهجرة العكسية لليهود الذين باتوا يهاجرون إلى أوروبا بعشرات الآلاف ( 800 مهاجر عام 2014 فقط ” يديعوت”) مما يشكل خطرًا على المشروع الصهيوني في ظل الحديث عن ازدياد متسارع في أعداد الفلسطينيين في فلسطين، الأمر الذي تصفه إسرائيل بالقنبلة الديموغرافية، وبناءً عليه، فإن إسرائيل لن تجد حرجًا في إحراج الدول الأوربية والاعتداء على سيادتها من خلال وصفها بغير الآمنة ودعوة اليهود للهجرة منها لمجرّد أحداث لا تساوي شيئًا إذا ما وُضِعت في ميزان واحد مع أحداث أشد ضخامةً وأكثر اتساعًا في الشرق وأفريقيا، كما أنني لا أبالغ إن قلت إن الوجه الإسرائيلي يبدو متبسمًا متهللاً لما يحيط بأوروبا، وأنا الذي مازلت أنأى بنفسي عن القول إن لإسرائيل يد فيه نتيجة انعدام الأدلة، وذلك لإنقاذ مشاريعها، ورفع عدد المهاجرين إليها؛ مما يستدعي بالضرورة التوسع في البناء الاستيطاني لاستقبالهم، كما كشفت تصريحات وزير الإسكان أوري أريئيل يوم أمس، ويعني أن الأحداث تعود على إسرائيل بثمرات كثيرة أحدها الاستيطان “المشروع”.
الإرهاب – إن صح التعبير – الذي تُعَد إسرائيل رائدته، إرتد عليها، وسيرتد بأشكال مختلفة، وهجومها الممنهج على الجاليات الإسلامية في أوروبا، والرسائل غير المباشرة التي تدعو الى فرض الرقابة عليها أو تهجيرها في أحسن الأحوال، كُلّ ذلك سيرتد بشكل عكسي، فالمجتمع الفرنسي والأوروبي يمتلك من أسباب الوعي ما يكفيه ليُدرك حجم التوظيف الإسرائيلي للأحداث، ومحاولة التفرقة بين المسلم والمسيحي واليهودي (وكلهم فرنسيون)، وكأنّ دماء الأخير هي الأغلى، وزعزعة استقرار بلدهم التي ضحوا بملايين القتلى من أجل سموّها، والانتقاص من فرنسا وقدرها وسيادتها بدعوة اليهود إلى الهجرة إلى إسرائيل لأنّها “بيتهم الآمن”.