منذ أحداث الانقسام منتصف 2007م وحتى توقيع اتفاق المصالحة في أبريل 2014، لم يُسجل أن بادر الرئيس عباس وسلطته باتجاه أي خطوة نحو إنهاء الانقسام، بل كانت المبادرات تصدر على الدوام إما من أطراف إقليمية أو من حركة حماس أو الفصائل، وكانت كل هذه المبادرات تصطدم برفض عباس بوضوح للمصالحة أو بوضع العقبات أمام نجاح أي مبادرة.
طوال هذه الأعوام ظل عباس يعتبر غزة ورقة يمكن المناورة فيها مع الأطراف المختلفة وخاصة الاحتلال الصهيوني، فكان كلما أعلنت اسرائيل فشل المفاوضات أو حجز أموال الضرائب يلوح بورقة المصالحة مع غزة، وهو ما أكد بوضوح للجميع أن عباس لا يريد القطاع وأن المشكلة ليست مع حماس وإنما مع سكان القطاع بشكل عام، في ظل احتضان هذا الشعب لخيار المقاومة وسلاح المقاومين، وهو ما يفسر الآن عن التحريض المستمر من قِبل قيادات فتح وسفارتها في القاهرة على سكان غزة، والضغط في اتجاه مواصلة إغلاق معبر رفح تحت ذرائع واهية.
تحت ضغوط مختلفة وقّعت فتح على المصالحة، لكن عباس وسلطته من خلال الأفعال في الميدان من قِبل الحكومة ومن خلال السلوك السياسي والإعلامي يحاول بكل ما يستطيع التخلص من المصالحة أو إفشالها أو إبقائها مع عدم دفع استحقاقاتها، فالرجل تعامل مع اتفاق الشاطئ على أنه صفقة بين المنتصر والمأزوم، لهذا تعامل مع ملفاتها بانتقائية ومارس الابتزاز السياسي في تنفيذ شروطها خلال تشكيل الحكومة، وتنكر لنحو 50 ألف موظف وحرمهم من أبسط حقوقهم وهي “الراتب”؛ مما جعل عجلة عمل الحكومة تتعثر في غزة.
وأكثر من ذلك فالرجل تنكر لكل ما جاء في اتفاق المصالحة من توحيد للمؤسسات ورفع للحصار والتحضير للانتخابات، وركز جهد حكومته على إقصاء حماس بكل الوسائل معلنًا بشكل عملي رفضه مبدأ الشراكة الإدارية كما السياسية، فعباس يريد أن يدجن حماس بظهوره دوليًا على أنه صاحب القرار، ولا يريد للعالم أن يفهم أن المقاومة انتصرت في الحرب، ويحاول أن يقنع كل الأطراف أن الشعب الفلسطيني مقتنع بخياراته السياسية التي أثبتت فشلها طوال عقدين من الزمان، كما أن الرجل يحاول تصدير الأزمة مع حماس للهروب من أزمة أشد تعاني منها حركة فتح وهي الشرخ الحاصل في جسم التنظيم بينه وبين خصمه محمد دحلان.
وفي الوقت الذي يعيش فيه القطاع أزمات متلاحقة، تبدو الفصائل الفلسطينية شبه غائبة عن المشهد إلا من بعض التصريحات الجوفاء دون عمل ميداني حقيقي لإنهاء هذا الاستفراد والتسلط والتجاهل الذي تمارسه السلطة بحق القطاع، وتأكيد عباس في أكثر من مناسبة أن إعادة الإعمار واستمرار إغلاق المعابر يأتي بقرار منه أو على الأقل بغض الطرف من قبله.
وأمام هذا المشهد وحالة الطلاق البائن بين عباس وسلطته والقطاع وأهله فإن المطلوب اليوم، ليس التراجع عن خطوة المصالحة، بل البحث عن بدائل حقيقية تُنقذ قطاع غزة من الواقع الذي يعيشه في ظل أزمات إنسانية متلاحقة ومتصاعدة ذات انعكاسات خطيرة على الواقع الأمني والاجتماعي والسياسي، حيث بلغت معدلات الفقر والبطالة أكثر من 80%، فيما يعاني نحو 57% من السكان من انعدام الأمن الغذائي، الأمر الذي يضاعف المسئولية الأخلاقية والوطنية للجميع، ويضع الكل الفلسطيني أمام مسئولية تاريخية.
ومن هنا فإن الدعوة إلي مؤتمر وطني حقيقي وجامع يخرج لنا بهيئة وطنية عليا تدير بشكل عملي قطاع غزة وتحصل على كل الصلاحيات اللازمة بتفويض ودعم شعبي وفصائلي، هو الحل الأمثل في المرحلة المقبلة، لحين إعادة ترتيب البيت الداخلي الفلسطيني بسلطاته التشريعية والرئاسية والمجلس الوطني.