الجيب الإسباني في المغرب: قصص معاناة المهاجرين غير الشرعيين

Morocco%20photo

انتشرت هذه الصورة في العام الماضي، لاثنين يلعبان الجولف، بينما يتسلق مهاجرون السور الفاصل

ترجمة وتحرير نون بوست

 انتشرت في السنة الماضية إحدى الصور التي تبين المفارقة العجيبة ما بين الحياة الأوروبية وحياة المهاجرين غير الشرعيين، حيث يظهر بالصورة لاعبا غولف يرتديان ملابسًا بيضاء، ويمارسان الرياضة الأرستقراطية على الأراضي الخضراء اليانعة، وهما غافلان عمّا يجري في خلفية الصورة والتي تُظهر عشرات المهاجرين الذين يحاولون تسلق السياج الحدودي في محاولة منهم لدخول أرض أحلامهم (أوروبا).

غالبية المهاجرين يأتون من بلدة الناظور المغربية الشمالية الساحلية الهادئة والمحافِظَة، ويحاولون تسلق الأسوار العالية في محاولة منهم لدخول مدينة مليلية، وهي جيب إسباني داخل الشمال الأفريقي المغربي، وهذه المنطقة تُسلّط الضوء على صراعات الحكومة المغربية للسيطرة على سكانها المهاجرين والتي تتقابل مع محاولات الحكومة الإسبانية لإغلاق حدودها في وجه هؤلاء المهاجرين غير الشرعيين.

إن الطريقة التي تتعامل بها إسبانيا والمغرب مع المهاجرين تختلف بشكل جذري؛ فإسبانيا تسعى بشكل مستمر لوضع تدابير أكثر صرامة للحد من تدفق المهاجرين الذين يحاولون دخول الجيب الإسباني، وفي المقابل سعى المغرب إلى الانفتاح على المهاجرين عن طريق القرارات التي اتخذها لتسوية أوضاعهم والتي انتهى مفعولها بنهاية ديسمبر من عام 2014.

وتشير أحدث الأرقام الوطنية الرسمية في المغرب إلى أن عدد طلبات تسوية الأوضاع المقدمة حتى بداية شهر نوفمبر وصلت إلى 21.000 طلبًا، وتمت الموافقة على 8.949 طلب، ويتوقع أن يتم الإعلان عن الأرقام النهائية لقبول طلبات اللاجئين في الأسابيع القليلة المقبلة.

أحد المهاجرين النيجيريين والذي يُدعى جودلاك، جاء إلى مدينة الناظور بهدف تسلق السياج للوصول إلى مليلية وطلب اللجوء من السلطات الإسبانية هناك، ويقول جودلاك الذي أجرى أكثر من محاولة لعبور الحدود بطريقة غير شرعية منذ عام 1999 وحتى 2008: “رأيت الكثير من الأشخاص يغرقون في البحر، وانهالت عليّ الشرطة بالضرب عدة مرات”، قالها وهو يشير إلى ندبة واضحة على ساقه، وأضاف بأنه أنفق ما لا يقل عن 3000 يورو – حوالي 3530 دولار- على المهرّبين خلال محاولاته الفاشلة السابقة لعبور الحدود، ولكنه يئس من المهربين في نهاية المطاف، وقرر التوقف عن هذه المحاولات.

من جهته يُعلّق هشام عرود أحد أعضاء جمعية ثسغناس للثقافة والتنمية، على المبالغ الكبيرة التي يتم دفعها من قبل المهاجرين اليائسين للمهربين “إن المال المدفوع يتيح للمرء أن يبدأ عملاً تجاريًا خاصًا به في المغرب”، جمعية ثسغناس للثقافة والتنمية، والتي يعمل هشام ضمنها، هي منظمة غير حكومية محلية، بدأت كمؤسسة ثقافية وتعليمية، وحاليًا تعمل على مساعدة المهاجرين الذين يئسوا من محاولة الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا، حيث يتم استلام طلباتهم والبدء بعملية تسوية أوضاعهم من خلال البرنامج الذي أطلقته الحكومة المغربية في يناير عام 2014.

برنامج تسوية الأوضاع الذي أطلقته الحكومة المغربية، عمل على مدار العام  الفائت على دعوة فئات معينة من الرعايا الأجانب لتقديم طلبات الحصول على الإقامة في المغرب، حيث يشمل البرنامج الأجانب المتزوجين من مواطنين مغاربة، والأجانب الذين يمتلكون عقود عمل داخل المغرب، والأجانب الذين يقيمون في البلاد منذ أكثر من خمس سنوات؛ ووفقًا لعرود فإن عدد الطلبات المقدمة للإقامة في الناظور بلغت حتى شهر ديسمبر 2014 حوالي 295 طلب، تم قبول 44 طلبًا منها، وجميع المقبولين كنّ من النساء، ما عدا رجل واحد تم قبول إقامته في الناظور وهو لاعب كرة القدم في ساحل العاج محمد كواسي، ومن جهته يشير جودلاك بأنه يشعر بالإحباط كونه لم يتلق ردًا على طلب إقامته بعد، ويشير إلى معاناته بقوله “لقد سئمت من التسول كل يوم”.

إسبانيا تعزز حدودها

إن قرب مدينة الناظور من مدينة مليلية التي تسيطر عليها إسبانيا، شكّل عامل جذب للكثير من المهاجرين الأفارقة القادمين من الصحراء الجنوبية، حيث تشير التقديرات الصادرة عن Delegación de Migraciones، وهي منظمة تابعة للكنيسة في الناظور تعمل على تقديم الدعم والرعاية الصحية، بأن هناك 859 مهاجر يعيشون في 12 مخيم في جميع أنحاء بلدية سلوان جنوب الناظور، من بين هؤلاء يوجد 121 امرأة و 24 طفلاً و 30 من القصر غير المصحوبين بذويهم، ولا تقتصر المخيمات على بلدية سلون، بل يوجد أيضًا خمسة مخيمات أخرى في غابتي غوروغو وفرخانة القريبتين من مليلية، علمًا بأن أرقام القاطنين في هذه المخيمات لا يمكن حصرها بدقة، نظرًا لاختلاف الأرقام من يوم لآخر بسبب المحاولات المتكررة لتسلق السياج والوصول إلى إسبانيا عن طريق القوارب.

خلال فترة التسعينات، كان معظم المهاجرين الذين يحاولون الهروب إلى مليلية وسبتة، هم من المغاربة، ولكن الأغلبية الآن هي من المهاجرين الأفارقة، وتشير نوريا دياز من المفوضية الإسبانية لشؤون اللاجئين (CEAR)، بأن الأغلبية العظمى من المهاجرين غير الشرعيين يتم اعتراض طريقهم على الفور من قِبل حرس الحدود، وتتم إعادتهم إلى المغرب، وعلى حد تعبير دياز فإن تصرف الحكومة الإسبانية المتمثل بترحيل المهاجرين الذين يعبرون السياج، نابع من اتفاق ثنائي بين إسبانيا والمغرب، وأضافت بأنه على الرغم من أن الاتفاقية الثنائية توجب أن تتاح الفرصة لهؤلاء المهاجرين لتقديم طلب اللجوء أولاً، إلا أنه على أرض الواقع، لا تتاح هذه الفرصة للمهاجرين.

من جهتها تصف جماعات الدفاع عن حقوق المهاجرين عمليات ترحيل المهاجرين بالعمليات الغير قانونية، وتتهم هذه الجماعات السلطات الإسبانية والمغربية بالتعامل غير الإنساني مع المهاجرين، كون أغلب الذين يحاولون عبور الحدود بطريقة غير شريعة يتم ضربهم بشكل لا إنساني في كلا الجانبين.

المحاولات الإسبانية لتعزيز الإجراءات الصارمة المتخذة لحماية الحدود تمثلت باتخاذ قرار في مجلس النواب الإسباني في ديسمبر 2014 يتضمن تعديلاً لقانون الأمن العام في البلاد، ولكن هذا التعديل بحاجة لتصديق مجلس الشيوخ حتى يصبح نافذًا، ويخشى أغلب ناشطي حقوق الإنسان أن التعديل -في حال التصديق عليه – سيضفي طابعًا قانونيًا على الممارسات الغير قانونية المتمثلة بترحيل المهاجرين والتي تحدث بشكل منتظم منذ عام 2005، كما أبدت جماعات حقوق الإنسان، مثل المفوضية الإسبانية لشؤون اللاجئين ومنظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش، معارضتها الشديدة لهذه الخطوة التي تزمع السلطات الإسبانية اتخاذها، معللة ذلك بكون هذا القرار يتعارض مع التزامات إسبانيا المحددة بموجب القانون الدولي وقانون الاتحاد الأوروبي في مجال حقوق الإنسان وقانون اللاجئين، وتصف منظمة العفو الدولية هذا القرار بقولها: “إن التعديل بصيغته الحالية، لا يقدم أي تفصيلات بخصوص الإجراءات التي سيتم اتخاذها في حال رفض إدخال المهاجرين على الحدود، كما أن التعديل لا يقدم أي ضمانات للالتزام بحقوق الإنسان؛ إن الفشل في تطبيق هذا التعديل سيحرم طالبي اللجوء من الوصول إلى إجراءات طلب اللجوء في إسبانيا، ويمكن أن يؤدي إلى ممارسة الإعادة القسرية على المهاجرين (أي طرد الأشخاص الذين لديهم الحق بأن يُعترف بهم كلاجئين) وذلك من خلال تعريض المهاجرين وطالبي اللجوء واللاجئين لخطر الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في المغرب”.

التخلي عن حلم الوصول إلى أوروبا

ليس كل من يأتي إلى الناظور يحاول العبور إلى مليلية، فالكثير من الرجال والشباب الذين يعيشون في غابات غوروغو وفرخانة، والذين يعمدون للقيام بمحاولات منتظمة لتسلق السياج، يهدفون للحصول على الإقامة في المغرب، ولكن بسبب عدم تسوية أوضاعهم، ونظرًا لعدم وجود دخل ثابت كاف لهم، فإن الكثير منهم يعيش في الخيام والأكواخ المبنية يدويًا في الغابة التي تقع على مشارف المدينة، ويتخذون من التسول صنعة لهم؛ لذا فمن الشائع أن ترى المتسولين في أغلب شوارع المدينة.

يقول فيكتوري وهو أستاذ جامعي من نيجيريا، إنه جاء إلى في المغرب في عام 2003 مغادرًا نيجيريا بسبب سوء الأوضاع الاقتصادية، ويوضّح: “كان راتبي كأستاذ جامعي لا يكفي لإعالة أسرتي، لذلك اضطررت للعثور على طريق آخر”، عمل فيكتوري البالغ من العمر 37 عامًا كطاهٍ في مطاعم الدار البيضاء ومن ثَمّ في مطاعم الرباط قبل وصوله إلى الناظور في نوفمبر من عام 2013، حيث اضطر للعيش القاسي ضمن الغابة، وأضاف :”لم يكن لدي أي وظيفة ولم احصل على أي مساعدة مالية، لذلك لم يكن لدي أي خيار سوى العيش في الغابة “.

إن برنامج تسوية أوضاع المهاجرين الذي أطلقته الحكومة في الرباط، جاء استجابة لضغوط الاتحاد الأوروبي واستجابة للعدد المتزايد من المهاجرين الذين ينوون البقاء في المغرب؛ ففي يونيو من عام 2013، وقّع المغرب مع الاتحاد الأوروبي شراكة بخصوص حرية التنقل، والتي تهدف إلى التنسيق ما بين الاتحاد الأوروبي والمغرب بخصوص سياسات الهجرة، وبموجب هذه الشراكة، وافق المغرب على استئناف المفاوضات بشأن اتفاقية إعادة القبول، وهي اتفاقية تُلزم الدولة بقبول الأشخاص الذين ترفضهم الدولة الأخرى الموقعة على الاتفاقية، علمًا بأن المغرب رفض الموافقة على هذا الشرط لفترة طويلة، ولكن إصرار الاتحاد الأوروبي على أن شراكة حرية التنقل لا يمكن توقيعها إلا إذا وافق المغرب على اتفاقية إعادة القبول؛ أجبر المغرب على قبول التوقيع على هذا الشرط بالمحصلة.

وفي سياق متصل، يقول ستيفان جولينيت مدير برنامج حقوق المهاجرين التابع لجمعية مناهضة العنصرية والدفاع عن الأجانب والمهاجرين (GADEM)، وهي جمعية مقرها الرباط، بأن الضغوط التي يمارسها الاتحاد الأوروبي على المغرب متناقضة؛ فمن ناحية يطالب الاتحاد الأوروبي المغرب بوقف عبور المهاجرين إلى أوروبا، ومن ناحية أخرى يجبره على وضع تشريع يتماشى مع إعلان حقوق الإنسان لتبرير تعاون الاتحاد الأوروبي معه، وبمعنى آخر فإن الاتحاد الأوروبي يطلب من المغرب القيام بالعمل القذر بشكل أنيق.

الطريق الطويل نحو الاندماج بالمجتمع

في يونيو من العام الماضي، تم إنشاء لجنة وطنية للمتابعة وللبت بطعون طلبات الإقامة؛ وأول قرار اتخذته هذه اللجنة كان إصدار مذكرة طالبت فيها السلطات المحلية بمنح الإقامة لجميع النساء المهاجرات اللواتي يتقدمن بوثيقة إثبات هوية صادرة عن بلدهن الأم، بغض النظر عن أي معايير أخرى، ولكن مكتب الأجانب، وهو الجهة المسؤولة عن منح الإقامات، طبق هذه المذكرة بطريقة غريبة ومختلفة، حيث قامت بعض المكاتب بتسوية أوضاع كامل أفراد الأسرة، بينما عمدت مكاتب أخرى لتسوية أوضاع النساء فقط.

إن الحصول على الإقامة في المغرب لا تعتبر نهاية طريق المعاناة بالنسبة للمهاجرين، كون الوافدون الجدد يعانون من مشاكل في الاندماج بالمجتمع، فمثلاً أنجيلين البالغة من العمر 37 عامًا والتي كانت تعمل مدرّسة في بلدها ساحل العاج، جاءت إلى المغرب في عام 2012 هربًا من الزواج القسري ومن تشويه الأعضاء التناسلية للإناث، واستفادت من القرار الصادر عن اللجنة الوطنية، وذكرت أنجيلين بأن عملية الحصول على بطاقة الإقامة لم تستغرق وقتًا طويلاً، وأضافت بغضب مشيرة إلى لون بشرتها الداكن “الناس هنا غير معتادين على هذا اللون؛ الناس هنا يسموننا إيبولا”، وحاليًا تسعى أنجيلين للبحث عن وظيفة كمنظفة في متجر أو مطعم، بعد أن استنفدت فرصها في الحصول على عمل كمدرسة للغة الفرنسية، وتقول إنها لا تملك خيارًا سوى بالاستمرار في العيش في الغابة.

تجدر الإشارة أخيرًا إلى أن عملية تسوية الأوضاع التي أطلقها المغرب في عام 2014، والتي انتهت في 31 ديسمبر من العام الماضي، تأتي كجزء من الإصلاحات الأوسع نطاقًا والتي تشمل سن ثلاثة قوانين جديدة للحد من عمليات تهريب المهاجرين ولحفظ حقوق المهاجرين ومنح صفة اللاجئين لطالبي اللجوء؛ كما أن المغرب يسعى لإطلاق برامج تهدف إلى دمج المهاجرين بالمجتمع، من خلال منحهم فرص الحصول على التعليم والتدريب المهني والمشورة، ومن المقرر أن تجتمع اللجنة الوطنية للمتابعة والبت بطعون طلبات الإقامة في هذا الشهر، لتقييم حملة تسوية الأوضاع، والفصل بالطعون المقدمة من قبل المهاجرين والمتعلقة بطلبات الإقامة.

المصدر:  ميدل إيست آي