جبهة النصرة تعتبر من القوى الفعالة على الأرض في الثورة السورية، ولها دورها في تحرير عدد كبير من الحواجز والمناطق، بعد ظهور الدولة انضم عدد كبير من أنصار الدولة سابقًا إليها وترك الجبهة ولم يكونوا وحدهم بل بسبب قوة الدولة اضطرت العديد من الفصائل مبايعة الدولة إما خشية من أذاها أو طمعًا في دعمها وتمويلها، وقد تكون الدولة فعلاً كما عرفها أحد المطلعين على الوضع أنها “كرة ملتهبة تنحدر من أعلى جبل لا يُعلم متى، أين وبمن ستنفجر”، قبل البدء بتعريف ماهو التيار الداعشي داخل جبهة النصرة يتوجب علينا معرفة كل من “داعش” الدولة الإسلامية في العراق والشام، وجبهة النصرة.
الدولة الإسلامية في العراق والشام
النشأة
يمكن القول إن البذرة التي أنتجت الدولة كانت على يد أبو مصعب الزرقاوي في أراضي العراق الخصبة بعد سقوط بغداد بيد الولايات المتحدة عام 2003 والذي اختار لنفسه طريقًا مختلفًا عما اعتادت عليه القاعدة سواء في التفكير أو العمل وتأسيسه “لجماعة التوحيد والجهاد”، بعد وفاته 2006 وتركه لإرث جهادي ليس بالهين، تم تشكيل تنظيم عسكري يختصر ويضم كل تلك التنظيمات التكفيرية في العراق تحت اسم “الدولة الإسلامية في العراق” بزعامة أبو عمر البغدادي.
في 2010 قُتل أبو عمر البغدادي مع أبو حمزة المهاجر في غارة أمريكية ولم يعني ذلك توقف عمل التنظيم، فعندها تولى أبوبكر البغدادي (إبراهيم عواد البدري) قيادة التنظيم ليكون هو الرجل الأول في هذا التنظيم والذي تبنى بعد استلامه للزعامة أكثر من 100 تفجير انتقامًا لمقتل بن لادن دفع ثمنها الآلاف من العراقيين.
دخل التنظيم للداخل السوري مع بداية الثورة السورية عام 2011 تحت شعار “نصرة أهل السنة في سوريا”، وسرعان ما نمت قدراته ليصبح في غضون أشهر من أبرز القوى المقاتلة حتى إعلان الخلافة على يد أبي بكر البغدادي 2013 معلنًا نفسه خليفة على دولة العراق والشام الإسلامية.
الوضع العسكري والاقتصادي
أولاً القوة العسكرية: يملك التنظيم 100 ألف مقاتل حسب إحصاءات ويكيبيديا، بحيث ينقسم المقاتلون لـ 30 ألفًا في العراق و50 ألفًا في سوريا، ومنهم المتمرسون على القتال وحرب العصابات سواء في الشيشان أو ماقبلها باكستان وأفغانستان، بالإضافة لجنود وضباط منشقين عن جيوشهم توجهوا للعمل معهم، هذا على مستوى الجنود.
بالنسبة للعتاد تمتلك العديد من الدبابات والصواريخ والسيارات المصفحة والرباعية الدفع والأسلحة المتنوعة الحاصلة عليها من الجيش العراقي والسوري النظاميين، ويمكن تقدير بعض كمية العتاد ونوعه من خلال مشاهدة عرضهم لصليل الصورام بأجزائه المتعددة حيث يظهرون فيه عرضًا عسكريًا لعتادهم وذخائرهم.
ثانيًا القوة الاقتصادية: لابد لمثل هذه التنظيمات ولمثل هذه الضخامة من العمل أن يكون لها تمويلها، بالنسبة للدولة قررت الاعتماد على نفسها؛ فحسب تقرير نشرته مؤسسة “كارنيجي” للسلام الدولي يبلغ اإراد الدولة 1.5 مليار دولار في السنة، موضحًا أنه التنظيم الأكثر ثراءً في العالم، فيما قالت وزارة النفط العراقية إن عمليات تهريب النفط من قِبل التنظيم كانت واحدة من أسباب هبوط أسعاره في الأسواق العالمية والتي وصلت إلى 60 دولارًا وهو أكبر هبوط منذ 2005.
ويعود تراجع الاقتصاد العراقي الذي يعتمد على 95% من إيراداته على النفط خلال 2014 بسبب الأزمة الأمنية واتساع المعارك مع الدولة، بالإضافة لامتلاكها آبار للنفط، والذي يعني أن الدولة قادرة على التربح من مبيعات النفط الخام بما يصل لمليوني دولار يوميًا، حسب عامليين في مجال النفط في سوريا ومسؤولين في قطاع النفط وخبراء في مجال للطاقة.
من هم تحت لواء الدولة؟
في الأشهر القليلة الماضية تم انضمام عشرات الفصائل المقاتلة في سوريا والعراق لتنظيم الدولة، كما أن العديد من العشائر الكبيرة أعلنت انضمامها وبراءها من النظام السوري، فمن أشهر الألوية إضافةً لجنود جبهة النصرة الذين قبلوا بالانضمام للدولة، بايع التنظيم “لواء داوود الإسلامي” في معرة النعمان إضافة إلى عدة عشائر بايعت التنظيم منها عشيرة الحديدين- ريف حلب، قبيلة شمر “فخذ الوهب والقشعم”، عنزة “فخذ الروس” وعدة فصائل وعشائر وتليها فخوذ أخرى بايعت الدولة.
جبهة النصرة
تأسست في أواخر 2011 على يد “أبو محمد الجولاني” والمعروف عنها منذ نشأتها بأن لها تواصل تنسيقي أو تنظيمي مع القاعدة، بالإضافة لحصول الجبهة على التأييد الشعبي في بداية الثورة مع تحفظ الشعب على تواصلها مع القاعدة، إلا أنها أثبتت للشعب السوري العكس في ذلك، فمن يستقرئ سلوكها الميداني يجد أنها لا تتخذ مقرات دائمة في المناطق المحررة كما أن تحريرها من حاجز لآخر أدى إلى بناء جسر ثقة بين الجيش الحر في أول انطلاقة له متمثلاً بالفصائل الصغيرة والجبهة.
كما أن المعروف عن الجبهة أنها لم ترد ضمن الفصائل التي اندمجت سويًا تحت اسم “جيش الأمة” والذي يضم 20 فصيلاً، إضافة لعدم انضمامها لعديد من الـتكتلات أو التجمعات الأخرى، وتبنت الجبهة منذ نشأتها عدة هجمات وتفجيرات في مدينة حلب، وحي الميدان بالعاصمة دمشق في مطلع 2012 وفي مايو 2012 تبنت عدة هجمات على منشآت أمنية في العاصمة السورية أيضًا، كما أنه يشهد لها بالمشاركة في العديد من العمليات النوعية سواء كانت اقتحامات أو تحرير لحواجز النظام أو حتى تحرير لحواجز حزب الله بالقرب من العاصمة السورية.
التيار
للإسلاميين ماضٍ مجيد في ظهور التيارات سواء المتسامحة أو المتطرفة والتي أدت بنهاية الأمر إما لإمساكٍ بمعروف أو انشقاق بإحسان.
ورغم أن الدولة والجبهة خرجوا من رحم واحد نجد أن هناك عوامل فكرية وأيدولوجية تسببت في انشقاقات أو إحداث توترات للصف، وهذا بدوره لا يعد أمرًا صحيًّا لمن يقاتلون في نفس الصفوف، فبالنسبة للمقاتل أيًا كان توجهه الديني أو العقدي عليه أن يقاتل مع من يشترك معه في الرؤية والتفكير.
أساس الخلافات بين القاعدة وتنظيم الدولة هو تنزيل الأحكام بشكل خاطئ في التكفير والإسراف في القتل، وهذا ما اشتهر عن منهج الزرقاوي، ومن الاختلافات أيضًا عدم أهليته في تنزيل الأحكام، كما أنه يكفر عمليًا مخالفيه من التنظيمات الجهادية الأخرى بسبب الاختلاف معهم، كما أن القاعدة ترى أن البغدادي أعلن خلافته بدون تمكين واقتصر على بيعة بعض من تنظيمه لإعلان الخلافة.
والتيار المقصود هنا هم الجنود التابعون تنظيميًا لجبهة النصرة وفكرًا للدولة، بفرض أن الجبهة معتدلة في تعاملها مع السوريين، ولم تسلك منحى القتل والتكفير والمغالاة فيه.
عمليًا يشكّل التيار الداعشي أو ما يسمى بتيار دولة العراق والشام الإسلامية داخل جبهة النصرة شرخًا كبيرًا قد يضر بتقدم العمل العسكري والميداني للجبهة ويشوش عليهم بيئة العمل، كما أن وجود الدولة بقوتها الحالية وهي قوة لا يستهان بها على المستوى العسكري والاقتصادي يعكر صفو التركيز على العدو الواحد وهو إسقاط الحكومة السورية، وتشتت المقاتلين عامة والنصرة خاصة في مواجهة الدولة والحد من تقدمها والتضييق عليها.
أخيرًا هل من يدفع الثمن هم أولئك الأجانب الذين جاؤوا للتضحية في بلدان غيرهم بغض النظر عن الغاية أم هم أولئك العزل الذين ينتظرهم الموت من كل حدب وصوب؟