مع بداية العصر النووي، كانت الولايات المتحدة تتطلع إلى احتكار القدرة على إنتاج الأسلحة النووية، ولكن الأسرار التقنية الخاصة بتصنيع القنبلة انتشرت في نهاية المطاف، ليجري الاتحاد السوفيتي أول تجربة عسكرية نووية عام 1945، بعد فترة قصيرة من قرار واشنطن إلقاء قنبلتين نوويتين على اليابان عام 1945 في هيروشيما وناجازاكي، ثم تلاهما البريطانيون عام 1952، والفرنسيون عام 1960، والصينيون عام 1964. تباعًا، بدأت واشنطن بالدفع نحو ميثاق بين تلك الدول يحظر انتشار السلاح النووي أكثر من ذلك، وهو ما توّج باتفاقية حظر انتشار الأسلحة النووية عام 1968، وهي اتفاقية نجحت في منع انتشار السلاح بشكل كبير، باستثناء دول معيّنة لم توقع عليها ورفضت هذا الاحتكار النووي كما تراه، وهي بالأساس الهند وباكستان وإسرائيل.
بعد حوالي سبعين عامًا، تُقدر الأسلحة النووية الموجودة في العالم اليوم بحوالي 16.300، موجودة في 98 موقعًا داخل 14 بلدًا، منها 10.000 فقط في الترسانات النووية للدول المختلفة، في حين تنتظر البقية التفكيك والتخلص منها، ومن هذه المجموعة توجد 4000 جاهزة للاستخدام، و1800 في وضع الاستعداد.
تقع الكمية الأكبر من السلاح النووي حاليًا في روسيا والولايات المتحدة، إذ يمتلكان معًا 93٪ مما يمتلكه العالم كله، وبينما تنشر واشنطن معلومات كافية فيما يخص المواقع المختلفة لترسانتها النووية، وهي 11 ولاية داخل الولايات المتحدة، بالإضافة لستة مواقع في 5 دول أوربية عضوة بحلف الناتو، تتسم الترسانة النووية الروسية بالغموض نوعًا ما، لاسيما وأن بعض الأسرار الخاصة بها يمكن إفشاؤها للقيادة السياسية في واشنطن بشكل سري فقط، دون إتاحتها للعامة، وفقًا لشروط معاهدة خفض الأسلحة الإستراتيجية بين البلدين (START)، وعلى أي حال، يقدّر المحللون توزيع روسيا لترسانتها النووية على أربعين موقعًا داخل البلاد.
روسيا
تجري روسيا حاليًا عملية تحديث لترسانتها النووية لاستبدال الصواريخ البالستية السوفيتية بصواريخ أكثر كفاءة، وهو جهد من المتوقع أن يؤدي إلى التخلص بالكامل من الترسانة السوفيتية بحلول عام 2025، والإبقاء على ترسانة حديثة أصغر حجمًا ولكن أكثر كفاءة ومرونة، طبقًا للكولونيل سيرجي كراكاييف.
طبقًا للإحصاءات الموجودة منذ عام 2013، تمتلك روسيا 4500 رأس نووي، منها 1800 منتشرة على الصواريخ وفي القواعد الجوية، و326 صاروخ بالستي عابر للقارات (ICBM) تحمل حوالي 1050 رأس نووي، بالإضافة إلى 2000 سلاح نووي غير إستراتيجي جاهز للاستخدام عن طريق الجو أو البحر أو البر وفق الحاجة، وقد صرّحت موسكو بأنها خفضت كمية السلاح النووي غير الإستراتيجي لديها بنسبة 75٪ منذ عام 1991، وأنها موجودة بالكامل في مخازنها المركزية.
الولايات المتحدة تمتلك الولايات المتحدة حوالي 4650 رأس نووي و800 صاروخ بالستي، منها 2130 جاهزة للاستخدام؛ 1150 صاروخ بالستي تطلق من الغواصات، و470 صاروخ بالستي عابرًا للقارات، و300 داخل الولايات المتحدة في القواعد الجوية.
الولايات المتحدة هي البلد الوحيد من البلدان الخمسة النووية الموقعة على معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية التي تنشر رؤوسًا نووية في بلدان أخرى، حيث يتم تخزين 180 قنبلة نووية غير إستراتيجية تحت الأرض في ست قواعد جوية بخمس بلدان أوربية عضو بحلف الناتو (بلجيكا وألمانيا وإيطاليا وهولندا وتركيا)، وهي دول ملتزمة بمهام إطلاق هذه الأسلحة عن طريق طائراتها الخاصة، تستخدم بلجيكا وهولندا وتركيا طائرات إف 16، في حين يستخدم الطليان والألمان طائرات PA-200.
بالتزامن مع التزامها بمعاهدة خفض الأسلحة الإستراتيجية، تخطط إدارة أوباما لوضع برنامج شامل لتحديث أنظمة أسلحتها النووية: الصواريخ والطائرات والغواصات والطائرات المقاتلة والرؤوس النووية والمصانع والمنشآت العسكرية ذات الصلة، وهي خطة من المتوقع أن تستمر لثلاثة عقود، وستكلف في عقدها الأول فقط 200 مليار دولار.
الصين
الصين هي البلد الوحيد من الدول النووية الخمس الرسمية التي لاتزال توسع من ترسانتها النووية، وهي تقوم بتحديثها بشكل كبير لتطوير دقة صواريخها، وهي تملك حاليًا 250 رأس نووي موزعة في 12 موقعًا داخل الصين، وأغلبها في الموقع المعروف باسم القاعدة 22، أما الصواريخ المخصصة لإطلاق تلك الرؤوس فهي منتشرة بين 25 لواءً على ست قواعد، بالإضافة إلى قاعدتين بحريتين تحتويان على غواصات نووية.
تحاول الصين أيضًا تخصيص جزء كبير من رؤوسها النووية للصواريخ بعيدة المدى نظرًا لاهتمامها بتجاوز نقطة ضعفها البحرية في مواجهة الولايات المتحدة عن طريق منظومتها الصاروخية، إذ تحتاج غواصاتها للحركة لمسافات طويلة، وعبر مناطق حرجة من المحيط الهادي، قبل أن تمثل خطرًا على الساحل الغربي الأمريكي، في حين تملك الولايات المتحدة القدرة على تهديد بكين بسهولة من قواعدها في أسيا، حاليًا، تملك الصين حوالي 60 صاروخًا بعيد المدى قادرًا على الوصول إلى الولايات المتحدة، ومن المتوقع أن تصل إلى 100 صاروخ بحلول عام 2020.
بريطانيا وفرنسا
بالنظر لاعتمادها على الناتو بشكل أساسي، قامت كل من بريطانيا وفرنسا بتخفيض ترسانتهما النووية منذ الستينيات إلى اليوم بشكل كبير، وقلصت من عدد المواقع التي تخزّن فيها تلك الرؤوس، فبريطانيا تملك حاليًا نوعًا واحدًا فقط من السلاح النووي هي الصواريخ الباليستية التي تطلق من الغواصات “ترايدنت 2” (Trident II)، وكافة صواريخها ورؤوسها النووية موجودة في منشأتين في إسكتلندا.
تمتعت بريطانيا لسنوات طويلة بشراكة نووية لم يتمتع بها أحد مع الولايات المتحدة، إذ ظلت تزود لندن بالرؤوس النووية حتى عام 1991، حين انتهت الحرب الباردة وأعلنت إدارة بوش الأب أنها ستسترد كافة أسلحتها النووية من بريطانيا وتفككها، وهي مهمة انتهت عام 1992 حين أعلن البنتاجون أن كافة الرؤوس الأمريكية عادت للأراضي الأمريكية.
أما فرنسا، فهي تملك نوعين من السلاح النووي، صواريخ باليستية تطلق من الغواصات، وهي موجودة في قاعدة في بريتاني، وصواريخ أرض جو تحملها الطائرات، بالإضافة إلى ذلك، توجد منشأة لإنتاج الرؤوس النووية في فالدوك.
الهند
تهتم الهند بشكل كبير بتحديث وتوسيع ترسانتها النووية سعيًا لإحداث توازن مع الصين على المستوى الأسيوي، ومع باكستان على مستوى جنوب أسيا، وهو ما دفعها عام 2011 لإنتاج نصف طن من البلوتونيوم للاستخدام العسكري، والتي تكفي لمائة رأس نووي.
أبرز الصواريخ البالستية التي أنتجتها الهند هي “أجني 5” (Agni V)، ومداه 5000 كيلومتر، والذي أُجريت له تجربة ناجحة عام 2012 ويستطيع إصابة أي هدف داخل الصين، بيد أن الصاروخ يحتاج إلى المزيد من التجارب ولايزال ينتظر قرار نشره للاستخدام.
بالإضافة إلى ذلك تمتلك الهند صاروخ بريتفي 1 (Prithvi 1)، والذي يحمل رؤوسًا نووية، وهو واحد من الصواريخ الأقدم منذ بدء الهند لبرنامج الصواريخ الباليستية عام 1983، ومن المتوقع أن يتم استبداله بصاروخ براهار Prahaar الأكثر دقة وتطورًا.
تمتلك الهند أيضًا غواصة قادرة على إطلاق صواريخ باليستية هي “أريهانت”، والتي يجري تطويرها منذ العام 1984، وبدأت تجاربها في البحر عام 2014، ويتراوح مداها من 290 كيلومتر، طبقًا لتقرير للاستخبارات الأمريكية، و700 كيلومتر، طبقًا لتقارير إعلامية مختلفة، من ناحيتها، صرحت باكستان بأن امتلاك الهند لغواصة نووية جاهزة للاستخدام سيزيد من التوتر في المنطقة.
باكستان
بدورها، تقوم باكستان بتوسيع ترسانتها النووية لمواكبة الهند، وهي دون غيرها من البلدان النووية تحاول تنويع مواقع تخزين الرؤوس النووية والحفاظ عليها بشكل محكم نظرًا لتفشي الجماعات المسلحة التي قد تستطيع الوصول لترسانتها النووية، وهذا طبقًا لمعلومات صرّحت بها وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون، أبرز تلك المواقع هي موقع جنوبي إسلام أباد، وكذلك موقع مسرور قرب كراتشي في ولاية السند.
تمتلك باكستان حاليًا من 100 إلى 120 رأس نووي، وهي ليست جاهزة للاستخدام مباشرة على عكس بلدان نووية أخرى بالنظر للاحتياطات الأمنية المعقدة التي تقوم بها، على سبيل المثال، تتمتع الرؤوس النووية الباكستانية بنظام تشغيل معقد يعيق القدرة على استخدامه من قبل غير المصرح لهم بذلك، كما يعتقد البعض أن باكستان تخزن السلاح النووي في شكل مفكك وبوضع أجزاء السلاح الواحد المختلفة بعيدًا عن بعضها البعض.
في وقت سابق، كان الرئيس الباكستاني السابق برويز مشرّف قد قال في حديث مع مجلة “نيويوركر” إن بلاده تمتلك منظومة من الأنفاق لنقل وتخزين السلاح النووي، وأنها على أعماق كافية تجعلها بمأمن عن أي هجوم نووي، وتعيق قدرة أي قمر صناعي على رصدها.
أبرز الصواريخ التي تملكها باكستان، وتستطيع حمل رؤوس نووية، هي “غزنوي” المطوّر من الصاروخ الصيني إم 11، و”بابور”، الذي جرى تجريبه مرات عدة آخرها عام 2011، ويصل مداه لـ 600 كيلومتر، و”رعد” الذي تمت تجربته أيضًا عام 2011، ويصل مداه لـ 350 كيلومتر.
إسرائيل
تتسم السياسة الإسرائيلية بالغموض حيال برنامجها النووي، لاسيما وهي لم تنف أو تؤكد حتى اليوم بشكل رسمي امتلاكها لأي سلاح نووي، ومع ذلك فالجميع يعلم طبيعة برنامجها منذ بدأ بإنشاء مفاعل ديمونة بمساعدة فرنسية عام 1958، وهي تمتلك طبقًا للتقديرات المختلفة حوالي 75 – 200 رأس نووي، تشمل القنابل ورؤوس الصواريخ والأسلحة غير الإستراتيجية.
في يونيو 2002، أعلن مسؤولون بوزارة الدفاع الأمريكية البنتاجون لصحيفة واشنطن بوست أن إسرائيل تمتلك ثلاث غواصات قادرة على حمل رؤوس نووية، وقد تعاقدت مع شركتين ألمانيتين، هي ثيسن نوردتسِفِركه وهوفالدزفِركه لبناء غواصات لصالح الجيش الإسرائيلي، تُعرَف بغواصات دولفين، ويبلغ طولها 57.3 مترًا، وتستطيع حمل 1900 طن والوصول لسرعة 20 عقدة (حوالي 36 كيلومترًا في الساعة)، وقد تسلّمت إسرائيل الغواصات الثلاث خلال عامي 1999 و2000، وتكلفت الواحدة حوالي 300 مليون دولار.