اندلعت اشتباكات، اليوم الاثنين، بين الجيش اليمني والمقاتلين الحوثيين بالقرب من قصر الرئيس عبد ربه منصور هادي في العاصمة اليمنية صنعاء، ما أدى لسقوط قتلى وجرحى. المشهد الذي يبدو انقلابا كامل المعالم بعد أن أعلنت وزيرة الإعلام اليمنية سيطرة الحوثيين على جميع القنوات التليفزيونية اليمنية عدا قناة عدن، التي قالت إنها لا تزال تمثل الحكومة، يطرح العديد من التساؤلات. في هذا المقال نحاول تصور المشهد اليمني في 2015.
مثّل العام المنصرم خيبة أمل كبيرة لطيف واسع من الشعب اليمني؛ ففي الوقت الذي كانت فيه المرحلة الانتقالية قاب قوسين أو أدنى من الانتهاء، وذلك بإنجاز مؤتمر الحوار الوطني في يناير مطلع العام 2014، والذي تم التوافق فيه على الشكل الفيدرالي للدولة، والقرب من إنجاز وثيقة الدستور وعرضها على الاستفتاء، وجد اليمنيون أنفسهم أمام سيطرة المليشيات المسلحة التابعة لجماعة على عاصمتهم صنعاء في الحادي والعشرين من سبتمبر وسط انهيار كامل لقوات الجيش والأمن وباقي مؤسسات الدولة، الأمر الذي شكَل انهيارًا كاملاً للمسار الانتقالي برمته.
ومع بداية العام الجديد تبدو السيناريوهات المقبلة هي الأسوأ منذ اندلاع الثورة اليمنية، فما يلوح في الأفق هو تحول اليمن إلى مسرح للصراعات الإقليمية بين السعودية من جهة وإيران من الجهة الأخرى، وتجريف البلاد نـحو حـرب أهلية طائفية، وظهور شبح انفصال الجنوب مجددًا، وكان العام 2014 قد انقضى على وقع تفجير استهدف أعضاء في جماعة الحوثي وأنصار لها كانوا يحتفلون بالمولد النبوي الشريف في مدينة إب راح ضحيته أكثر من 49 قتيلاً، وهو ما يعطي مؤشرًا لما ستؤول إليه الأمور في العام الجديد.
وينتظر اليمن في هذا العام عدة ملفات شائكة لعل أبرزها: الاستحقاقات الدولية وملف الحرب على الإرهاب الذي بات يمثل مصدرًا لكسب الشرعية الدولية لأي قوة محلية تحكم اليمن، والصـراع الإقليمي بين إيران والسعودية وتداعياته على المشهد اليمني والقضية الجنوبية بشكل خاص، وأخيرًا الوضع الاقتصادي المتردي والذي ينذر بانهيار اقتصادي وشيك.
المجتمع الدولي و”الحرب على الإرهاب”
لم يكن المجتمع الدولي جادًا في تبنيه المبادرة الخليجية التي رسمت مسار الانتقال السلمي للسلطة في اليمن، فما يشغل المجتمع الدولي بواقع الحال هو ما يسميه بـ “الحرب على الإرهاب”، ممثلاً بتنظيم القاعدة في الجزيرة العربية والقبائل اليمنية الحاضنة له، وقد أعاق المجتمع الدولي فرصة التحـاور مع التنظيم مطلع العام 2012 ومنع إشراكه في مؤتمر الحوار الوطني الذي ضم مجـمل القوى والفصائل اليمنية، وتلا ذلك هجومًا عسكريًا موسعًا من الجيش اليمني على التنظيم في جنوب البلاد في الوقت الذي لم تنته فيه عملية “هيكلة الجيش” ولم تعالج مسألة التصدع الذي طال المؤسسة العسكرية على خلفية الموقف من الثورة عام 2011.
ويرى الباحث اليمني المختص بشؤون الحركات الإسلامية عبد الرزاق الجمل “أن المجتمع الدولي كان يبحث عن حلول لمشاكله في اليمن، وقد تواطأت معه كل القوى الداخلية بحثًا عن الشرعية الدولية؛ وبذلك بقي اليمن ومشاكله خارج اهتمامات الجميع، ويضيف الجمل “لم تكن هناك إرادة دولية جادة فيعملية نقل السلطة، بل كانت عملية نقل لملف الحرب على الإرهاب، من صالح إلى هادي إلى الحوثي مؤخرًا”.
ويرى الجمل أن باعتماد أمريكا على جماعة الحوثي فيما تسميه بالحرب على الإرهاب فإن سياسات الحرب على الإرهاب في اليمن تدخل طورًا جديدًا تشغل فيه الحسابات الطائفية المساحة الأبرز، حيث أوكل الملف لقوة طائفية تنتمي للمذهب الشيعي الزيدي للقضاء على المؤسسات والمراكز الدينية التابعة للسلفيين وجماعة الإخوان التي ترى فيها أمريكا حاضنة للإرهاب، والقبيلة كحاضنة اجتماعية، إلا أن هذه السياسات بحسب الجمل “ستقدم لتنظيم القاعدة أكثر مما كانت تقدمه تلك المؤسسات، حيث ستصبح القاعدة حاضنًا للمقهورين من أبناء القبائل المستهدفة مناطقهم بالتوسع الحوثي” .
وبذلك تدور الحرب على الإرهاب في حلقة مفرغة، حيث تستخدم أمريكا السياسات الطائفية – والتي أثبتت فشلها مسبقًا في العراق – للقضاء على التنظيمات السنية وحواضنها الاجتماعية من القبائل، والتي ستجد في المقابل تعاطفًا واسعًا من الأوساط السنية التي سترى أنها هي المستهدفة من هذه الحرب، وهكذا تصبح الحرب على الإرهاب كنبوءة تحقق ذاتها وتخلق أعداء محتملين جدد لها وتسير بلا نهاية.
التنافس السعودي – الإيراني وانعكاساته على المشهد اليمني
فتحت سيطرة الحوثيين على المشهد السياسي اليمني الباب لصراع إيراني – سعودي على الساحة اليمنية، حيث تنظر الرياض بشكل متزايد إلى سيطرة الحوثيين على صنعاء من منظور صراعها الإقليمي مع إيران، وترى السعودية في تمدد الحوثيين وسيطرتهم على العاصمة صنعاء خطرًا مباشرًا على أمنها القومي، وتسعى السعودية في المقابل إلى دعم القوى المناهضة لجماعة الحوثي سواء كانت قبلية أم سياسية، إلا أن هذا السيناريو يدفع اليمن نحو السيناريو اللبناني، حيث تمثل القوى المحلية أدوات لصراع إقليمي ودولي، وهو ما يعمق الصراع الطائفي المحلي ويربطه بالحرب الباردة الإقليمية.
ويطرح الكاتب السعودي جمال خاشقجي لبلاده رؤية للخروج من الوضع الراهن في اليمن وذلك بعدم خوض صراع صفري مع إيران فيها، حيث إن تبني مثل هذا الخيار سيُضر بأمن الخليج بالدرجة الأولى ويفتح الأبواب لحرب مستدامة في اليمن لن تسلم دول الجوار من لظاها، وعلى هذا يدعو خاشفجي بلاده بأن تدفع نحو استكمال استحقاقات المرحلة الانتقالية والتعجيل بإقامة انتخابات رئاسية مبكرة تخرج البلاد من حالة الانسداد السياسي التي تمر بها، وتحصـر الصراع عبر الآليات الديمقراطية.
إلا أن هذا الطرح يبدو غير قابل للتحقق؛ فإيران – التي سارعت بإعلان انتصارها في اليمن فور سقوط صنعاء بيد الحوثيين على لسان مستشار خامنئي علي أكبر ولايتي – تدفع نحو تمدد الحوثيين الذين باتوا يسيطرون على أكثر من عشر محافظات يمنية، وتشير السياسات الإيرانية أنها لا تريد التخلي عن حلم التحكم بمضيق باب المندب التي وعدت مؤخرًا بإنشاء استثمارات كبرى عليه، وغني عن البيان أهمية المضيق بالنسبة للتجارة الدولية حيث تمر عليه قرابة الـ 3.5 مليون برميل نفط يوميًا، وهو ما يجعل لإيران سيطرة على أهم مضيقين ذوي تأثير على أسواق الطاقة والاقتصاد العالمي (مضيق باب المندب ومضيق هرمز).
كما أن إيران تسعى جاهدة لمد نفوذها في المنطقة لتعزيز مكاسبها على طاولة المفاوضات مع الغرب، والذي باتت جميع المؤشرات تشير إلى قرب الإعلان عن تسوية تشمل سائر الملفات في المنطقة من بينها اليمن، ويبدو أن الدور الموكل لإيران هو الشراكة في الحرب على الإرهاب، وهو ما يستدعي امتلاكها لجماعات جاهزة تخوض بها هذه الحرب وهو ما تفعله جماعة الحوثي في اليمن.
في المقابل خسرت السعودية في الآونة الأخيرة أكبر حليف إستراتيجي لها في اليمن ممثلاً بآل الأحمر وذلك على إثر الموقف من الثورة اليمنية التي اندلعت في العام 2011، والتقارب الكبير بينهم وبين حزب الإصلاح؛ الأمر الذي أغضب السعودية وأدى لقطع العلاقة مع آل الأحمر، وقد كان نتيجة ذلك صعود جماعة الحوثي المدعومة من إيران وأفول هيمنة آل الأحمر على المشهد السياسي، كما أن القيادة السعودية باتت متوجسة من حليفها الرئيس السابق علي عبد الله صالح والتي ترى أنه سهل للحوثيين دخول صنعاء للقضاء على أعدائه من آل الأحمر وحزب الإصلاح.
وتدعم السعودية القبائل اليمنية التي تواجه الحوثي في المناطق الوسطى (محافظات مأرب والجوف تحديدًا) إلا أن هذا الدعم شحيح ولا يرقى لمواجهة مليشيات الحوثي المدعومة بأسلحة ثقيلة من إيران فضلاً عن سيطرتها على مقدرات الجيش في صنعاء بحسب مصدر محلي في محافظة مأرب، ويأتي هذا الدعم المتواضع من السعودية للقبائل هناك بسبب الفيتو الأمريكي على تلك القبائل بحجة توفيرها حاضنة لعناصر القاعدة.
وعلى هذا يبدو أن الصراع السعودي الإيراني في اليمن يتجه لأن يكون صراعًا صفريًا؛ فإيران من خلال خطابها وممارستها ليست مستعدة للتخلي عن المكاسب التي حققتها مؤخرًا، والسعودية لن تقبل بأي حال بتواجد إيران على حدودها الجنوبية وفي دولة هشة تفتقد إلى المركزية، ويتجلى هذا الصراع بشكل أكبر في جنوب اليمن حيث يمتلك كلا الطرفين فاعلين محليين يتصدران تمثيل القضية الجنوبية.
الصراع على الجنوب
زادت المطالبات بانفصال الجنوب عن شمال اليمن سواء داخليًا أو خارجيًا عقب سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء، حيث بات هذا المطلب مسوغًا أكثر من ذي قبل مع سقوط عاصمة الشمال بأيدي مليشيات الحوثي المسلحة، وانهيار المسار الانتقالي الذي جاء مع المبادرة الخليجية.
وفور سيطرة الحوثيين على صنعاء؛ عاد عدد من قيادات الحراك الجنوبي إلى محافظة، من بينهم قادة حزب “رابطة أبناء الجنوب العربي الحر” – المقرب من السعودية – على رأسهم قائد الحزب عبدالرحمن الجفري، وأمينة العام محسن بن فريد، بالإضافة لعودة الشيخ عبد الرب النقيب قادمًا من السعودية، حيث يعتبر الأخير من القيادات التاريخية البارزة للحراك الجنوبي.
ويلعب قادة حزب الرابطة على وتر المخاوف الخليجية من تمدد الحوثيين خاصة في ظل وجود أجنحة في الحراك الجنوبي منافسة لهم مدعومة من إيران، ففي تصريح لقناة روسيا اليوم أشار الأمين العام للحزب محسن بن فريد أن ما جرى مؤخرًا في الشمال، أقنع دول الجوار في الخليج العربي بالخطر على الأمن والاستقرار في المنطقة، خوفًا من تمدد النفوذ الإيراني عبر جماعة الحوثي، وهو مايمثل تغيرًا هامًا في المزاج الخليجي تجاه القضية الجنوبية ومطالب الانفصال، ووصف بن فريد الدولة الجنوبية القادمة بأنها ستكون عامل استقرار إقليمي ودولي لأنها المسؤولة عن باب المندب الذي تمر عبره ملايين أطنان النفط يوميًا.
وتزامنت عودة قيادة رابطة الجنوب العربي مع عودة قيادات جنوبية أخرى تقيم في الضاحية الجنوبية في لبنان مقربة من الجمهورية الإيرانية من بينها مدير مكتب علي سالم البيض يحيى غالب الشعيبي، وتعول إيران على جناح علي سالم البيض لبسط نفوذها على الجنوب، إضافة لتمدد الحوثيين المستمر باتجاه الجنوبيين وإحكام سيطرتهم على محافظاته.
التردي الاقتصادي وخطر الانهيار الوشيك
صرح المبعوث الأممي لليمن جمال بن عمر أن “الوضع الاقتصادي صعب جدًا ومن غير المؤكد أن تتمكن الحكومة من مواصلة دفع الرواتب للموظفين في العام 2015″، يأتي هذا في ظل استمرار التراجع في أسعار النفط – الذي يمثل عصب الاقتصاد اليمني – إلى ما دون النصف ليستقر عند 51.40 دولارًا الأسبوع الماضي، وإضافة لذلك يعاني القطاع النفطي انخفاضًا هائلاً في معدل الإنتاج نتيجة لأعمال العنف الدائرة في البلاد، حيث ذكر تقرير للبنك المركزي اليمني أواخر العام الماضي أن الإنتاج النفطي خلال الفترة من يناير إلى سبتمبر في العام 2014 قد انخفض إلى 12 مليون برميلاً من 19 مليون برميلاً خلال الفترة ذاتها من العام 2013.
وطبقاً للتقرير فقد بلغت عائدات اليمن من صادرات النفط خلال الفترة من يناير وحتى سبتمبر للعام 2014 نحو 1.34 مليار دولار، مسجلاً انخفاض بلغ 660 مليون دولار، مقارنة مع الفترة نفسها من العام 2013.
ومما زاد الأمور سوءًا امتناع السعودية عن تقديم المساعدة المالية السنوية المقررة لليمن والبالغ قيمتها 400 مليون دولار والتي تعمل على دعم الاحتياطي من النقد الأجنبي، في الوقت الذي تراجعت فيه الإمارات عن تقديم مليار دولار وديعة للبنك المركزي اليمني كانت قد وعدت بها في وقت سابق، واشترطتا – أي الإمارات والسعودية – انسحاب الحوثيين من صنعاء وقيام الرئاسة بمسؤولياتها وتصحيح الأوضاع السياسية في البلاد.
وجاءت هذه الخطوة من قِبل دول مجلس التعاون الخليجي لزيادة الضغوط على جماعة الحوثي التي باتت هي السلطة الحاكمة الفعلية لليمن، ويبدو أن الحليف الإقليمي للحوثي ممثلاً بجمهورية إيران غير قادرة على تغطية نفقات الاقتصاد اليمني المتردي وإنقاذ حليفها من تبعات هذا الانهيار الوشيك، حيث تعاني إيران الأمرّين نتيجة لانخفاض أسعار النفط وتورطها في نفقات الحرب الدائرة في العراق وسوريا.
وتشير التقارير إلى أن الاقتصاد اليمني مرشح لمزيد من التدهور وارتفاع عجز الموازنة مع انخفاض احتياطي البلد من النقد الأجنبي وتدهور قيمة العملة المحلية.
السيناريوهات المحتملة
وفي ظل هذا الانهيار السياسي والتردي الاقتصادي، تسير اليمن نحو حقبة جديدة من الانقسام والحروب الطائفية برعاية إقليمية ودولية، حيث تغيب أي بوادر لرتق الانقسام الاجتماعي الذي خلفته صراعات الحوثيين مع القبائل اليمنية، كما يبدو المسار الانتقالي المسدود غير قابل لإعادة إنعاشه مجددًا خاصة مع فشل محاولات التقارب بين حزب الإصلاح والحوثي مؤخرًا.
وإزاء هذا الانسداد السياسي والممارسات الطائفية لجماعة الحوثي فإنه من المتوقع تزايد نشاط تنظيم القاعدة في الأراضي اليمنية وتوسع عملياتها وقاعدتها الشعبية التي باتت تمثل ملاذًا لعدد كبير من القبائل التي عانت من تمدد الحوثي؛ وبذلك يتحول اليمن إلى مسرح صراع طائفي فيما يبدو وكأنه استنساخ للتجربة العراقية في اليمن.
وفي الجنوب تشير التوقعات إلى مزيد من التدهور والانقسام وتنامي الاتجاه الانفصالي، في ظل غياب الدولة وعجزها عن إيقاف هذه الدعوات بتفعيل دورها الاجتماعي والسياسي، ويرى مراقبون أنه من المتوقع أن يشهد هذا العام خروج عدد من المحافظات الجنوبية عن سيطرة الدولة حيث ستمثل هذه المحافظات نواة الانفصال، إلا أن التحدي سيكون في محافظة عدن المركزية والتي يتوقع أن تكون محل صراع بين الحراك الجنوبي والحكومة اليمنية.