قال أفيجدور ليبرمان، وزير خارجية الاحتلال الإسرائيلي، إن حكومته تأمل في تقليص التمويل الذي تحصل عليه المحكمة الجنائية الدولية من الدول المنتمية إليها (122 دولة لا تشمل إسرائيل وأمريكا)، وذلك حتى يتماشى مع حجم اقتصادات هذه الدول.
وقال ليبرمان للإذاعة الإسرائيلية: “سنطلب من أصدقائنا في كندا وأستراليا وألمانيا أن يتوقفوا ببساطة عن تمويل هذه المحكمة”، مضيفًا: “هذا الكيان لا يمثل أحدًا، إنه كيان سياسي، وقد تلقيت الكثير من المكالمات من الأصدقاء الذين يعتقدون بعدم وجود مبرر لوجود هذا الكيان”.
وتأتي تصريحات ليبرمان هذه بعد أن تقدم رئيس السلطة الفلسطيني محمود عباس، بملف رسمي للحصول على عضوية المحكمة، وبعد أن أعلن مدّعون في المحكمة أنهم سيحققون في إمكانية حدوث جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية خلال الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في أغسطس الماضي 2014 والتي أودت بحياة أكثر من 2100 فلسطيني لا يتجاوز عدد المسلحين من بينهم بضع عشرات.
وفي تقرير نشر على موقع الجزيرة نت رأى الكاتب محمد حسن وتد أن تصريحات القيادات الإسرائيلية، على غرار تصريحات ليبرمان، تؤكد أن التحقيقات التي كشفت عنها المحكمة باتت تؤرق إسرائيل، مشيرًا إلى سعي “تل أبيب للالتفاف على القضاء الدولي واستباق أي تطورات بالمحكمة الجنائية من خلال قيام المدعي العسكري الإسرائيلي بفتح العشرات من ملفات التحقيق مع جنود وضباط بشبهة ارتكاب مخالفات جنائية خلال الاعتداءات العسكرية على قطاع غزة”.
كما أشار إلى أن منظمة “محاربون من أجل المقاتلين” أطلقت عريضة وقعها المئات من الضباط وجنود الاحتياط الإسرائيلي طالبت المدّعي العسكري بعدم التحقيق الداخلي مع الجنود الذين شاركوا في عملية “الجرف الصامد” (الحرب الأخيرة على قطاع غزة) وإلى توفير الحماية القضائية لهم أمام المحافل الدولية”، بالإضافة إلى رسالة موجهة إلى قائد هيئة أركان جيش الاحتلال الإسرائيلي بيني غانتس، تطالبه بالتدخل لمنع النيابة العسكرية من فتح تحقيقات جنائية مع جنود شاركوا في الحرب على غزة، معتبرين أن ذلك قد “يسهم في تراجع المعنويات القتالية وتآكل قوة الرد للجيش وإضعاف مكانة إسرائيل في المجتمع الدولي”.
وفيما يبدو أنه تفاعل مع دعوات ليبرمان ومع الضغوط الإسرائيلية على أصدقائها، ندد وزير الخارجية الكندي جون بيرد، بقرار المحكمة الجنائية الدولية، وقال في بيان مقتضب أمام الصحفيين أثناء زيارته لمدينة القدس المحتلة، إن قرار المحكمة الجنائية “مؤسف جدًا”، مشيرًا إلى أنه حذر نظيره الفلسطيني “رياض المالكي” من خطر “الاستمرار في برنامج دبلوماسي يمكن أن يسيء إلى نتيجة أي محادثات مقبلة مع إسرائيل”.
يذكر أن كندا تساهم بحوالي 5.6 مليار يورو من إجمالي الموازنة السنوية للمحكمة، في حين تعتبر اليابان أكبر ممول للمحكمة، مع العلم أن رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي وصل يوم الأحد إلى إسرائيل بالتزامن مع تصريحات لمسؤولين إسرائيليين نشرتها وكالة رويترز وأفادت بأن طلبًا بوقف تمويل المحكمة الجنائية الدولية سيُقدم إلى رئيس الوزراء الياباني، بالإضافة إلى طلب آخر أُرسل إلى الحكومة الألمانية التي تعتبر من أشد الدول تأييدًا للمحكمة.
ورغم القلق الإسرائيلي الذي ظهر في تصريحات مسؤوليها، وبغض النظر عن مدى قدرة إسرائيل على التأثير على تمويلات المحكمة، قللت بعض الصحف الإسرائيلية من أهمية تحركات السلطة الفلسطينية لدى المحكمة الدولية، فأشار بعض خبراء القانون الإسرائيليين إلى أن المحكمة لن تكون مخولة لإصدار حكم في خصوص العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة لأن القطاع لا يخضع لحكم السلطة الفلسطينية.
وبعيدًا عن التوقعات المثارة حول النتائج التي ستنتهي إليها تحركات السلطة الفلسطينية في المحكمة والتحقيقات التي أطلقها المدّعون، يرى متابعون للقضية أن مجرد انخراط إسرائيل في حملة مضادة للمحكمة يجعلها تقف أمام المجتمع الدولي كخصم للمحكمة الجنائية الدولية التي كان من أبرز خصومها توماس لوبانغا، زعيم إحدى المليشيات المسلحة في جمهورية الكونغو الديمقراطية والمتهم بارتكاب جرائم حرب، وكذلك اليوغسلافي رادوفان كاراديتش، المتهم بارتكاب جرائم ضد الإنسانية خلال الحرب البوسنية وبالتورط في مذبحة سربرينيتشا الشهيرة التي راح ضحيتها الآلاف من مسلمي البوسنة.