أعلن لوران فابيوس، وزير الخارجية الفرنسي، يوم الخميس الفارط أمام مجلس الشيوخ الفرنسي أنه يعتزم القيام بزيارة رسمية للمغرب الذي اعتبره “صديقًا لفرنسا”.
تصريح أعقبه بتغريدتين على حسابه في تويتر أعلن في الأولى عزمه التحول شخصيًا إلى المغرب قريبًا، وأكد في الثانية بأن المغرب صديق لفرنسا وفرنسا صديقة للمغرب.
تأتي هذه التصريحات في خضم جفاء دبلوماسي غير مسبوق بين البلدين أتمّ السنة، وضمن سياق دولي مُعقّد تسارعت فيه الأحداث، ولعل آخرها حادثة مجلة “شارلي إيبدو” التي راح ضحيتها 12 شخصًا وكانت سببًا لتحوّل وزير الخارجية المغربي لباريس وكان له لقاء مع نظيره الفرنسي يبدو أنه أثمر ما سبق.
أصل المُشكل الدبلوماسي بين البدين
تعود الأزمة الدبلوماسية بين الرباط وباريس إلى شهر فبراير من العام الماضي إثر حادثة استدعاء عبد اللطيف الحموشي، مدير الاستخبارات المغربي، من طرف الشرطة الفرنسية من أجل المثول أمام محكمة فرنسية في علاقة باتهامات حول التعذيب وسوء المُعاملة قدمها مغاربة من أصحاب الجنسية الفرنسية ضده، أثناء زيارته لباريس.
حادثة أثارت غضب المغرب الذي اعتبرها سلوكًا عدائيًا غير لائق لأنّه لم يمر عبر القنوات الدبلوماسية كما جرت العادة بين الدول في مثل هذه الملفات، غضب تترجم عبر استدعاء السفير الفرنسي لديه (المغرب) من أجل تبليغه احتجاج الأخير على ما حصل، ثُمّ ليتم الإعلان عن تعليق التعاون القضائي والأمني بين البلدين.
مُحفزات التوتر بين البلدين تواصلت تباعًا عبر ما اعتبرته الرباط تساهلاً في السماح لمعارض مغربي بالهجوم على غرفة جنرال مغربي أثناء تداويه بأحد المستشفيات الفرنسية، وخاصة بعد تعرُّض وزير الخارجية المغربي إلى تفتيش “مُهين” (حسب السلطات المغربية) لشخصية رسمية تحمل جواز سفر دبلوماسي في مطار فرنسي، ورغم اعتذار السلطات الفرنسية وعلى رأسها فرانسوا هولاند، للملك المغربي إلا أن موقف الأخير ظل في حُكم الغاضب.
تراكم المُؤاخذات بين البلدين دفع الجانب المغربي إلى النقد الحاد لتعاطي الجانب الفرنسي مع ملف العلاقات المغربية – الفرنسية، وهو ما برز خاصة مع تصريح أخير لوزير الخارجية والتعاون صلاح الدين مزوار، لمجلة جون أفريك قال فيه إن الثّقة بين البلدين تقلصت وبأن الإرادة السياسية لإعادة المياه لمجاريها غائبة عند الطرف الفرنسي، كما أضاف بأن عهد الوصاية الفرنسية على المغرب قد ولّى دون رجعة.
تجدُر الإشارة إلى أن المغرب تخلّف عن مسيرة الزُعماء التي نظمتها باريس على خلفية اعتداءات شارلي إيبدو، تخلّف كان سببه المُعلن احتجاج على رفع صور مُسيئة للرسول محمد – صلى الله عليه وسلم – ويبدو أنه مثّل أيضًا فُرصة للتذكير ببرود العلاقات بين البلدين وبموقف المغرب الحاد من فرنسا.
خلفيات الزيارة ودوافعها
اهتمت وسائل الإعلام الفرنسية والمغربية على حد سواء بإعلان الزيارة الذي أطلقه مهندس السياسة الخارجية الفرنسية لوران فابيوس، وقد أجمعت التحاليل بأن الحادثة الإرهابية الأخيرة التي شهدتها العاصمة باريس مثّلت أحد الانعكاسات المباشرة لتعليق التعاون الأمني بين البلدين في ظل تعقّد المشهد الأمني في المنطقة .
في ذات السياق، طالب مسؤولون فرنسيون الرئيس هولاند، بالتحرك دبلوماسيًا من أجل إرجاع الأمور إلى نصابها باعتبار التداعيات التي أفرزها تجميد التعاون الاستخباراتي بين البلدين رغم امتداده التاريخي بينهما.
من بين الملفات التي تدفع فرنسا أيضًا إلى محاولة إذابة الجليد مع المغرب، تبعات تعليق التعاون القضائي بين البلدين، إذ سبب على مدى سنة أزمة حقيقية على مستوى ملفات آلاف الفرنسيين والمغاربة المعنيين بالسفر أو الإقامة في أحد البلدين، إضافة إلى الملفات الجنائية التي تخُص فرنسيين معتقلين في المغرب والذين جُمِّدت إجراءات نقلهم إلى فرنسا على ضوء هذا التعليق وقد خاضوا مؤخرًا إضراب جوع احتجاجًا على تأخر البت في وضعهم.
بالإضافة إلى ما سبق، تحتاج فرنسا أن تُثبّت علاقاتها التقليدية خاصة مع دول شمال أفريقيا في ظل الحركية الدبلوماسية التي تشهدها المنطقة وفي ظلّ توجه الدول المغاربية إلى تنويع ارتباطاتها الاقتصادية خاصة مع الدول الأسيوية المُصنِّعة وألمانيا وتركيا، تثبيت يضمن لها تواصل حد أدنى من سوق مُستعمراتها القديمة التي كانت ولازالت أحد أهم ركائز الاقتصاد الفرنسي.
نجاح للدبلوماسية المغربية .. الغاضبة
رغم لبس جلباب الغاضب، يسعى المغرب من جهته إلى تطويق الأزمة والدفع بالأمور نحوالأمام بالنظر إلى تشابك المصالح بين البلدين، فحجم الاستثمارات الفرنسية فيه بلغ 9 مليارات أورو وهو ما يُمثّل 40 بالمائة من الاستثمارات الأجنبية فيها، وقد بلغ عدد الشركات الفرنسية المتركزة فيه 700 مع ما يحمله هذا العدد من قدرات تشغيلية لليد العاملة المغربية.
بالإضافة للمعطى الاقتصادي، لطالما اعتمدت المغرب على المُساندة الفرنسية أمميًا خاصة فيما يتعلق بملف الصحراء الغربية، وهو ملف مرجح لأن يطفو إلى السطح خلال الأيام القادمة، خاصّة إذا ما تم نزع فتيل الأزمة الليبية.
حرص مغربيّ تجلّى في تصريح صلاح الدين مزوار لوكالة الأنباء المغاربية بالأمس أعلن فيه تحوله إلى باريس للقاء نظيره الفرنسي للتباحث فيما يهُمّ البلدين، وهو ما يُفهم منه أنه تفاعل إيجابي مع مُبادرة فايبوس ومن المُنتظر أن تكون هذه الزيارة المغربية لفرنسا من أجل الاتفاق حول ترتيبات الزيارة المرتقبة لوزير الخارجية الفرنسي إلى الرباط.
أن تسعى فرنسا، الدولة “العظمى” ذات الماضي الاستعماري لأن تعيد علاقاتها مع المغرب إلى سابق عهدها، وأن يسعى نظام السيسي أيضًا في مصر إلى تطويق خلافه مع المغرب عبر دعوة الملك إلى زيارة رسمية، وأن تشمل سفرات الملك المغربي الإمارات ثم تركيا، فهذا يشير إلى نجاح الدبلوماسية المغربية، التي تبدو مُنفردة في عالمها العربي من حيث الجرأة وقوة المواقف.