ترجمة من الفرنسية وتحرير نون بوست
بعد تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، التي دعا من خلالها اليهود الفرنسيين إلى الاستقرار بالأراضي المقدسة، تفاعل المؤرخ إيلي بارنافي السفير الإسرائيلي السابق في باريس بقوة ضد هذا التصرف المحرج الذي اعتبره مخالفًا لوعود الصهيونية.
دعوة اليهود الفرنسيين من قِبل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لحزم الأمتعة والالتحاق بإخوانهم في إسرائيل هو فعل محرج لأسباب عديدة.
على المستوى الدبلوماسي، فإنه يتجاهل اللياقة البسيطة للتعامل بين الشعوب والحكومات الصديقة، فلا يتطلب الأمر كثيرًا من الحكمة لمعرفة أن الوقت غير مناسب لتشجيع مواطنين فرنسيين ليديروا ظهورهم لبلادهم في أزمة كهذه، ففرنسا تتعرض لاعتداء وحشي ضد اثنين من أهم المكونات الأساسية لتكوينها الجماعي، مرتبطين منطقيًا في عقول القتلة؛ بالترتيب حسب الاعتداءات، صحيفة ساخرة تمثل الحريات التي يجب على الجمهورية حمايتها، والجالية اليهودية التي تعتبر رمزًا بارزًا يمثل التنوع بين كل مواطنيها المتوحدين حول قيم الجمهورية.
وليس من قبيل الصدفة أن يصرح رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس بكلمات مفاجئة حيث قال: “فرنسا بدون اليهود الفرنسيين ليست فرنسا”، فعبر حقائق بسيطة نجد أن الوضع أسوأ من ذلك: يجب أن نذكر السيد نتنياهو ومن حوله أن فرنسا ليست إثيوبيا، هنا ديمقراطية قديمة وقوية، وموطن لثاني أكبر جالية يهودية في العالم، وهذا – بالتأكيد – ليس مجرد صدفة تاريخية.
هذا البلد هو أيضًا موطن لأكبر جالية مسلمة في الغرب، جزء منها يحترم قيم الجمهورية ويركز كراهيته فقط على اليهود، هذا معطى مهم، وأيضًا هذه الجمهورية لم تلق حتى الآن وسيلة لتخفيف التوترات الطائفية التي تشتتها هي حقيقة أخرى، ولكن فرنسا ليست وحدها في هذا، فعلى الرغم من أن تكوينها الديموغرافي خاص نوعًا ما إلا أن تدخلاتها العسكرية في مناطق بعيدة جعلها أكثر عرضة من غيرها من الدول الأوروبية للتهديدات الإرهابية.
أيضًا، هذا النداء من قِبل رئيس الوزراء، الذي من الواضح أنه يهم أكثر حملته الانتخابية ولعبة المصالح التي سمحت له بالوقوف في الصف الأول في مظاهرة 11 يناير مع رئيس مالي إبراهيم بوبكر كيتا، وقبل محمود عباس، أثار انزعاجًا لدى المجتمع اليهودي الفرنسي والأوروبي.
الوعود الصهيونية الثلاثة
وأخيرًا، دعوة رئيس الوزراء هي صفعة في وجه الأيديولوجية الوطنية للشعب اليهودي؛ فللصهيونية ثلاثة وعود: تحويل شعب هرم إلى أمة وإقامة دولة ذات سيادة لتلك الأمة، توفير ملجأ لليهود المضطهدين في جميع أنحاء العالم وخصوصًا تحت الحكومات الاستبدادية في البلدان المعادية للسامية، وللبقية، ولأول مرة منذ سقوط الهيكل، حرية الاختيار بين التواجد الوطني الكامل أو الانتماء من المنفى.
هذه الوعود الثلاثة، خالفها نتنياهو كلها، فالدولة اليهودية متواجدة، واليهود المضطهدين من قبل الاتحاد السوفياتي وغيره قد وجدوا طريقهم نحو إسرائيل، ولم يعد هناك الآن “يهود صامتون”، فقط جاليات يهودية تعيش في أنظمة ديمقراطية، واليهود في هذه المجتمعات يفعلون ما يريدون، وعادة ما يرغبون في البقاء حيث هم.
سبعة آلاف يهودي فرنسي اختاروا الهجرة إلى إسرائيل في عام 2014، ولكن هؤلاء لا يمثلون سوى 1٪ من الجالية اليهودية في فرنسا، لذا الصهيوني الذي يعتقد أن مكان اليهود في جميع أنحاء العالم هو إسرائيل سيندم لأنهم لن يصبحوا أكثر عددًا، ولكن حتى لو لم يكن أعمى من جانب الأحكام المسبقة ولا يحتقر الحقائق، سيعترف بأن “الصعود” إلى إسرائيل يجب أن يكون خيار الضمير بدلاً من الذعر، هذا ما تضمنته كلمات جويل ميرغوي رئيس الكنيسة اليهودية المركزية في فرنسا: “أنا لا أريد أن أسمع أن اليهود يخافون، يجب أن يعرف اليهود أن لديهم حرية الاختيار بقلوبهم، هم يحبون فرنسا، وإن اختاروا إسرائيل، لا ينبغي أن يكون جراء الخوف”.
في الواقع للصهيونية وعد رابع وجب عليه تحقيقه: حل المسألة اليهودية مرة واحدة وإلى الأبد، وذلك بضمان السلام مع جيران إسرائيل، فإلى اليوم، البلد الذي يضم اليهود الأكثر عرضة للخطر ليس فرنسا، ولكنه إسرائيل.
المصدر: بوليفارد إيكستريتور