قد يكون صيت الصومال ذائعًا باعتبارها معقل الفقر في العالم، ولكن أراضيها على ما يبدو تُخبّئ النفط والغاز، وهو أمر ليس بجديد في الحقيقة على العالمين بخبايا هذا المجال، إذ أن شركتي إكسون موبيل ورويال داتش شِل قد عملتا بالصومال قبل انهيار الحكومة فيها عام 1991، وهو توجه يبدو أنه في طريقة للعودة نظرًا للانتصارات التي وقعت مؤخرًا بمواجهة جماعة “الشباب” الإسلامية في الجنوب، وانخفاض معدّلات القرصنة، حيث أعلنت الشهر الماضي شركة “صوما للنفط والغاز”، ومقرها لندن، أنها تنقب بالفعل قبالة السواحل الصومالية، وقد صرّح مديرها التنفيذي بأن نتائج المسح الأوليّ مشجعة لبدء العمل.
بطبيعة الحال، يبدو الاستثمار مسألة شائكة في الصومال نظرًا للأوضاع الأمنية غير المضمونة، وسهولة الانزلاق مجددًا إلى الاقتتال، وهو ما تحدثت عنه بوضوح دراسة نُشِرت مؤخرًا لمعهد هريتدج، وقالت فيه إن إدارة صناعة كهذه في الصومال تحتاج إلى احتياطات كثيرة وكبيرة، وأن البلاد قد لا تكون جاهزة بعد للدخول في عالم النفط، ولكن الرئيس الصومالي، بطبيعة الحال، استغل فرصة التقدم على “الشباب”، وصرّح بأن بلاده جاهزة ومفتوحة للاستثمارات.
أين ذهب تنظيم الشباب الذي يظن المتحمسون للنفط الصومالي أنه انقشع واختفي فجأة؟ في الحقيقة لم يضعف التنظيم بقدر ما تم دفعه للوراء بالقوات متعددة الجنسيات، لينتقل إلى شمال كينيا في الجنوب، وهو أمر لن يستمر طويلًا بطبيعة الحال، إذ إن كينيا بدورها ستلجأ لاستخدام القوة، والدعم الدولي، لدفع “الشباب” بعيدًا، نظرًا لحرصها على الاستقرار السياسي والاجتماعي فيها، لاسيما وهي على خريطة النمو الاقتصادي الجاري في شرق أفريقيا، ولا تحبذ السقوط في مستنقع الاقتتال بالقرن الأفريقي، وهي مرشحة لذلك بسبب المشاكل التي يعانيها المسلمون الصوماليون فيها، والذين يسكنون ولايتها الشمالية الشرقية على الحدود مع الصومال، ويطمح الكثير منهم للانفصال والعودة إلى بلادهم الطبيعية في الشمال وإن كانت مضطربة، جدير بالذكر أن الاستعمار البريطاني هو الذي اقتطع تلك الولاية وضمها إلى كينيا، بأخذ ذلك في الاعتبار، يبدو على الأرجح أن “الشباب””سيعودون في أي وقت لمعاقلهم بالصومال، وربما أقرب مما يتخيّل البعض.
بالإضافة إلى ذلك، وبالنظر لهشاشة الصومال السياسية، يعتقد الباحث بالتاسار، مؤلف الدراسة آنفة الذكر، أن أي ازدهار لصناعة النفط في بلد لا يملك الحد الأدنى من النظام السياسي والاقتصادي والدستوري، سيعني بالتبعية فتح الباب أمام صراع القوى السياسية المختلفة على عوائد النفط، وهو ما يعني غياب الاستقرار في الداخل حتى بدون “الشباب”، فليس ثمة قانون يحدد بوضوح القواعد والإجراءات اللازمة لاستخراج الموارد الطبيعية، ولا كيفية إبرام الصفقات والعقود مع الشركات الكبرى، وهو ما يعني أن السلطة المركزية، والولايات الفيدرالية، ومناطق الحكم الذاتي، ستتسابق وتتناحر لإمضاء العقود مع الشركات المختلفة، وسيكون النفط في الصومال ببساطة بوضع اليد.
ليست تلك مجرد مخاوف وتحليلات مفرطة في التشاؤم، ولكنها وقائع جرت بالفعل في بونتلاند وصوماليلاند، حيث تُجري هاتان الولاياتان المفاوضات وتُبرمان العقود مع شركات النفط بخصوص حقول الواقعة فيها، دون الرجوع إلى السلطة المركزية، وهو ما سيجلب مستقبلًا، وربما قريبًا، صراعًا شديدًا داخل الصومال، خاصة إذا ما ثبت أن أيًا من تلك الحقول غنية بشكل كبير، وهو ما سيدفع الولاية المعنية لمواجهة الحكومة، ربما على شاكلة الصراع بين كردستان العراق وبغداد حيال عوائد النفط الكردي، والقول الفصل بالطبع سيكون للأقوى، أو صاحب الظهير الأقوى، فإذا امتلكت مثلًا تلك الولاية القدرة على تأمين دعم قوة إقليمية كبيرة، كما فعلت كردستان العراق مع تركيا، ستكون الكلمة الأخيرة لها.
يمكننا القول بثقة كبيرة حاليًا أن الصومال ليس مستعدًا بعد لتنمية قطاع النفط فيه، فرُغم تمتعه بسهولة الوصول إلى نقاط الشحن الرئيسية في العالم نظرًا لكونه بلد ساحلي، وامتلاكه لثروات هائلة غير مستغلة (ربما تصل لـ110 مليار برميل) تجذب المئات من الشركات متعددة الجنسيات، إلا أن المستثمرين سيحتاجون إلى إعادة التفكير، والنظر بحكمة، قبل أن تطأ أقدامهم المستنقع الصومالي والذي يتسم بثلاثة أشياء يعتبرها الاستثمار عدوه الأول: غياب الاستقرار السياسي، تفشي المشاكل والتحديات الأمنية، وعدم وجود إطار قانوني ودستوري لممارسة نشاط اقتصادي على هذا المستوى الكبير.