تتميز تسريبات مكتب الجنرال عبد الفتاح السيسي القديمة والجديدة بأنها تستهدف بدقة متناهية نظام السيسي أو بالتحديد الجزء الذي يسيطر عليه السيسي من منظومة مؤسسات الدولة وكوادرها التي نجح السيسي في السيطرة عليها.
فلم تركز التسريبات المنشورة حديثًا على قناة “مكملين” على شخص السيسي و”هلوساته” ولا على بذاءة الانقلاب وكذبه وخداعه، وإنما استهدفت بشكل مباشر منظومة حكم السيسي وبشكل أدق الأذرع التي بسطها السيسي داخل المؤسسات التي أقامها النظام العسكري الحاكم في مصر منذ عقود (القضاء والإعلام والأمن وغيرها).
وتناولت التسريبات الجديدة كيفية تعامل مكتب السيسي مع أذرعه في جهاز الإعلام من خلال الجيش المصري، وذلك من خلال مكالمة هاتفية دارت بين مدير مكتب السيسي عباس كامل وأحمد علي المتحدث العسكري السابق، كانا يناقشان خلالها استياء الجنرال السيسي من حملات التشكيك في نزاهته وتشويهه، وطيلة المكالمة كان عباس كامل يملي على أحمد علي أفكارًا وجملاً طالبًا منه أن يلقنها للإعلاميين التابعين “لهم” من أجل “إحداث حالة لدى الشعب المصري” وتهييج الناس وجعلهم يدافعون عن السيسي.
التسريب الجديد:
https://www.youtube.com/watch?v=2zmpZos5bdo
وبعد أن كشف التسريب الأول لمكتب السيسي بالأسماء وبأدق التفاصيل عن جزء مهم من آلية تلاعب نظام الجنرال بمنظومة القضاء في الدولة المصرية دون أن يقدم ما يدين المنظومة بالكامل (ما معناه أن مجرد خروج السيسي سيجعل القضاء المصري شامخًا من جديد)، جاء التسريب الجديد ليكشف عن جزء من الأذرع الإعلامية (أحمد موسى، وائل الإبراشي، إبراهيم عيسى، يوسف الحسيني، أماني الخياط، أون تي في) التابعة للسيسي دون أي ذكر (بخير أو بسوء) لباقي الأذرع الإعلامية التي كانت شريكًا أساسيًا في حكم العسكر قبل ثورة 25 يناير 2011 وفي الإعداد لانقلاب 3 يوليو 2013.
وإن كان التسريب قد اُختِير بعناية ليسلط الضوء على جزء من الأذرع الإعلامية التي يمتلكها الجنرال السيسي، فإن من سرّبَ هذه التسجيلات ليس مُخترِقا أو مجتَهِدًا وإنما هي منظومة تتحرك بأريحية وتشاهد كل شيء فتختار منه على مهل ما ترى أنه مناسب للنشر وتحافظ على سرية ما تبقى – على الأقل في الفترة التي سبقت نشر التسريب الأول – وما تبقى هو – على سبيل المثال – كيفية تعامل مكتب السيسي مع خبر عزم الجنرال سامي عنان على الترشح للانتخابات الرئاسية وكيفية وصوله لحل لإجبار سامي عنان على الانسحاب.
وأثبتت تسريبات مكتب الجنرال عبد الفتاح السيسي مجددًا أن تسريبها منظم وليس غفلة أو اختراقًا من الخارج كالتسريبات السابقة التي طالت شخص السيسي وتاريخه الشخصي، فتسريبات مكتب السيسي لم تعن بشخصه بتاتًا وإنما من يقوم بتسريبها يعرف جيدًا ماذا يفعل ومن يستهدف، فأثببت التسريبات مجددًا وجود معارضين أقوياء للسيسي ليسوا بالضرورة معارضين للانقلاب.
السياسي المصري أيمن نور علق على التسريب عبر التأكيد على أهمية الانتباه إلى أن التسريب لم يتحدث سوى عن الأذرع الإعلامية التابعة لجهاز المخابرات الحربية (الجهاز الذي كان السيسي يترأسه في السابق)، مشيرًا إلى منظومة الإعلام المصري تتكون من عدة أجهزة بعضها يتبع للمخابرات الحربية وبعضها للأمن الوطني وبعضها لمبارك ولزوجته، وأنهم (أي الإعلاميين العاملين في هذه الأجهزة) ليسوا سوى “صحفيين مخبرين” أو “مخبرين صحفيين”.
قراءة أيمن نور:
https://www.youtube.com/watch?v=Duw2x5SvMTw
وإن كان تحليل أيمن نور سليمًا بشكل كبير فمن المرجح أن هذه التقسيمات التي كانت قائمة قبل الثورة، قد تزعزعت بعد الانقلاب بسبب ما يبدو أنه صراع نفوذ أكثر حدة بين أقطاب النظام (قطب حول السيسي وقطب – أو ربما أقطاب – آخر لا يقبل بأن يكون أحد أذرع نظام السيسي)، مما أدى إلى تشابك أذرع النفوذ داخل نفس الجهاز، ومما يتيح وجود أذرع لطرفين مختلفين داخل نفس الإدارة (مكتب السيسي مثلاً) وداخل نفس المؤسسة الإعلامية (أون تي في مثلاً) بشكل مختلف عن التقسيم الذي كان قائمًا في السابق.
معركة بين قطبين:
وفي نهاية الحديث عن تسريبات مكتب السيسي وخاصة الجديدة منها، ومع الإقرار بأن من سربها هو عدو للسيسي دون الجزم بما إذا كان عدوًا للانقلاب أو لا، يجب أن نشير إلى أن السيسي لم يتفاجأ بنشرها، لأنه يعلم يقينًا بأن من نشر التسريب الأول يمتلك قطعًا أضعاف أضعافه، ولكنه لم يمنعه من نشرها أو لم يستطع منعه، ما يعني أننا أمام احتمالين:
أن السيسي (أو أذرع السيسي) لا تمتلك من القوة ما يكفي لوقف نشر هذه التسريبات، وبالتالي وجود قوة تمتلك من القوة ما يكفي حتى تدخل في معركة كسر عظم مع السيسي حتى إنهاكه وإسقاطه.
أن السيسي ونظامه تجاوزوا هذه التسريبات وأصبحوا غير معنيين بالتفاوض مع من يقومون بتسريبها، وأن السيسي يمتلك من القوة ما يكفي حتى يدخل في معركة كسر عظم مع الجهة التي تسرب التسجيلات حتى إنهاكها والقضاء عليها.
وفي حال استمرار هذه التسريبات وبالتالي استمرار هذه المعركة التي يتضح يومًا بعد يوم أنها تدور بين أقطاب النظام العسكري، سيكون بإمكان الثوار (أي الطرف الذي يُكن العداء للسيسي وللانقلاب في نفس الوقت) أن يستثمروا جولاتها وتسريباتها لإضعاف كلا الطرفين، مع الحذر بشدة من خطورة الوقوع في فخ الاصطفاف إلى جانب الطرف المعادي للسيسي الذي لن يكون أفضل من السيسي في حال فوزه.