تشهد موريتانيا، مُنذ تسلّم رئيسها محمد ولد عبد العزيز مقاليد الحكم أزمة سياسية واجتماعية حادة لم تنجح المبادرات المتعددة في تقليص حجمها.
مع بداية السنة الحالية، أطلق ولد عبد العزيز دعوة لـ “حوار سياسي شامل” مع المعارضة بهدف إيجاد حل، إلا أن دعوته جوبهت بالرفض من الأخيرة واشترطت جُملة من النقاط التي اعتبرتها الأدنى المطلوب الذي به تتحقق شروط الحوار المرغوب.
أصل المُشكل: انقلاب فانتخابات فأزمة
يعود آخر انقلاب عسكري في موريتانيا لتاريخ 6 أغسطس 2008 وهو التاريخ الذي أعلن فيه الجنرال محمد ولد عبد العزيز رفقة مجموعة من الضباط تشكيل “المجلس الأعلى للدولة” وعزل الرئيس السابق محمد ولد الشيخ عبد الله، كرد فعل على عزل الأخير لولد عبد العزيز من قيادة أركان الجيش الموريتاني.
انقلاب عسكري في بلد الانقلابات لم يحظ بقبول الاجتماع السياسي الموريتاني وهو ما سبب حالة من الاضطراب السياسي انتهت بـ “اتفاق داكار” الذي احتوت بُنوده استقالة ولد عبد العزيز من منصب رئاسة الدولة بالإضافة إلى إطلاق سراح المساجين السياسيين وتكوين حكومة انتقالية، تتسلّم فيها المعارضة حقائب الداخلية والمالية والإعلام، تسهر على تنظيم انتخابات رئاسية تُنهي الجدل السياسي الحاد.
شارك ولد عبد العزيز في انتخابات 18 يوليو 2009 وتحصّل فيها على نسبة 52.58 بالمائة، انتخابات اعتبرتها هيئات دُولية أشرفت على مراقبتها بأنها نزيهة على عكس موقف المعارضة التي وصفتها بأنها “انقلاب انتخابي”.
لم تنجح الانتخابات الرئاسية إذن في نزع فتيل الأزمة، وتواصل التصدع بين النظام والمعارضة خلال انتخابات مجلس الشيوخ التي انقسمت فيها المعارضة بين مشارك (الإخوان المسلمون) ومقاطع (المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة).
المعارضة ترفض ثم تشترط
وجه الرئيس الموريتاني محمد عبد العزيز في بداية هذا الشهر دعوة للمعارضة من أجل الخوض في “حوار سياسي شامل”، إلا أن المعارضة اعتبرت الدعوة لا ترتقي للجدية المطلوبة ولا تتوفر فيها الشروط؛ وبالتالي كانت إجابتها بالرفض المبرر.
موقف الرفض الذي أصدرته المعارضة فسره عضو قطب المجتمع المدني داخل المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة، محمد الأمين ولد الفاضل، بأن “كل الأنشطة التي يقوم بها المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة هي من أجل الضغط لإجبار السلطة القائمة على القبول بتنظيم حوار جدي، وبأنه ليس من الإنصاف أن يتم اتهام المنتدى بأنه لا يرغب في الحوار”، مُضيفًا “إن المنتدى لا يريد انقلابًا، ولا يريد ثورة، وإنما يريد حوارًا جادًا يمكن أن يؤدي إلى تغيير آمن من خلال تناوب سلمي على السلطة”، كما عقّب “بأن الأقطاب المشكِّلة لهذا المنتدى هي أقطاب لا غنى لها عن الحوار، فمنظمات المجتمع المدني والنقابات لا يمكن لها أن تمارس أنشطتها بشكل طبيعي في ظل غياب أي حوار مع السلطة القائمة، ولذلك فهي حريصة كل الحرص على هذا الحوار، وهي على استعداد لأن تبذل كل ما في وسعها من أجل إطلاق الحوار بين السلطة والمنتدى، نفس الكلام يمكن أن نقوله عن القطب السياسي، والذي قد يعتقد البعض بأنه قد يكون القطب الأقل تحمسا للحوار من بين كل أقطاب المنتدى”.
موقف الرفض تحول إلى جملة من الشروط التي اعتبرتها المعارضة حدًا أدنى من أجل الجدية المرجوة من هذا الحوار، خاصة مع فشل مبادرات سابقة، وأهم هذه الشروط الاتفاق على انتخابات رئاسية وبرلمانية مُبكّرة وعدم المساس بالدستور بهدف التمديد للرئيس الحالي.
النظام يقبل شروط المعارضة
تناقلت وسائل الإعلام الموريتانية وجود اتفاق بين المعارضة والموالاة سيقود إلى حل البرلمان بغرفتيه وتنظيم انتخابات رئاسية مبكرة وإعادة تشكيل اللجنة المستقلة للانتخابات.
أخبار سرعان ما أكدها رئيس الوزراء الموريتاني، يحيى ولد حد أمين، الذي قدّم باسم الأغلبية وثيقة لتكون إطارًا للحوار مع أحزاب المعارضة.
وبحسب الوثيقة فإن الأغلبية وافقت على مناقشة كل القضايا التي أثارتها أحزاب المعارضة، بما فيها تنظيم انتخابات رئاسية مبكرة، وحل البرلمان بمجلسيه، وإعادة تشكيل اللجنة المستقلة للانتخابات، وضمت جملة من النقاط التي ستكون موضوع نقاش وهي على التوالي:
- تغطية وسائل الإعلام العمومية لأنشطة المعارضة.
- بناء الثقة بين السلطة والمعارضة.
- العدول عن إقصاء الأطر ورجال الاعمال المنتمين للمعارضة – إن وجدوا –
- إعادة النظر في تشكيل المجلس الدستوري
- تنظيم انتخابات بلدية وبرلمانية توافقية جديدة، وتأجيل انتخابات مجلس الشيوخ.
- تشكيلة جديدة للجنة المستقلة للانتخابات.
- التوافق حول جدولة الانتخابات.
- إجراء تعديلات دستورية لإلغاء تحديد السن القصوى للترشح لرئاسة الجمهورية.
- منع تدخل الجيش في الأنشطة السياسية.
- تنظيم انتخابات رئاسية سابقة لأوانها.
- سلطات الوزير الأول والبرلمان.
- الوحدة الوطنية.
- الأمن العمومي والخارجي.
- القانون والشفافية في تسيير الشأن العام.
- حياد الإدارة.
- استقلالية القضاء.
- علاقات الأحزاب الحاكمة مع الإدارة.
- إعادة تعريف زعامة المعارضة.
وخلصت وثيقة الأغلبية إلى “أن مجموع هذه المسائل لا يمكن بحثها إلا في إطار حوار وطني، يُدعى للمشاركة في أعماله كل الفاعلين السياسيين الوطنيين، ويُعين الطرفان ممثليهما في الحوار الوطني”.
من ناحيتها، لم تُصدر قوى المعارضة أي رد رسمي على وثيقة الأغلبية.
استعدادًا لهذا الحوار، عيّن الرئيس الموريتاني الوزير الأول السابق، مولاي ولد محمد لقطف في منصب “وزير وأمين عام لرئاسة الجمهورية” بموجب مرسوم أصدره يوم الإثنين الفارط، وهو ما اُعتُبر رسالة إيجابية إضافية باعتبار الاحترام الذي يحظى به لدى أحزاب المعارضة التي سبق وأن التقى بعدد كبير من قادتها عندما كان وزيرًا أول.
ما الذي يدفع ولد عبد العزيز للرضوخ لشروط المعارضة؟
شدة تأزم الوضع الداخلي في موريتانيا وغياب السند الخارجي الكافي، بالإضافة للوضع الاقتصادي المُتردي دفعا ولد عبد العزيز وحزب المؤتمر الشعبي للبحث عن تسوية سياسيّة تُنهي ولو مؤقتًا حالة الصراع.
حسب رواية النظام، يعود التأزم الداخلي إلى جملة من النقاط تساهم فرنسا وهي التي تُمسك بخيوطه في إذكائه، من بين هذه النقاط نذكُر: تأزيم الجبهة العرقية عبر حركة إيرا الناشطة في مجال مناهضة العبودية، ضغط الجبهة الإعلامية التي يتهم النظام بعض المدونيين والصحفيين ومجموعة “أولاد البلاد” ونشطاء أحزاب المعارضة بتصدرها، بالإضافة إلى التوتر الأمني الذي يشهده الشريط الحدودي الموريتاني على الجبهة الشمالية جراء ضربات القاعدة.