ترجمة وتحرير نون بوست
صاعد انتقال السلطان قابوس إلى ألمانيا لأسباب طبية في يوليو من عام 2014 مخاوف المجتمع العماني حول مستقبل البلاد من دون “أب الأمة”، وتفاقم الخوف بعد ظهور السلطان في 5 نوفمبر الماضي لمدة أربع دقائق على التلفزيون الرسمي للسلطنة، حيث ظهر شاحبًا وضعيفًا، وأعلن حينها أنه لن يكون قادرًا على العودة إلى مسقط للمشاركة في احتفالات العيد الوطني العماني بعد أسبوعين؛ مما أكد ضمنًا الشائعات التي يتم تداولها منذ يوليو والتي تشير إلى إصابته بمرض سرطان القولون.
السلطان قابوس، الذي استحوذ على الحكم منذ عام 1970، ليس لديه أولاد ولم يُعيّن علنًا الوريث الشرعي للحكم في عام 2014؛ مما سيؤدي إلى تطبيق المبادئ الأساسية التي تحكم خلافة العرش والمنصوص عليها في المادتين 5 و6 من النظام الأساسي للدولة (القانون الدستوري) الصادر بالمرسوم السلطاني رقم 101/96 لعام 1996 والمعدل في عام 2011، حيث تنص المادة الخامسة على أن نظام الحكم سلطاني وراثي في الذكور من ذرية السيد تركي بن سعيد بن سلطان، ويُشترط فيمن يختار لولاية الحكم من بـينهم أن يكون مسلمًا رشيدًا عاقلاً وابنًا شرعيًا لأبوين عمانيين مسلمين، وتعالج المادة السادسة حالة شغور الحكم عن طريق تكليف مجلس العائلة الحاكمة (عائلة السعيد) خلال ثلاثة أيام من شغور منصب السلطان، بتحديد من تنقل إليه ولاية الحكم، فإذا لم يتفق مجلس العائلة الحاكمة على اختيار سلطان للبلاد، يعهد بهذه المهمة لمجلس الدفاع، الذي يقوم بالتعاون مع رئيس مجلس الشورى “المنتخب” ورئيس مجلس الدولة “المعيّن”، بتثبيت من أشار به السلطان في رسالته إلى مجلس العائلة، علمًا بأن السلطان قابوس أعلن في عام 1997، أنه كتب وصيته التي رشّح فيها اسمين بترتيب تنازلي، ووضعها في مغلفين مختومين ووزعهما في منطقتين مختلفتين.
إن تعقيد الآلية التي يتم بها تعيين السلطان، وكذلك الدور الجوهري الذي يلعبه أعضاء مجلس الدفاع ورئيس مجلس الشورى وئيس مجلس الدولة، الذين لا ينتمي أي منهم إلى العائلة المالكة، يثير العديد من التساؤلات؛ فالدلائل تشير إلى أن مجلس العائلة الحاكمة لم يجتمع أبدًا حتى الآن، وفي ظل هذه الظروف التي تشير إلى عدم قدرة العائلة المالكة على اتخاذ قرار بتحديد السلطان، فهل يمكن أن يتقبل أي فرد تنطبق عليه شروط السلطنة حرمانه من هذا المنصب بناء على قرار مجلس الدفاع والشورى والدولة الذين لا ينتمون أصلاً لعائلة آل سعيد والذين يدينون بولائهم للسلطان قابوس وحده دون غيره؟ وعلاوة على ذلك، وبغض النظر عن الاحتياطات التي اتخذها السلطان قابوس سابقًا، أليس هناك خطر داهم متمثل بالتلاعب بوصية السلطان قابوس، ينجم عنه ظهور رسائل متناقضة حول شخصية السلطان الموصى له؟ ألن يقود هذا الوضع إلى ارتباك سياسي في البلاد؟ خاصة في ظل غياب السلطان قابوس، وعدم وجود أي شخصية في عائلة السعيد قادرة على إدارة عملية الخلافة واحتواء الخلافات الناجمة عنها؟
في ظل هذه الأوضاع الصعبة يبقى كرسي الخلافة أكثر انفتاحًا على العديد من المرشحين، فحاليًا أعلى شخصية في البروتوكول الرسمي العماني، وأكثر الأشخاص خبرة في الحكم، هو السيد فهد بن محمود من مواليد 1944 والذي يشغل منصب نائب رئيس الوزراء، وهو متزوج من امرأة فرنسية، لذلك من غير المحتمل أن يكون قادرًا على المطالبة بالعرش كونه لن يستطيع تمرير التاج إلى أولاده بعد وفاته، كما أن وزير ديوان البلاط السلطاني، السيد خالد بن هلال ليس لديه أي حظوظ بالحكم أيضًا، كونه منحدر من فرع آخر من آل سعيد ولا ينتمي إلى سلالة السلطان تركي؛ وهذا ما يجعل المرشحين الأكثر احتمالاً لتلقي السلطة هم أبناء عم السلطان قابوس طارق بن تيمور المتوفى في عام 1980، وهم أسعد وهيثم وشهاب.
المرشحون المحتملون
- السيد أسعد بن طارق (مواليد 1954): العميد السابق في الجيش العماني، وخريج أكاديمية ساندهيرست العسكرية الملكية، شغل سابقًا منصب قائد سلاح المدرعات في تسعينيات القرن الماضي، وهو حاليًا يشغل منصب الممثل الشخصي للسلطان منذ عام 2002.
- السيد هيثم بن طارق (مواليد 1954): الأخ غير الشقيق لأسعد، شغل سابقًا منصب الأمين العام في وزارة الشؤون الخارجية، ويشغل حاليًا منصب وزير التراث والثقافة منذ عام 2002.
- السيد شهاب بن طارق (مواليد 1955): الأخ الشقيق لهيثم، عُيّن سابقًا قائدًا للبحرية العمانية في عام 1990، أما حاليًا فهو مستشار السلطان منذ عام 2004 ويرأس بذات الوقت مجلس البحث العلمي العماني.
النشاطات التجارية للمرشحين
- أسعد بن طارق: رئيس مجلس أمناء جامعة نزوى وهي أول جامعة خاصة في سلطنة عمان، كما أنه يدير العديد من الشركات، بما في ذلك شركة الأسعد للاستثمار، والتي تعد أهم استثماراته، وبشكل عام تقدر إمبراطورية أسعد المالية بأكثر من مليار دولار متوزعة على عدة أصول في جميع أنحاء العالم.
- الابن البكر لأسعد يُدعى تيمور من مواليد 1980 متزوج من سلمى بنت مستهيل المعشني، ويعتبر المرشح الرئيسي ضمن جيله لحكم السلطنة، وهو يشغل حاليًا منصب مساعد الأمين العام للعلاقات الدولية في مجلس البحث العلمي العماني، وتيمور أيضًا يُعَد رجل أعمال لامع، حيث سبق له العمل كعضو في مجلس إدارة بنك ظفار حتى عام 2011، كما أنه رئيس بنك العز الإسلامي، ثاني البنوك الإسلامية في سلطنة عمان منذ عام 2012.
- هيثم بن طارق: هو أكبر مساهم في الشركة الوطنية القابضة ورئيس مجلس إدارتها، شاركت هذه الشركة في بناء محطتي الطاقة الرئيسيتين في عمان (مناح وصحار)، كما أنها تعتبر وكيل الأعمال الحصري لعدة شركات متعددة الجنسيات في عمان، شارك هيثم أيضًا في مشروع المدينة الزرقاء، وهي مدينة سياحة ضخمة في جنوب صحار تقدر قيمتها بمبلغ 20 مليار دولار، وكان من المخطط أن يتم الانتهاء من بناء المدينة في عام 2020 لتستوعب 200.000 نسمة، ولكن تأخر المشروع نتيجة لسوء الإدارة والمشاكل القانونية ما بين أصحاب المشروع، والناجمة عن أزمة العقارات العالمية التي حصلت في عام 2008؛ مما أسفر عن حاجة المشروع للاستدانة من الدولة، وحينها قام صندوق الاستثمار العماني بشراء كمية كبيرة من سندات المشروع في عام 2011 و2012، وبالإضافة لمشروع المدينة الزرقاء فإن هيثم يرأس منذ ديسمبر 2013 اللجنة الرئيسية للرؤية المستقبلية المسؤولة عن وضع وصياغة إستراتيجية وطنية جديدة طويلة الأجل بعنوان “رؤية عمان 2040”.
- شهاب بن طارق: يمتلك شهاب العديد من المصالح التجارية من خلال مجموعة من الشركات التي يمتلكها أو يديرها، وإحدى هذه الشركات هي شركة سبعة بحار التي تعمل في عدة مجالات استثمارية في جميع أنحاء العالم في مجالات البترول والتمويل (صناديق الاستثمار) والعقارات والإمدادات الطبية، كما أن شركة شهاب التى تدعى “العربية للخدمات البحرية والمساعدات الملاحية (AMNAS)” مُنحت بموجب مرسوم ملكي في عام 2003 الحق الحصري لممارسة أعمال المساعدات الملاحية في المياه الإقليمية العمانية.
إن النظام الأساسي للدولة الصادر عام 1996 منح سلطان الدولة سلطة الوصاية الأبوية على جميع مرافقها، فالسلطان قابوس هو رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة ووزير الدفاع ووزير الشؤون الخارجية ورئيس مجلس إدارة البنك المركزي بذات الوقت، وإن هذه السلطة (رئاسة الدولة – الدفاع – الخارجية) هي مزيّة خص بها قابوس نفسه منذ استلامه للحكم في السبعينيات، وحصّن قابوس نفسه أيضًا بحماية جبّارة بحيث لا يمكن محاسبته أو مساءلته دون مساءلة كامل أجهزة الدولة، وهذا النموذج من الشرعية، القائم على أساس شخصنة السلطة، يرتبط ارتباطًا وثيقًا بشخص قابوس، ومن المحتمل ألا يناسب سواه، وهذا يطرح تحديات اجتماعية واقتصادية هائلة تجثم على عاتق خليفة قابوس، خاصة وأن المجتمع العماني الشاب ربما غير مستعد لمنح السلطان الجديد ذات درجة الوصاية التي يتمتع بها قابوس، ويتوضح هذا التوجه لدى الشباب العماني من خلال ثورة الربيع العربي العمانية والتي أوضحت أن هذا النموذج من الحكم قد وصل إلى حده النهائي منذ وقت طويل.
أخيرًا، فإن تردد السلطان العماني قابوس بكسر المحرمات المتعارف عليها في القضايا الرئيسية، مثل تردده بتعيين رئيس للوزراء، وتردده بإرساء أسس الحكم لمرحلة ما بعد قابوس، ساعد على تغذية القلق الذي بدأ بالانتشار على نطاق واسع، لذا فإن النظام العماني سيصدم بوحشية الواقع في حال لم يعمد السلطان قابوس للإجابة على الأسئلة والتحديات المطروحة، وقد يتفاقم الوضع ليثير اضطربات كبيرة قد تخرج عن حدود السيطرة في حال وفاته المفاجئة.
المصدر: موقع هورست