ترجمة من الفرنسية وتحرير نون بوست
هاجمت ميليشيات الحوثي أمس الثلاثاء 20 يناير القصر الرئاسي في صنعاء، محاصرة مقر إقامة رئيس الدولة، ووفق ما صرح به شهود عيان لوكالة فرانس برس، يستمر القتال بين ميليشيات الحوثي والجنود في صنعاء، في حين لم يتسن معرفة مصير رئيس الدولة عبد ربه منصور هادي.
وقد دعا الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون إلى وقف فوري للقتال، في الوقت الذي اجتمع فيه مجلس الأمن في جلسة مغلقة لمناقشة الأزمة الجارية في هذا البلد الذي يقيم فيه واحد من أخطر فروع تنظيم القاعدة والذي مزقته الصراعات الداخلية.
من هم المتمردون الحوثيون؟
باسم محاربة الفساد ونشر قيم أخلاقية في الحياة السياسية، صعدت ميليشيا الحوثي في غضون بضعة أشهر كأسياد جدد على اليمن، محققة تقدمًا تدريجيًا إلى أن وصلت إلى العاصمة، التي دخلتها في سبتمبر 2014.
التمرد الحوثي ليس جديدًا، فقد ظهر فعليًا ضد النظام السابق للديكتاتور المخلوع علي عبد الله صالح في الفترة من 2004 إلى 2010، في محافظة صعدة، وقاتلوا بعنف الجيش اليمني مكبدينه خسائر بشرية فادحة.
وحمل أنصار حسين الحوثي، مؤسس التمرد، السلاح احتجاجًا على تهميشهم السياسي والديني من قبل الحكومة المركزية، داعين إلى عودة النظام الملكي.
مع العلم أن الحوثيين ينتمون إلى الزيدية، وهي فرع من المذهب الشيعي ينتمي إليه حوالي ثلث سكان اليمن.
بعد عشر سنوات وستة حروب لاحقة، وبعد ثلاث سنوات من سقوط صالح الذي أصبحوا حلفاءه الآن، غادر رجال عبد الملك الحوثي (الذي خلف أخاه المقتول في الحرب) المحافظة التي يلجؤون فيها على حدود المملكة العربية السعودية.
لماذا برز الحوثيون؟
منذ استقالة علي عبد الله صالح في عام 2011، تحت الضغط المسلط من قبل جزء من الشعب والمجتمع الدولي، لم يتمكن خليفته عبد ربه منصور من تحقيق الاستقرار والقضاء على الإرهاب ووضع حد للبطالة ولا وقف تخريب النفط والمنشآت الكهربائية من قِبل العصابات المسلحة.
ويقول صالح الصماد، رئيس المجلس السياسي لأنصار الله (يتبع للحوثيين): “نحن مستمرون في ثورة الشباب في 2011 التي تمت مصادرتها من قِبل الأحزاب السياسية، نحن في حرب ضد الفاسدين والإرهابيين، ضد كل الذين استولوا على مؤسسات الدولة لخدمة مصالحهم الخاصة، لهذا السبب الجميع يدعمون حراكنا الثوري، المواطنون والقوات المسلحة سهلوا وصولنا إلى صنعاء في 21 سبتمبر 2014”.
وجهة نظر لا يقتنع بها الجميع، فوفق نادية عبد الله: “هذا انقلاب على الثورة، ليس أكثر”، وبانزعاج قالت إنها تلاحظ تحول دراماتيكي إلى الخلف: “فالحوثيون هاجموا أنصار ثورة 2011 من خلال تحالفهم مع نظام الرئيس السابق علي عبد الله صالح، وقاموا بفرض أتباعه في مؤسسات الدولة، ويدّعون محاربة الفساد لكن دون المرور إلى القانون والعدالة! يعوضون فاسدين بفاسدين، الدولة أصبحت مدمرة، وثورة 2011 انتهت فبلدي دخل في الظلام”.
من المستفيد من تقدم الحوثيين؟
يبدو أن الديكتاتور صالح مستمتع الآن بأنباء استيلاء الحوثيين على العاصمة في سبتمبر 2014، فبالرغم من أن الأمم المتحدة هددته بعقوبات بتهمة ” تهديد السلام”، وقرار سويسرا بتجميد أمواله، حصل صالح على الحصانة في بلاده ويترأس إلى الآن حزب المؤتمر الشعبي العام.
وبتحالفه مع المتمردين الحوثيين الذين قاتلهم عندما كان في السلطة، أصبح لديه ذراع عسكري هائل لإسكات كل من يعارضونه، بما في ذلك الذين أجبروه على الاستقالة، تحضيرًا للعودة إلى قيادة عشيرته حتى ولو تحفظ على ذلك بعض أعدائه السابقين.
بعد ثورة الشارع وافق صالح على التنحي في نوفمبر عام 2011، وبعد ثلاث سنوات من استقالته لم تغادر صور علي عبد الله صالح جدران العاصمة، رغم أنها تلاشت بعامل الزمن لا غير، كما يؤكد الحوثيون “على الدعم الشعبي الهائل الذي لايزال صالح يتمتع به”.
وجاء صالح إلى السلطة في عام 1978، بداية في الشمال، ثم في البلاد كلها بعد إعادة توحيدها مع الجنوب في مايو 1990، وقد اعتمد بشكل مستمر على المحسوبية والقبلية وفي أحيان أخرى على التطرف الديني.
مع ستة وعشرون مليون نسمة، واثنين وثلاثين سنة من حكم صالح، أصبحت اليمن واحدة من أفقر بلدان الدول العربية ومن بين أكثر الدول معاناة من نقص المياه على مستوى العالم.
من هم الداعمون للحوثيين؟
أنصار الله يستفيدون منذ فترة طويلة من الدعم المالي والعسكري القادم من طهران تحت مسمى التضامن الشيعي، ولكن صالح الصمات رئيس المجلس السياسي لأنصار الله (الاسم الرسمي لميليشيا الحوثي) يرفض بشكل قاطع وجود علاقة مع إيران، ويقول: “ليس لنا شراكة حقيقية أو علاقة خاصة مع إيران، ولكن لنا نقطة مشتركة مع حزب الله: النضال ضد سياسة الولايات المتحدة في المنطقة”.
ومع ذلك، اعترفت مصادر يمنية مؤخرًا بوجود العديد من المستشارين العسكريين الإيرانيين والدعم بالمال والسلاح لميلشيات الحوثيين، مؤكدين أن هذه المساعدات سوف تتسارع بشكل كبير بعد الاستيلاء على صنعاء من قبل أنصار الله في سبتمبر 2014.
دعم إيران الشيعية للحوثيين يقض مضاجع الجارة السعودية السنية ويذكي التوترات الطائفية في اليمن خاصة بين السنة والزيدية.
وفي هذا السياق، الفرع اليمني/ السعودي لتنظيم القاعدة (القاعدة في جزيرة العرب) لن يبقى متفرجًا، فقيام الثورة اليمنية في 2011 سمح للقاعدة في جزيرة العرب بالاستفادة من الفوضى السياسية لبدء الغزو الإقليمي السريع.
ومن ربيع 2011 حتى صيف 2012 استولى تنظيم أنصار الشريعة على عدة مناطق في الجنوب والشرق؛ ما جعل اليمن قنبلة موقوتة جنوب شبه الجزيرة العربية وملجأ جهاديًا يتيح تنفيذ ضربات خارج حدود البلاد مثل الهجوم الذي نفذه الأخوين كواش ضد مجلة شارلي إيبدو في باريس مؤخرًا والذي تبناه تنظيم القاعدة في جزيرة العرب.
المصدر: لو موند