أتى الإعلان عن إطلاق شبكة التلفزيون العربي الجديدة والتي من المفترض أن يبدأ بثها التجريبي في الخامس والعشرين من يناير الجاري ليتوج مجهود مجموعة متميزة من العاملين في المجال الإعلامي والصحفي، في رؤية قد تكون من أكثر الرؤى موضوعية بين القنوات الجديدة الناشئة على حد قول القائمين على القناة.
القناة ستضم مجموعة من البرامج السياسية والثقافية وحتى الترفيهية، والتي يبدو أنها راقت للعديد من العاملين في المجال الإعلامي في قنوات عربية ودولية وجذبتهم لتقديم برامج فيها، برامج ستكون قادرة على جذب المشاهد وتقديم مادة إعلامية حقيقية.
أسعد طه وبلال فضل، من أبرز من سيظهرون على شاشة القناة الجديدة، حيث سيستمر فضل في تقديم برنامجه “عصير الكتب”، بينما سيقدم الصحفي أسعد طه برنامج “الرحلة” والذي يزور فيه مناطق الحروب التي قام هو بتغطيتها في تسعينات القرن الماضي وعرض الكثير منها ضمن حلقات برامجه ذائعة الصيت.
وسيكون برنامج “العربي اليوم” الذي يقدمه فدى باسيل مذيعة البي بي سي سابقًا وخالد الغرابلي المذيع السابق بمونت كارلو أحد أهم البرامج السياسية التي ستعرضها القناة، وهو عبارة عن توك شو يومي يناقش أهم الأحداث السياسية فى العالم العربي.
فدى باسيل وخالد الغرابلي يستعدان لبرنامج #العربي_اليوم علي شاشة #التلفزيون_العربي pic.twitter.com/u6cdrZa68O
— abdelmoneim Mahmoud (@moneimpress) January 19, 2015
القناة مقرها في العاصمة البريطانية لندن وستحوى مجموعة من البرامج الأخرى والأعمال الدرامية المختلفة.
تعتبر القناة من القنوات القليلة الوليدة التي تستهدف تقديم محتوى حقيقي، بعد أن كثُرت القنوات الفضائية العربية ذات الهدف السياسي الواضح، خاصة بعد الانقلاب العسكري في مصر منذ صيف 2013، إلا أن تلك القنوات في معظمها لم تقدم محتوى فكريًّا قائمًا بذاته، أو حتى محتوى سياسيًا يمكن صياغته كمشروع، لكنها اعتمدت بشكل كامل على رفض المعسكر الآخر، أو على فضح جرائمه، بلا أي إطار واضح للعمل.
القنوات المصرية الرافضة للانقلاب العسكري كانت نموذجًا واضحًا للقنوات غير المبنية على مشروع واضح، هذا الأمر أدى في أحيان كثيرة إلى صناعة وعي مزيف لمشاهدي تلك القنوات التي بدورها لم تستطع جذب المشاهد العادى، بل اقتصر مشاهدوها على الإسلاميين إن لم يكن على الإخوان وداعميهم فقط.
ربما هذا ما ظهر في تصريح إسلام لطفي، الرئيس التنفيذي لشبكة التليفزيون العربي، في البيان الذي صدر قبل يومين وحصل نون بوست على نسخة منه حال صدوره، يقول لطفي متحدثًا عن تحيزات القناة: “ننطلق من ولاء وحيد للحقيقة باعتبارها حق الشعوب على الإعلام وواجب الأخير نحوها، في وقت توزعت فيه ولاءات الإعلام بين الأنظمة ورؤوس المال وأيديولوجيات التشدد والاستهلاك والوهم والإيهام”.
الانحياز للحقيقة بعيدًا عن الوهم والاستهلاك قد يكون قادرًا بالفعل على كسر حالة الجمود السياسي في المنطقة، والخروج من ثنائية الصراع التقليدية بين الإسلاميين والعسكر أو قوى الثورة المضادة في دول الربيع.
هذا الانحياز قد تضمنه المسؤولية غير المباشرة – أو المباشرة – للمفكر العربي والأكاديمي عزمي بشارة عن المشروع، فبشارة الحاصل على جواز سفر قطري، والمقيم في الدوحة، هو الداعم الرئيسي لعدد من المؤسسات الفكرية والإعلامية، حيث تولى بشارة إطلاق جملة مشاريع معرفية وأكاديمية وثقافية من بينها المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، والذي يرأسه بشكل رسمي، وصحيفة العربي الجديد والتي أسسها بشارة بحسب صفحته على موقع ويكيبيديا.
وعلى الرغم من غياب أي روابط رسمية معلنة بين شركة تليفزيون العربي وبين عزمي بشارة، خلاف الحال مع صحيفة العربي الجديد، إلا أن علاقة النائب الفلسطيني السابق في الكنيست الإسرائيلي بالقناة يمكن اعتبارها بمثابة السر الذي يعرفه كل أحد.
وعلى الرغم من أن الموقف المُعلن لعزمي بشارة بدعم ثورات الشعوب العربية وحقها في تقرير مصيرها لم يتغير منذ انطلاق الربيع العربي في ديسمبر 2010، إلا أن مواءمات السياسة قد تدفع بعض المتابعين للقلق؛ فالدوحة التي تخلت عن إحدى منابرها الإعلامية الأكثر تأثيرا في مصر، الجزيرة مباشر مصر، بشكل فوريّ ومباشر بعد مصالحة مصرية خليجية مع قطر، قد تضغط في اتجاه آخر، لكن متابعين يؤكدون أن تأسيس القناة في لندن يهدف إلى تقليل الضغط القطري، أو بكلمات أخري، تقليل الضغط على قطر والسماح لها بالمناورة حال الضغط عليها.
معظم المسؤولين الإداريين بالقناة هم من الشباب المعروفين بانتماءاتهم الثورية، فإسلام لطفي كان عضوًا في ائتلاف شباب الثورة المصري عقب الإطاحة بالديكتاتور حسني مبارك، وعُرف بآرائه الناقدة لحركات الإسلام السياسي ومطالبتها بإجراء إصلاحات على مستويات البنى الفكرية والتنظيمية.
قناة العربي تأتي في وقت تتصاعد فيه أصوات مقابلة، تدعمها جهات رافضة للربيع العربي، فقد أعلنت قناة العرب الإخبارية المملوكة من قبل الأمير الملياردير السعودي الوليد بن طلال البث من في الأول من فبراير، بحسب بيان لمجموعة الوليد.
وقال البيان الذي صدر في منتصف ديسمبر الماضي إن “قناة العرب ستكسر قالب تقديم الأخبار، وستصبح منصة للتقديم الشفاف ولمناقشة مسائل المنطقة وتحدياتها وستقوم بطرح الأسئلة التي تهم المشاهد”، وسيدير القناة الصحافي السعودي جمال خاشقجي.
القناة التي ستُبث من المنامة ستحاول منافسة القنوات الإخبارية العريقة مثل الجزيرة أو بي بي سي العربية أو سكاي نيوز، لكنها في نفس الوقت ستعكس بشكل أكيد توجهات مموليها السعوديين، والذين يعلنون رفضهم المستمر للحراك الشعبي في الوطن العربي، وهو ما قد يظهر أثره بشدة في المنافسة المحتملة بين “العرب” و”العربي”.
وفي فبراير 2013 كانت قد انطلقت من لندن، قناة الغد العربي التي أُعلن حينها أنها “تضم أحمد شفيق وضاحي خلفان لمواجهة الإخوان”، وبحسب تقرير أوردته قناة روسيا اليوم في الشهر ذاته فإن “القناة التي ستكون لها مكاتب في عدة عواصم عربية، بينها القاهرة وبيروت، ستضم وجوهًا إعلامية وسياسية بارزة مثل قائد شرطة دبي الفريق ضاحي خلفان، والفريق أحمد شفيق المرشح الذي احتل المرتبة الثانية في انتخابات الرئاسة المصرية الماضية، بالإضافة إلى محمد دحلان”.
وأكدت المصادر الصحفية حينها أن القناة يقوم بتمويلها سياسيون إمارتيون، بالإضافة إلى الحديث حول تعيين محمد دحلان (العضو السابق سيء السمعة في حركة فتح) عضوًا في مجلس إدارتها، إلا أنه بعد قرابة العامين على إطلاق الغد العربي، لم تستطع القناة أن تدخل حلبة المنافسة مع القنوات العربية الأرسخ في الساحة.