بعد حالة من التدهور الشديدة التي دامت لأكثر من ثلاثة عقود بين البلدين، أعربت إيران أمس الثلاثاء على لسان علي شمخاني أنها مستعدة لإجراء “محادثات صريحة” مع المملكة العربية السعودية وذلك للتباحث حول المشكلات بين البلدين والوقوف أمام القضايا محل النزاع والتي جعلت القوتين المتنافستين في الخليج على خلاف حاد منذ بداية التوتر في العلاقات الثنائية والذي بدأ مع نجاح الثورة الإيرانية.
كانت العلاقات الثنائية بين إيران والمملكة العربية السعودية قد تدهورت بعد الثورة الإيرانية عام 1979 والتي جاءت برجال دين شيعة معارضين للمملكة إلى السلطة.
يبدو التوتر في العلاقات بصورة واضحة فيما يتعلق بالسياسة الخارجية لكلا الدولتين، فبالنسبة للثورة السورية فمن ناحية إيران فهناك دعم إيراني واضح للنظام السوري سواء على مستوى التصريحات العلنية أو على مستوى الدعم العسكري لبشار الأسد والذي يتعارض مع سياسة الرياض تجاه الثورة، فقد أيدت الرياض الإطاحة بنظام بشار الأسد وقامت بدعم عسكري لعدة مجموعات مسلحة ضمن المعارضة السورية، كما قامت بتبني أطراف عدة في المعارضة السياسية السورية والتي برزت في كيانات مثل الائتلاف الوطني.
ومن ناحية أخرى يبدو أن الأحداث الأخيرة التي تشهدها العاصمة اليمنية صنعاء قد أظهرت وجهًا آخر من أوجه الصراع المتعددة بين طهران والرياض خصوصًا مع التقدم القوي للحوثيين الشيعة المدعومين بشكل أو بآخر من النظام الإيراني، وذلك على عكس الموقف السعودي أيضًا والذي يعارض ذلك المد الحوثي وسيطرتهم على الأوضاع في صنعاء.
فبدعمها للحوثيين في اليمن تكمل طهران الحلقة الشرقية المحيطة بالسعودية؛ فمن الشمال الشرقي نجد الحكومة العراقية الشيعية بالإضافة إلى سيطرة إيران على الميليشيات الشيعية هناك ومن الشرق تكون إيران نفسها بالإضافة للبحرين والأقليات الشيعية في شرق المملكة نفسها، ويأتي التقدم الحوثي في اليمن ليكون الجنوب أيضًا مثار جدل له علاقة وثيقة بالنظام الإيراني.
الجدير بالذكر أن تلك التصريحات من الجانب الإيراني تأتي بعد الخسائر الضخمة التي تكبدها الاقتصاد الإيراني بعد السياسة التي انتهجتها كل من الولايات المتحدة الأمريكية بالتعاون من الممكلة العربية السعودية حول تخفيض أسعار النفط وذلك لتضييق الخناق على روسيا وإيران وهذا ما حدث بالفعل، فقد تأثر اقتصاد الدولتين سلبًا بقوة بعد الانخفاض الحاد التي شهدته أسعار النفط العالمية في الآونة الأخيرة.
وقال مسؤول إيراني هذا الأسبوع إن وزير الخارجية محمد جواد ظريف أرجأ زيارة للسعودية احتجاجًا على رفض الرياض خفض إنتاج النفط للمساعدة في رفع الأسعار.
كانت تلك التصريحات أمس على لسان الأميرال علي شمخاني وهو مساعد أمني كبير للزعيم الأعلى آية الله علي خامنئي قال إن بلاده “مستعدة تمامًا الآن لإجراء محادثات صريحة وواضحة ومتواصلة تشمل جميع القضايا ذات الاهتمام المشترك مع السعودية.
ونقلت وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية الإيرانية عن شمخاني قوله لسفير إيران لدى السعودية “في ضوء الخسائر البشرية والمالية التي لم يسبق لها مثيل جراء الصراعات الطائفية ينبغي أن نمنع المزيد من إراقة الدماء ونشن معركة لا هوادة فيها ضد التطرف والإرهاب الذي تجسده داعش”.
وكنا في نون بوست قد تداولنا دور علي شمخاني في تحسين علاقات إيران بجاراتها العرب، فحين دخل شمخاني إلى منصبه، تم نقل الملف النووي من مجلس الأمن القومي إلى الخارجية بقيادة محمد جواد ظريف، وهو ما دفع البعض للاعتقاد بأن شمخاني لن يكون بالأهمية التي ظنوها عند تعيينه، بين أنه مع الوقت، بدأت تبدو ملامح المهمة التي يريدها روحاني من شمخاني: العلاقات العربية الإيرانية.
ويعتقد كثيرون أن شمخاني قد بدأ يؤثر في سياسة إيران الخارجية تجاه العالم العربي، فقرار طهران بالتخلي عن دعم نوري المالكي كان علامة على ميل كفة المعتدلين على حساب “الصقور: فيما يخص الدبلوماسية الإيرانية، بيد أن البعض سيقول إن هذا ما كان ليحدث دون سقوط المالكي في الموصل، لاسيما والموقف من الملف السوري كما هو لم يحقق شمخاني بعد التحوّل الذي ينتظره منه الآملون بتغيير سياسة إيران بشكل جذري، وتخليها عن التشدد في ملفات عدة، أبرزها الملف السوري.