استأثر موضوع تشكيل الحكومة في تونس باهتمام جميع المُتابعين ورغم شُحّ المعلومات، تأكّدت “نون بوست” عبر مصادرها من مُعطى تغييب حركة النّهضة من التّشكيل الحكومي القادم وهوما يُعدّ انقلابا في مسار المُفاوضات التي بشّرت في بداياتها بحكومة تضُمّ الحزب المُحافظ المُتحصّل على الكُتة الثانية في البرلمان ولا تستثنيه.
فكيف انقلب مسار مُفاوضات تشكيل الحكومة؟
1- مجلس شورى النّهضة يسيء التّقدير
سبق وأن أكّدنا في مقال سابق، تضارب المواقف والآراء داخل نداء تونُس في علاقة بمبدأ تشريك حركة النّهضة في الحكومة اذ برز تيّاران، فأمّا الأوّل، ويضُمّ أساسا شقّا من الرّافد الدّستوري، كان يُقدّر بأن تحييد حركة النّهضة من خلال تشريكها في الحكومة سيُساعد على توفير شروط نجاحها، وأمّا الثّاني، والذي يقوده زعامات الشّقّ اليساري، فقد كان يرفُض بالقطعيّة هذا المبدأ تناغما مع موقف الجبهة الشّعبيّة.
في ظلّ هذ الصّراع، انعقد مجلس شورى حركة النّهضة يوم 10 جانفي / يناير 2015 في دورته الرابعة والثّلاثين، ليخلُص عبر بيانه الختامي الى اقرار مبدأ المُشاركة في الحكومة، بالتّوازي مع تصريح قيادات حركة النّهضة بأن الحركة تلقّت عرضا رسميّا من الحبيب الصّيد، المُكلّف بتشكيلها.
كان لهذا البيان ولهذه التّصريحات ردود فعل حينيّة تمثّلت في ارتفاع حدّة تصريحات الرّافضين لتشريك حركة النّهضة في الحكومة، بالاضافة الى اشتغال “الماكينة اليساريّة” داخل حزب نداء تونس لقطع الطّريق أمام توجّه رئيس الحزب السّابق، ورئيس الجمهوريّة الحالي، القاضي بتشريك النّهضة.
بالاضافة للتّصريحات الاعلاميّة والمقالات التي كُتبت في التّشنيع بهذا المبدأ، أرسلت الجبهة الشّعبيّة، وهي صاحب الكتلة الثّالثة في مجلس نواب الشّعب، عبر اتحاد الشّغل الذي تُسيطر على مفاصله، جُملة من الرّسائل الواضحة من خلال سلسلة مُتناسقة من الاضرابات كان أبرزها “اضراب النّقل” الذي شلّ البلاد.
كان الأجدر بحركة النّهضة ومجلس شوراها أن يتُبعوا سياسة “الغموض الاستراتيجي” في المواقف، اعلان اقترابها من الحكومة خلق موجة عاتية نجح في أن يترُكها خارجا.
2- عياض بن عاشور، حاسما
حسب بعض المُراقبين، ما حسم الصّراع داخل نداء تونس وما أثنى الباجي قائد السّبسي عن اتمام مساره، الظّهور المُفاجئ لعياض بن عاشور، وهومحام وأستاذ قانون دُستوري وترأس الهيئة العُليا لتحقيق أهداف الثّورة اثر هروب بن علي، على أحد وسائل الاعلام الخاصّة مُتذ ثلاثة أيّام، حضور كان على ما يبدومن أجل ابلاغ رسالة واضحة من خلال تصريحه ” نداء تونس تشكّل حتى يزيح النهضة ويغيّر المشهد السياسي وليس لتشريكها في الحكم … تشريك النهضة في الحكومة هوخيانة لناخبي نداء تونس ولمبادئ الحزب ” كما أضاف “من صوت لنداء تونس هوفي الحقيقة صوّت لعدم تشريك النّهضة في الحكم وليس العكس”.
بالاضافة الى الوزن الأكاديمي لأستاذ القانون الدّستوري، يعلم المُطّلعون على كواليس المشهد السياسي أن بن عاشور يُمثّل نُقطة التقاء بين جملة من المصالح في الدّاخل والخارج، ما يُعطي لرأيه أبعاد أخرى تتجاوز شخصه .
يبدوأن الشّق اليساري استنجد ببن عاشور الذي كان حاسما،على ما يبدو, خاصّة وأنّ ظهوره الاعلامي المُفاجئ تبعه مُباشرة قرار استثناء حركة من الحكومة القادمة.
من الثّابت والأكيد، أن هذا القرار المُفاجئ ستكون له استتباعات وتداعيات خاصّة على موقف حركة النّهضة من الحكومة القادمة وحزب نداء تونس، فرغم ما قدّمته من رسائل طمأنة ومُغازلة لنداء تونُس وجدت نفسها في المُعارضة دون أن تختارها وهووضع سياسي لا تُحسد عليه.
في انتظار تفاعل رسمي منها مع هذا المُستجدّ، يبقى المشهد السياسي التّونسي مفتوحا على كلّ السّياقات الممكنة.