يُعقَد المنتدى الاقتصادي العالمي، المعروف بمنتدى دافوس، كل عام على مدار أربعة أيام، في مدينة دافوس الصغيرة بجنيف في سويسرا، الواقعة على ارتفاع 1560 مترًا، وهي المدينة الأعلى في أوربا، ويُعَد المؤتمر نقطة التقاء لأهم الشخصيات في العالم في كافة المجالات، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والمالية والفنية، والتي تجتمع في دافوس لمناقشة أهم القضايا الدولية وطرح حلول لها، أو على الأقل هذا ما يعتقده الحضور والمهتمون بالمنتدى ومؤيدو فكرة عقده سنويًا، أما نقاده فلا يرون فيه سوى ملتقى للمترفين وأصحاب المصالح والقوى فيما يشبه صالون درجة رجال الأعمال، ومضيعة للوقت والمال بدلًا من إنفاقه في أمور ذات جدوى.
يحضر المؤتمر أكثر من 2500 شخص، من السياسيين والدبلوماسيين ورجال الأعمال وغيرهم، ويأتي معظمهم من غرب أوربا ثم الولايات المتحدة وأستراليا وآسيا، وفي ذيل القائمة تأتي أمريكا اللاتينية وأفريقيا، هذا وتتجه الأنظار هذا العام إلى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وزير الدفاع الذي أقصى أول رئيس منتخب في تاريخ مصر بعد ثورة 2011، إذ يحضر هذا العام رغم استمرار التوتر مع العديد من الحكومات الغربية، بالإضافة إلى ذلك سيتواجد رئيس الوزراء الصيني لي كَتشيانغ، والرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند، والمستشارة الألمانية أنغلا مِركل، ورئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير، والمدير التنفيذي لجوجل إريك شميت، والمدير التنفيذي لفيسبوك شريل ساندبِرج.
بطبيعة الحال، ترتفع وتيرة الطائرات التي تهبط مطارات سويسرا خلال أسبوع دافوس لتصل إلى ضعف الأيام العادية، أضف إلى ذلك سيل الطائرات الخاصة التي يمتلكها الكثير من حضور المنتدى، والتي وصلت هذا العام إلى حوالي 1700 طائرة خاصة افتُتِحت لها خصيصًا قاعدة جوية للهبوط.
أجندة 2015
يعقَد المنتدى هذا العام تحت عنوان “السياق العالمي الجديد”، وهو باختصار التطورات الجديدة الجارية من صراعات في أوكرانيا والشرق الأوسط وأفريقيا تتسم بخصائص غير مسبوقة في الصراعات المسلحة، وانعدام الاستقرار السياسي والاقتصادي، كما نرى في أزمة اليورو وهبوط الروبل الروسي، والتحديات التكنولوجية التي تهدد الأمن الدولي، لا سيما مسألة الحروب الإلكترونية التي سلطت عليها الضوء مؤخرًا واقعة شركة سوني مع النظام في كوريا الشمالية.
الصراعات المتنامية هي بالطبع الموضوع الرئيسي خاصة للقادة والسياسيين، وبالتحديد صعود داعش في العراق والشام، والاقتتال المستمر في شرق أوكرانيا، والتي اضطر رئيسها الجديد، بِترو بوروشِنكو، إلى الاعتذار عن حضور المنتدى نظرًا لارتفاع وتيرة الأعمال العسكرية في بلاده.
على الناحية الأخرى، سينصب اهتمام الاقتصاديين ورجال الأعمال على مستقبل الاقتصاد العالمي، فالاقتصاد الأمريكي ينمو بشكل جيد نظرًا لهبوط أسعار النفط وثورة الغاز الصخري، ولكن نمو العملاق الصيني يتباطأ قليلًا، والسوق الأوربية الهشة لا تزال تعاني، ولا نزال في انتظار ما ستسفر عنه الخطوة التي أعلنها البنك المركزي الأوربي مؤخرًا بالتسهيل الكمي الذي تبلغ قيمته أكثر من تريليون يورو.
نبذة عن دافوس
بدأ المنتدى عام 1971 على يد الاقتصادي الألماني كلاوس شواب، في محاولة منه لتشجيع رجال الأعمال ومدراء الشركات في أوربا على تعلّم المناهج الأمريكية في الإدارة، وكان اسمه آنذاك “منتدى الإدارة الأوربية” وقام بدعوة أكثر من 400 تنفيذي ورجل أعمال من كافة أنحاء القارة، ثم بدأت دعوة القيادات السياسية بدءًا من عام 1974، على خلفية الأحداث في الشرق الأوسط وأزمة النفط التي وقعت إبان حرب أكتوبر بين العرب وإسرائيل. في عام 1987، تمت تسمية المنتدى بالمنتدى الاقتصادي العالمي، على اسم المنظمة غير الربحية التي تنظم المنتدى سنويًا.
يتم تمويل دافوس من قبل حوالي ألف شركة من أكبر الشركات في العالم، والتي تدفع رسوم اشتراك كبيرة لتكون عضوًا بالمنتدى، وقد نشرت صحيفة نيويورك تايمز عام 2011 أن كل شركة تدفع حوالي 71000 دولار، لا تشمل الإقامة والسفر، لتستطيع التسجيل والحضور، كما أن الرسوم ارتفعت بنسبة 20٪ العام الماضي لأعضاء المنتدى المتميزين، حيث طُلِب من أكثر من مائة جهة أن تدفع أكثر من نصف مليون يورو للحصول على العضوية السنوية، وهو ما أثار حفيظة الكثيرين.
جدوى المنتدى
يحلو لمنظمي دافوس أن يشيروا لجدوى المنتدى في حل الصراعات والمشكلات الدولية عبر أمثلة عديدة، منها إعلان 1988 بين تركيا واليونان، والذي ساعد البلدان على تجنّب الحرب بخصوص الملف القبرصي، والنقاشات التي أدت إلى اتحاد ألمانيا عام 1989 بين المستشار الألماني هلموت كول وقيادات ألمانيا الشرقية، وإعلان مؤسسة بيل ومليندا جيتس عام 2001 عن رصد 100 مليون دولار لمكافحة الأيدز، وإطلاق حملة لابتوب لكل طفل عام 2007 من قبل نيكولاس نيجروبونتي في إطار جهوده لإيصال الكمبيوتر للأطفال في الدول النامية.
بيد أن النقاد يقولون أن كل ذلك كان ليحدث دون الاجتماع على هذا الارتفاع في دافوس المحاطة بالجبال، وأن هؤلاء في الحقيقة لم يحققوا ما حققوه بسبب منتدى دافوس، ولكن العكس، أضفوا على دافوس نوعًا من القيمة بإطلاق بعض خططهم وحملاتهم من هناك ليس أكثر.
من جانبه، يقول الاقتصادي المصري محمد العريان، في مقال كتبه عن أسباب رفض قبول دعوة الحضور إلى دافوس بشكل متكرر عامًا بعد عام، أن حضور المنتدى هو محاولة لإبراز الذات ليس إلا، وأن المنظمين لا يطمحون لأكثر من تنظيم مهرجان للخطابة يجذبون فيه كل المشاهير، من الساسة إلى نجوم السينما، دون اهتمام حقيقي بالقضايا العالمية، وأن دافوس ليحقق أي تغيير ملموس يجب أن يقلل من كمية الحضور، ويجعل الاجتماعات المختلفة مقصورة على ذوي التخصص لتكون مجدية.
بالإضافة إلى ذلك، يقول العريان أن المشاركين عادة ما يأتون إلى دافوس لتعزيز وجودهم الفردي على الساحة، السياسية أو الاقتصادية، كما فعل أردوغان مثلًا مع شيمون بيريز أثناء مؤتمر 2009، ولكنهم نادرًا ما يأتون للبحث المشترك كما يحدث في المفاوضات الجدية، ولا يطرحون حلولًا للمستقبل بقدر ما يناقشون خلفية الأزمات الموجودة حاليًا.
ناعوم شومسكي هو الآخر وجه انتقادات لاذعة للمنتدى السنوي، والذي قال أنه يهمّش بوضوح الفقراء وغير ذوي المناصب والنفوذ والمال من مناقشة الشؤون الدولية، ويقتصر على مجموعة تمتلك رؤية مشتركة بشكل ما نظرًا لطبيعة مناصبها ومواقعها.