في زمن المتغيرات والتحولات ليس بوسع الإنسان إلا أمرين؛ إما أن يكون مراقبًا للأحداث متابعًا لها وأحيانًا غير عابئ بما يدور من حوله، أو أن يكون فاعلاً ومشاركًا فيها، ومع نهاية عام 2014 ودخول العام 2015 يبدو أنه من الضروري على المرء أن يختار إما السير على صفيح من نار أو أن يختار نهج الهدوء والتأملات، ولكن ألا يمكن أن يكون المتأمل السلبي اليوم ضحية الغد؟
يبدو أن الأحداث المتسارعة في جل أرجاء العالم تجعل العرب والمسلمين في الصدارة؛ فأطفال يفارقون الحياة متجمدين من برد الثلوج في سورية، سورية التي كانت حضن اللاجئين وموطنًا يوفر الطمأنينة للمضطهدين، وأطفال آخرون يجندهم تنظيم الدولة الإسلامية، وفتيات في عمر الزهور يفجرن أنفسهن بالأحزمة الناسفة في نيجيريا بعد أن دربتهم جماعة بوكو حرام الإسلامية.
وأنا أجلس أمام شاشة التليفزيون لأتابع أخبار العالم أرى الديمقراطية في أبهى حللها في أسيا، فهذه المحكمة العليا الهندية تقضي برفع التجميد الذي فرضته الحكومة على حسابات منظمة السلام الأخضر البيئية بعد أن اتهمها جهاز الاستخبارات بتعطيل المشاريع التنموية في البلاد، في حين أن القضاء في بلاد العرب والمسلمين يغط في سباته العميق، كيف لا وأنا أشاهد أركان أنظمة قامت ثورات شعبية لإسقاطها تترشح لانتخابات رئاسية وتدّعي أن برنامجها هو إقامة العدل وتحقيق الديمقراطية.
وأستحضر مآسي العرب والمسلمين وأنا أشاهد الغرب يشدد الإجراءات الأمنية والرقابية على ذوي الأصول العربية بعد الهجوم المسلح الذي تم تعرضت إليه مجلة “شارلي إيبدو” وراح ضحيته حوالي ثمانية من أفراد طاقمها، كما أني أعتصر ألمًا وأنا أشاهد المجلة وهي توغل في الإساءة إلى نبي الإسلام بصور كاريكاتورية مستفزة.
وأتعجب وأن أشاهد القادة العرب والمسلمين يهرولون للدفاع عن مزدري الأديان والمجدفين وإظهار مساندتهم لهم وتعاطفهم معهم بل ويمشون في مسيرة مناهضة للإرهاب جنبًا إلى جانب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أحد أكبر السفاحين الذي أراقوا دماء أطفال فلسطين بلا هوادة.
وأتساءل حينها هل حل العنف القضية ووضع حدًا لإساءة المجلة الساخرة أم أنه أطلق يديها نحو مزيد من الإساءة، هل استطاع المهاجمون حماية الرسول الأكرم أم أنه شوهوا رسالته التي هي رحمة للعالمين، هل نصروا المستضعفين من شعب فلسطين أم أنها قدموا التبرير لجرائم إسرائيل كيف لا ورئيس وزرائها يحضر مسيرة عالمية لمناهضة الإرهاب “العربي المسلم” بحضور العرب والمسلمين.
وأستغرب لماذا يعتبر زين الدين زيدان وكريم بن زيمة فرنسيان مئة بالمئة يتغاضى الفرنسيون عن أصلهم الجزائري رغم أن اسميهما أكبر دليل على ذلك، في حين يشير الفرنسيون للأصول الجزائرية للأخوين كواشي، ليؤكدوا لنا أن الإرهاب لا يمكن أن يكون فرنسيًا بل عربي مسلم فحسب.
من ناحية أخرى أتابع تنظيم الدولة الإسلامية وهو يقطع الرؤوس ويجلد ويقتل ويقيم قانونه الخاص بدعوى أنه يستمده من الشريعة الإسلامية، في حين أن الإسلام مثلما نص على الجهاد وعلى تطبيق الحدود نص على السلم والسماح والأخلاق والمجادلة بالتي هي أحسن والرفق واللين، وكما جاهد المسلمون الأوائل فإنهم أقاموا أسسًا حضارية ومدنية أبهرت العالم بأسره، ولكن السؤال اليوم ماذا قدم تنظيم الدولة للإسلام؟ هل نصر الدين وأقام دولة العدل؟ أم أنه ساهم في مزيد من الفوضى وتشديد الخناق على الدعوة الإسلامية التي فتحت القلوب وأنارت العقول؟
كما تصيبني الدهشة والذهول وأنا أطلّع على بيانات محرك البحث جوجل حول أكثر الشعوب زيارة للمواقع الإباحية وأشعر بالصدمة وأنا أرى أن ست دول عربية وإسلامية تتصدر القائمة، فباكستان على رأس قائمة هذه الدول، تليها مصر في المرتبة الثانية، ثم إيران، والمغرب، والسعودية، وتركيا. والملاحظ يدرك أن لا حركة طالبان باكستان استطاعت زرع الأخلاق في نفوس المواطنين، ولا استطاعت ذلك إيران الثورة الإسلامية، ولا السعودية موطن البيت الحرام ولا حتى تركيا أرض الخلافة.
وكي لا أظلم باكستان فقد أوضحت البيانات أيضًا أن باكستان تأتي في المرتبة الأولى في عدد الباحثين عن النبي الأكرم محمد – صلى الله عليه وسلم – وعن القرآن الكريم، مفارقة تجعل المتابع يحتار في أمره، هل يُفرض الإسلام فرضًا أم أن القلوب تنزع إليه لشعورها بالطمأنينة وهل نحن في زمن الجهاد بالسلاح، أم أننا في زمن المدنية وإقامة الأسس الحضارية؟
لا يقف ذهولي عند ذلك بل يزداد وأنا أقرأ عن “ميا خليفة” مراهقة غادرت لبنان مع أسرتها باتجاه الولايات المتحدة لتصبح مع نهاية العام 2014 إحدى نجمات المواقع الإباحية، وأتساءل هنا هل كان ذلك نتيجة صدمتها الحضارية عند وصولها إلى الغرب، أم أنه نتيجة تفكك الروابط الأسرية، أو ربما أيضًا نتيجة ضعف التربية وضعف مناهجنا التربوية.
ففي أغلب الدول العربية تكاد تغيب عن المناهج التعليمية المواد الدينية، ففي كثير من الدول العربية الإسلامية وفي كثير من الأحيان لا يتجاوز تدريس المواد الدينية معدل الساعتين في الأسبوع، ونستغرب حين تتسرب الأفكار المتطرفة لعقول نشئنا والتطرف هنا قد يسير بالشباب في طريق داعش لنصبح نتحدث عن التطرف وعن جهاد النكاح أو إلى ما سارت إليه “ميا خليفة” من إباحية، ولكن لا ننسى أننا نلمح في شوارعنا مواقع إباحية متنقلة.
إن ما آلت إليه الأمور أنتج إلينا صراعًا مذهبيًا وطائفيًا في جل البلاد العربية والإسلامية، وزاد في توجس الحاكم من الرعية وسخط الشعوب على حكامها، وما زاد الطين بلة شيوخ يفتون بما يضحك تارة وبما يحزن طورًا آخر من فتاوى إرضاع الكبير والمداواة ببول البعير، فهل يتدارك التائهون أنفسهم ويعلموا أن لا مجد إلا للعلم وأن الحضارة لا تُبنى إلا على أكتاف المتعلمين، كيف لا وأول ما نزل من كلمات القرآن “اقرأ” فاقرأوا يرحمكم الله.