ترجمة من الفرنسية وتحرير نون بوست
قام محاربون متطرفون تابعون لداعش صباح الجمعة 23 يناير، بمهاجمة مواقع للجيش اللبناني بالجبال الثلجية العالية بالمنطقة الحدودية مع سوريا شرقي البلاد، هذا وقد تقدم عشرات الجهاديين باتجاه مواقع تل الحمرة في منطقة رأس بعلبك؛ مما أدى لاندلاع مواجهات عنيفة تم خلالها استعمال قاذفات صواريخ متعددة الفوهات ومدفعية ثقيلة، وكان صوت التراشق بالمدافع مسموعًا بوضوح بمنطقة رأس بعلبك ذات الأغلبية المسيحية، إثر الرد على هذه الهجمة، شرعت وحدات النخبة اللبنانية في هجوم مضاد لإجبار المهاجمين على التراجع إلى المجال السوري بجبال القلمون العالية، والتي تبلغ ذروة ارتفاعها 2200 متر.
خلافًا للهجمة التي شنها الجهاديون على منطقة عرسال ذات الأغلبية السورية في أغسطس 2014، لم يكن الجيش اللبناني متفاجئًا بهجوم هذا الصباح، فقد تم الإعداد له جيدًا ببناء اثني عشر برج مراقبة في وقت قياسي وذلك بالاستعانة بخبراء بريطانيين، بالإضافة إلى نشر الآلاف من الجنود بهذه المنطقة التي شكلت أحد أهداف المتطرفين هذه الجمعة.
داعش تنتشر على الحدود
كانت الدوائر العسكرية والاستخبارات اللبنانية تتوقع هذه الهجمة خاصة مع تعزيز داعش لتواجده بالمنطقة بصفة ملحوظة في الأسابيع الأخيرة في إطار سياسة توسع عدوانية، فقد استحوذ ما بين أواخر 2014 وبداية يناير 2015 على ولاء عدة ألوية كانت تحوم حول الجيش السوري الحر أو جبهة النصرة (الجناح السوري لتنظيم القاعدة)، ويعود التحاق بعض الجماعات بتنظيم أبي بكر البغدادي إلى الرغبة في الانتفاع بالإمكانية المادية الضخمة والأسلحة التي يحوزها، وأما الذين حاولوا المقاومة، فقد تمت إبادتهم إثر قتال عنيف خلف عشرات الضحايا.
هذا وقد قدر مدير الأمن العام اللبناني، عباس إبراهيم، عدد مقاتلي الجماعة المتواجدين بالمنطقة الحدودية بألف مقاتل و700، أولئك الذين أعلنوا له الولاء في الأسابيع الأخيرة.
وتسيطر داعش الآن على شمالي قلمون، وهي منطقة جبلية بين لبنان وسوريا يبلغ طولها قرابة الثلاثين كيلومترًا في حين يقدر عرضها بـ 8 كيلومترات، أما المنطقة الجنوبية فهي بأيدي جبهة النصرة بالإضافة إلى بعض ألوية الجيش السوري الحر، ولاتزال المنظمتان تحتجزان 26 جنديًا وشرطيًا لبنانيًا تم اختطافهم أثناء حادثة عرسال أغسطس المنصرم في حين تم قتل جنود آخرين إما ذبحًا أو رميًا بالرصاص.
وتبقى عرسال المدينة المحورية
يواصل تنظيم أبي بكر البغدادي توسعه حسب آثار الجيش الوطني الحر، ففي الليلة الفاصلة بين الخميس والجمعة، قام التنظيم بمهاجمة ميليشيا جماعة التوحيد القريبة من الفرع السوري للإخوان المسلمين قريبًا من عرسال، وقد اندلعت هذه الاشتباكات غداة اختطاف داعش لعدة مواطنين سوريين وقد تم تسجيل استعمال المدافع الرشاشة أثناء القتال قلب عرسال التي تعتبر السيطرة عليها محورية منذ أشهر عدة، حيث إنها أكبر بلدة سنية بوادي البقاع كما أنها تمثل خطوط التموين الأخيرة التي يتم من خلالها مد الجماعات المتطرفة بالماء والغذاء والوقود، وفيها تتم مداواة جرحاهم.
من جهته صرح نائب رئيس المجلس البلدي بعرسال، أحمد فتحي، للجهات الصحفية منتصف شهر يناير بأن “الجماعات الوسطية المتمردة قد انهارت والتحق مقاتلوها بداعش”.
أمير أردني جديد
دليلاً على الاهتمام المتزايد الذي توليه داعش للمنطقة، قام التنظيم بتسمية أمير جديد في قلمون: أبو بكر المقدسي، الأردني الجنسية، الذي أطلق حملة دعم واسعة النطاق ليتأكد من خلالها من دعم الأهالي السنيين بالمنطقة، وقد شوهد بصدد إقامة صلاة الجمعة يوم 9 يناير، بمسجد عرسال الواقع على بعد عشرات الأمتار من نقطة تفتيش للجيش اللبناني، مستمعًا بعدها لآلام وشكاوى الساكنين، وقام بإعطاء الأوامر باستعادة المحاجر التي تمت مصادرتها من قبل الميليشيات بالمنطقة وتعويض أصحابها.
لا شك في أنه أثناء تطبيق سياستها التوسعية، ستصطدم داعش بجبهة النصرة، ويفيد المراقبون بأن ساعة المواجهة الكبرى تقترب، وفي مقابلة له مع وكالة رويترز في 3 يناير، أشار الجنرال عباس إبراهيم إلى أن المقاتلين المتطرفين كانوا يسعون للسيطرة على عدة بلدات لبنانية على الحدود مع سوريا بهدف حماية ظهورهم وضمان قواعد احتياطية لهجماتهم في سوريا داخل الأراضي اللبنانية ذاتها.
لبنانيون يلتحقون بالصفوف الجهادية
لم يستبعد المسؤول عن الأمن عودة الهجمات في لبنان نتيجة التطورات التي جدت في قلمون، حيث قام انتحاريان منذ أسبوع، أي بتاريخ 10 يناير، بتفجير مطعم شعبي يقع في حي ذي أغلبية علوية بجبل محسن، طرابلس، شمال لبنان، وكانت الحصيلة 11 قتيلاً و37 جريحًا، وقد تبنى كل من داعش وجبهة النصرة هذه الهجمة المزدوجة.
حسب مصادر أمنية لبنانية، تم اعتبار نحو 250 لبناني أغلبهم من طرابلس وشمال لبنان في عداد المفقودين، ويُرجح التحاقهم بالجماعات المتطرفة على الحدود اللبنانية السورية.
وتثير كل هذه المعلومات والوقائع قلق السلطات اللبنانية التي أصبحت متأكدة من أن الجماعة الجهادية تبحث عن فتح جبهة جديدة في لبنان، إلا أن تنظيم أبي بكر البغدادي في وضع لا يحسد عليه، إذ إنه محاط بآلاف الجنود اللبنانيين والسوريين وبمقاتلي حزب الله.
المصدر: راديو فرنسا