ترجمة وتحرير نون بوست
كتب أندريا كوستا وآرون هول:
“إذا كنت تشتري العاج، فأنت تقتل البشر”، هذه هي المعادلة الجديدة في الواقع الجديد الذي يروّج لتجارة العاج غير المشروعة، هذه التجارة المسؤولة عن استغلال البشر والفساد الحكومي وتمويل حركات التمرّد والإرهابيين والعصابات الإجرامية في جميع أنحاء العالم.
ربما قد تخيلت وأنت تقرأ الكلمات السابقة صورًا وحكايات عن تجارة العاج العالمية، كون هذا الاسم أصبح مرتبطًا بجثث الفيلة النافقة والمتعفنة المتناثرة في حدائق أفريقيا الوطنية، كما أن هذه التجارة مرتبطة في ذاكرتنا بصور الوزراء الأنيقين ورؤساء الدول وهم يحرقون مخزون العاج أمام الكاميرات، في ذات الوقت التي تَحضُر فيه إلى الذاكرة صور المسؤولين عن حماية الثروة الحيوانية وهم يبتسمون للكاميرات أمام حاويات العاج المضبوطة.
ما من شك بأن تجارة العاج تعمل على انتهاك أسس حقوق الإنسان والحيوان على أكثر من صعيد، إلا أن عنصر الخسارة البشرية غالبًا ما يتم التغاضي عنه عند التحدث عن تجارة العاج العالمية غير المشروعة؛ فالخسائر البشرية لتجارة العاج لها تأثير سلبي على الأفراد والمجتمعات، حيث تعمل هذه التجارة على استغلال الحاضنة البشرية من أفريقيا إلى أسيا، وقد يمتد الأثر أحيانًا خارج هذه المناطق؛ إذن الحديث عن تجارة العاج ليس مرتبطًا فقط بمفهوم المحافظة على الحياة البرية.
ترتبط تجارة العاج تاريخيًا مع استغلال واستعباد المجتمعات الضعيفة في أفريقيا وأسيا، ويشمل هذا الاستغلال غوص الحكومات والدول في مستنقعات عميقة من الفساد وسوء الإدارة، وسوء معاملة المسؤولين عن تجارة العاج للبشر، والتي يدعمها فساد الموظفين العموميين الذين يغضون الطرف عن الممارسات الجنائية التي تمارس على البشر جرّاء هذه التجارة.
الآثار بعيدة المدى
إن الآثار الناجمة عن تجارة العاج لا تشمل فقط الانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان التي يمارسها الأفراد والجماعات الذين يعملون في مجال هذه التجارة، بل إن تجارة العاج تُحدث آثارًا بعيدة المدى تؤثر على الحياة الإنسانية في مختلف المناطق، وتنجم هذه الآثار عن الأنشطة غير القانونية الأخرى التي تُمارسها الجماعات العاملة في مجال تجارة العاج، حيث تشمل هذه الأنشطة تهريب الأسلحة والمخدرات والإتجار بالبشر.
تجارة العاج أصبحت مثل تجارة الألماس والذهب والكولتان والأخشاب، والتي تعمل جميعها كممول للصراعات الدائرة في أفريقيا وخصيصًا في جنوب الصحراء الكبرى، وتعمل تجمعات المجرمين الدولية، والمسؤولين الحكوميين الفاسدين، وبعض الإرهابيين الأكثر شهرة في العالم وحتى الميليشيات، على دعم تجارة العاج العالمية غير القانونية، حيث خلص تحقيق أجرته منظمة الفيلة (EAL) بالتعاون مع مايشا للاستشارات في عام 2012 استمر لمدة 18 شهرًا، أن 40% من عائدات حركة الشباب الصومالية (منظمة تابعة لتنظيم القاعدة) قادمة من تهريب العاج، كما ظهر أيضًا اعتماد مجموعات إرهابية أخرى مثل حركة سيليكا في جمهورية أفريقيا الوسطى ومليشيات الجنجويد في السودان وجيش الرب للمقاومة في أوغندة على تهريب العاج كوسيلة لجمع الأموال وتمويل العمليات العسكرية وشراء الأسلحة، وعلاوة على ذلك، فقد تبيّن تورط أركان حكومية إقليمية في أفريقيا وأسيا في تسهيل تجارة وتصدير العاج بدافع الربح الشخصي.
من الواضح إذن أن سلسلة تصدير العاج تعمل على زعزعة استقرار الدول الأفريقية التي تعاني أساسًا من عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي، والأمر الذي يدعو للقلق هو أن نمو وتطور شبكات التهريب العالمية يفوق الجهود الدولية الرامية لوقف هذه التجارة، كما أن معدل الصيد غير المشروع يتخطى الوقت اللازم لمحاولة تغيير سلوك السوق – وخاصة في أسواق الاستهلاك الأسيوية – لوقف الطلب على العاج القادم من بلدان جنوب أفريقيا، وهذا يعني أنه بالتزامن مع حملات التوعية الجديدة الناشطة في أسيا لوقف الطلب على العاج، نحن بحاجة إلى إجراءات عاجلة على الأرض الأفريقية لإيقاف الآثار الاجتماعية والسياسية والاقتصادية السلبية الناجمة عن تجارة العاج غير المشروعة.
الحل في ظل عسكرة تجارة العاج
إن حل المشاكل الناجمة عن تجارة العاج غير المشروعة، يتمثل – في جزء منه – في اتخاذ إجراءات فورية من قِبل حكومات ومواطني دول غرب أفريقيا وأسيا، الذين يتوجب عليهم مواجهة مسؤولياتهم في التصدي للاستغلال البشري المستمر الناجم عن هذه التجارة، وبالنظر إلى تعقيد الآثار الناجمة عن تجارة العاج، ودخولها إلى المعترك العسكري والسياسي، فإن الجزء الآخر من الحل يجب أن ينبع من ابتكار وسائل وإستراتيجيات جديدة لكبح لجام تهريب العاج، وسيتطلب الوصول إلى هذه الغاية تحقيق تعاون ما بين المجالات المختلفة المعنية بهذه المشكلة، مثل مجال الحفاظ على البيئة ومجالات حفظ الأمن والسلام ومكافحة الإرهاب ومراقبة حقوق الإنسان.
بالإضافة إلى ما تقدم، يمكن التصدي لإتجار العاج من خلال تسليط الضوء على الخسائر البشرية التي قد تنجم عن هذه التجارة، وهذا النوع من الطرح يمكن أن يخلق أدوات ضغط جديدة على صنّاع القرار والمواطنين لحثهم على اتخاذ إجراءات إضافية حيال هذا الموضوع؛ فعلى سبيل المثال، يمكن أن تشمل الإجراءات بناء ضابطة عدلية مهمتها السهر على تطبيق القوانين الخاصة بمنع الإتجار، والبدء بإدخال برامج حماية الشهود في الدول المتضررة من هذه التجارة في جميع أنحاء العالم، كما يمكن الاعتماد على سياسة الإبلاغ العام عن المخالفات في مواقع الإنترنت العالمية المشهورة بتسريب المعلومات مثل موقع (WildLeaks.org)، وهذه السياسة الأخيرة يمكن أن تعمل على حماية المبلّغين عن المخالفات كونها تعتمد على آليات إبلاغ مجهولة المصدر.
بجميع الأحوال، يوجد عدد من العوامل التي تعوق إيجاد الحلول في مجال تجارة العاج؛ فمثلاً تعتبر عدم قدرة الدول على حماية الأفراد القادرين على توفير معلومات استخباراتية هامة حول تجارة العاج، من أكبر معوقات إيجاد الحلول؛ فالأفراد الذين يعملون على نقل المعلومات حول هذه التجارة، يجب أن يكونوا على ثقة بأنهم محميون، كما أن الضابطة العدلية المحلية والدولية يجب أن تكون قادرة على اتخاذ إجراءات فورية حيال المعلومات الاستخبارتية التي يتم التحصل عليها من المخبرين، ومن جهة أخرى، تقف السياسات الفاسدة القائمة على حماية أفراد القطاع الحكومي والخاص المتورطين في هذه التجارة كعائق أساسي في التخفيف من الآثار المدمرة لتجارة العاج، والحل هنا يجب أن يكمن في فرض عقوبات صارمة على الأفراد والدول المشاركة في تسهيل تجارة العاج، وهذا الإجراء سيعمل على رفع تكلفة الإتجار بالعاج؛ وهذا من شأنه أن يعمل على وقف التجارة، كون الأسعار المرتفعة للعاج سترتبط مع ارتفاع تكاليف الإتجار به، وهذا سيحول دون زيادة الطلب عليه.
بالإضافة إلى اتخاذ التدابير العقابية السابق ذكرها، يجب الاستمرار بقيادة حملات التوعية العامة التي تسلّط الضوء على الخسائر البشرية الناجمة عن تجارة العاج، وهذه الحملات يجب أن تتركز على وجه التحديد في دول مثل الصين وتايلاند المستهلك الأكبر للعاج عالميًا، وهذه الحملات يمكن أن تساعد في القضاء على الطلب المتزايد على مادة العاج، من خلال توعية الحكومات والمستهلكين في هذه الدول أن وراء كل حلية عاج تُصنع وتُباع يكمن درب من المعاناة والاستغلال الإنساني في أفريقيا، هذه الحقيقة التي قد تكون مجهولة لمعظم مواطني هذه البلدان.
أخيرًا، إن التصدي لإتجار العاج من خلال المفهوم الإنساني، يتطلب اتباع نهج متعدد الأوجه يشمل تسليط الضوء على جميع الجوانب التي قد تتأثر نتيجة لهذه التجارة؛ فبالإضافة لتأثير هذه التجارة على الدول الأفريقية والآسيوية، فإنها تؤثر على الأمن الجماعي العالمي والتنمية الاقتصادية العالمية، كما أنها تنتهك الالتزام العالمي بحماية حقوق الإنسان وحماية التاريخ المشترك؛ بمعنى آخر، إن مفهوم المحافظة على الحياة البرية الذي كان على الدوام الوسيلة التقليدية لمحاربة الصيد غير المشروع والإتجار بالعاج، آن له أن يتطور، وذلك عن طريق تطوير إستراتيجيات وحملات تشمل إظهار آثار هذه التجارة على الصعيد الإنساني العالمي.
المصدر: الجزيرة الإنجليزية