ترجمة وتحرير نون بوست
بعد ظهر يوم الأربعاء الماضي، وقف كوستاس لابافيتساس مرتديًا الطقم الرسمي على أرضية متجر لصناعة الفولاذ، وجلس أمامه عشرات العمال وأصحاب الأعمال الصغيرة الذين كانوا يدخنون أثناء جلوسهم على الكراسي البلاستيكية، وابتدر لابافيتساس الحديث بقوله “أنا لست سياسيًا متمرسًا”.
في الواقع، إن حياة لابافيتساس السياسية بدأت فقط منذ بضعة أسابيع، حيث يقف الأخير في الانتخابات البرلمانية اليونانية المقرر مباشرتها اليوم الأحد، كأحد مرشحي الكتلة النيابية لحزب سيريزا اليساري المعارض، الذي تقدم -حسب استطلاعات الرأي الانتخابية الأخيرة – على حزب الديموقراطية الجديدة المحافظ اليميني الذي يترأسه رئيس الوزراء اليوناني أنتونيس ساماراس، علمًا بأن نجاح حزب سيريزا المعارض في الانتخابات النيابية سيعكر صفو السياسة الاقتصادية الأوروبية في حال تحققه.
لأكثر من 20 عامًا، عمل لابافيتساس البالغ من العمر 54 عامًا كأستاذ للاقتصاد في جامعة لندن للدراسات الشرقية والأفريقية، أما حاليًا، فإنه جزء من الكادر الذي يقوم بإعداده حزب سيريزا لصياغة الفكر الاقتصادي اليوناني، والذي يضم نخبة من الأكاديميين الذي تحولوا إلى سياسيين.
عمل الاقتصاد الأوروبي – بقيادة ألمانيا – في الفترة الماضية، على تطبيق العقائدية الأوروبية القاسية للخوض في غمار أزمة الديون اليونانية، والتي نتج عنها تطبيق سياسة التقشف الصارمة على اليونان والتي تتضمن تخفيض معدل إنفاق القطاع العام وزيادة الضرائب وإجراء إصلاحات صارمة أخرى، وإن نجاح حزب سيريزا اليساري سيشكل تحدٍ صارخ لهذه العقيدة الاقتصادية في كامل أنحاء أوروبا، كون فوز الحزب سيشجع الأحزاب اليسارية في بلدان أخرى، وخاصة في إسبانيا التي تعاني حاليًا من توترات سياسية، ومن الممكن أن تتطور الأحداث لتصل إلى حد تصدع العلاقات مع ألمانيا؛ مما سيؤدي بالمحصلة إلى انكسار اليورو.
إن الخطة الاقتصادية التي تقدّم بها لابافيتساس والأكاديميين الآخرين من حلفاء حزب سيريزا، تقوم على اتباع مبادئ أساسية هادفة للإعفاء من الديون وزيادة الإنفاق الحكومي، وهي الخطة التي رفضتها ألمانيا مرارًا وتكرارًا خوفًا من زيادة العبء على الاقتصاد اليوناني، والذي سينعكس بدوره على زيادة العبء على اليورو.
قبل بضع سنوات، كان سيريزا حزبًا يساريًا مهمشًا، ولكنه قفز إلى الساحة السياسية في عام 2012 بسبب الغليان الشعبي ضد السياسات التقشفية، وبسبب شعبية زعيمه الشاب أليكسيس تسيبراس، ولكن الأوضاع الاقتصادية السيئة في البلاد أبقت سيريزا في المركز الثاني بعد الحزب الحاكم وخارج نطاق السلطة.
يشير الأكاديمي – السياسي لابافيتساس بأن برنامج الحزب الاقتصادي هو “برنامج كينزي يعمد إلى إعادة توزيع الثروة، كما أنه يعتنق النظرة الماركسية لبعض الأحداث العالمية”، حيث يدعو حزب سيريزا إلى زيادة الإنفاق العام في القطاع الاستثماري الذي سينجم عنه – حسب نظرية جون كينز – إعادة تنشيط النمو الاقتصادي، ويشير خبراء الحزب بأن القطاع العام يستطيع زيادة إنفاقه في حال إعفائه من بعض الديون من قِبل البلدان الأخرى.
تقوم النظرية الكينزية على مخالفة النظرية التقليدية للاقتصاد التي كان رائدها آدم سميث، فالنظرية التقليدية ترى بأن العرض يخلق الطلب الملائم له، وبالتالي يتوجب على الحكومة في حالات الركود اتباع مبدأ عدم التدخل حيث تعمل سياسات السوق الخفية على تحقيق التوزان الاقتصادي، بينما يرى كينز بأن العرض لا يخلق الطلب الملائم له، وأن التخلص من حالات الركود الاقتصادي يكون عن طريق التدخل بالسوق لزيادة الإنفاق الحكومي وخفض الضرائب وذلك لتنشيط الطلب الكلي، وإلا فإن الاقتصاد سيكون عاجزًا عن تصحيح نفسه بنفسه.
ويشير نيكولاوس تشاونتيس، أحد مرشحي حزب سيريزا في أثينا، إلى أن التشريع الاقتصادي الجديد القائم على النظرية الكينزية جاهز للتطبيق، ويحدد تشاونتيس أولويات الإنفاق الحكومي بدعم المواد الغذائية والكهرباء بالنسبة للشرائح الفقيرة من الشعب، وزيادة مبالغ الإعانات التقاعدية بالنسبة للشريحة الأفقر من المتقاعدين، وزيادة الحد الأدنى للأجور وخفض الضرائب خاصة بالنسبة لذوي الدخل المنخفض.
منذ عام 2010 ترزح اليونان تحت عبء السياسات الاقتصادية التي تقرها اللجنة الثلاثية التي تقودها المفوضية الأوروبية مع البنك المركزي الأوروبي وصندوق النقد الدولي لحل أزمة منطقة اليورو والتي تسمى “الترويكا”، حيث تم تعيين أشخاص من التكنوقراط للإشراف على إدارة ديون اليونان التي بلغت 240 مليار يورو أي ما يعادل 280 مليار دولار، وتعمل الترويكا على تطبيق مذكرة تفاهم تحدد الواجبات الملقاة على كاهل اليونان للتخلص من الديون التي في ذمتها، وهذه المذكرة مفصّلة لدرجة أن أحد أقسامها يُلزم حكومة اليونان بمراجعة الإجراءات الجمركية لإدخال الخوخ المعلب وأربع منتجات أخرى، وبالطبع فإن هذه المذكرة هي التي وضعت خطة الإنقاذ التي تتضمن وضع سقف للإنفاق الحكومي وحد أدنى للإيرادات؛ مما أدى إلى تخفيض المعاشات والإعانات ولائحة الأجور العامة.
الأكاديمي جورج ستاثاكيس أستاذ الاقتصاد في جامعة كريت ونائب عن حزب سيريزا في انتخابات عام 2012 والمستشار الاقتصادي لزعيم الحزب أليكسيس تسيبراس، يشير إلى أن الأزمة الاقتصادية اليونانية يجب أن تنتهي، وأول رسالة سيوجهها الحزب لأوروبا هي “دعونا نتخلص من مذكرة التفاهم”، ويقول جون ميليوس اقتصادي آخر من حزب سيريزا “الحزب مستعد للموافقة على التخطيط لميزانية أخرى متوازنة”، ويضيف “من المستحيل لليونان أن تقوم بسداد ديونها في ظل الركود الاقتصادي الحالي”.
يقول لابافيتساس مرشح سيريزا عن مدينة ناوسا اليونانية “اليونان يعاني منذ 30 عامًا من التراجع الصناعي، وازداد هذا التراجع منذ انضمام اليونان إلى الاتحاد الأوروبي؛ إن فترة إنقاذ اليونان قد انتهت ويجب إيقافها بشكل أساسي”، لابافيتساس استغل مركزه الأكاديمي في لندن، لتحدي النهج الاقتصادي الذي تقوده ألمانيا في اليونان منذ عام 2010، حيث اشتهر بكتابة مقالات تدعو اليونان لترك منطقة اليورو، ولكنه يقول إنه يتقبل مؤيدي اليورو الموجودين داخل حزب سيريزا، ويضيف لابافيتساس بأن السياسات التقشفية في اليونان أدت إلى تراجع الإنتاج بشكل كبير، مشيرًا بذلك إلى الأساليب البدائية التي تعمل بها مصانع القطن في ناوسا والتي نجمت عن الوضع الاقتصادي المتردي للبلاد، ويروّج لابافيتساس لبرنامجه الانتخابي عن طريق وعد العمال بأن هناك تغييرات سياسية كبيرة قادمة، مؤكدًا على أنه من خلال الحزب سيسعى لرفع الحد الأدنى للأجور في اليونان، وإنهاء التقشف عن طريق إعادة التفاوض.
من جهته يشير شارالمبوس كوتسيدس مالك محل لتصنيع الفولاذ، بأنه سيصوّت لصالح حزب سيريزا في انتخابات اليوم الأحد، موضحًا بأن مبيعات الفولاذ لشركات البناء انخفضت بنسبة 80% في السنوات الخمس الماضية، وعدد العمال انخفض من 60 إلى 12 عاملاً، ويضيف “لا يمكنك مطالبة بلد انخفضت فيها القيمة بنسبة 80% بدفع ديونها”.
إن عجز اليونان عن سداد الديون في عام 2012 أدى إلى إسقاط معظم الديون المستحقة في ذمة الدولة لصالح مستثمري القطاع الخاص، وأغلب الديون المستحقة على اليونان حاليًا هي لصالح دول أخرى في منطقة اليورو، وهي ديون منتهية الصلاحية منذ عقود وذات أسعار فائدة منخفضة.
ولكن اليونان مدينة للبنك المركزي الأوروبي بسندات تبلغ 7 مليار يورو تستحق هذا الصيف، والمشكلة الأكبر هي أن اليونان ليس لديها ما يكفي من النقود لتسديد قيمة هذه السندات، ولكن في حال التزمت بسياسة الإنقاذ، يمكنها اقتراض المال من الدول الأوروبية الأخرى، هذا الموقف الذي يعقّب عليه الخبير اليوناني الاقتصادي يانيس فاروفاكيس بقوله “إنهم يعرفون أننا لا يمكننا أن نفي بهذا الدين، لذلك هم يسعون لإقراضنا المال، لن أكون جزءًا من الحكومة التي تقول نعم لهذه السياسة”.
في حال فاز حزب سيريزا وأصبح زعيمه تسيبراس رئيس الوزراء المُقبل لليونان، فإن الأخير يدرك تمامًا بأنه سيكون أمام خيارين بالغي الصعوبة؛ الأول يتمثل بإقناع ألمانيا بتغيير رأيها حول السياسة المالية في اليونان وهي مهمة شبه مستحيلة، والثاني هو التراجع عن الوعود التي تعهد بها الحزب للشعب، وهو ما سيُحدِث انقسامًا في صفوف الحزب.
من جهته قال لابافيتساس أمام تجمع حاشد في قاعة محاضرات ناوسا إن “أوروبا هي قارة الاختناق الاقتصادي، واليونان حاليًا هي في طليعة بلدان التراجع الاقتصادي؛ سنعمل على شطب ديون اليونان، وعلى الرغم من صعوبة المفاوضات، فنحن لن نتراجع”.
المصدر: وول ستريت جورنال