تُعد جماعات الضغط أو اللوبيات الآن من أهم وأكثر التكتلات البشرية التي تؤثر على سياسات المؤسسات والشركات بل وسياسات عامة لدول بأكملها؛ فبقوتها وانتشارها وتحكمها في الكثير من وسائل الضغط وعلاقاتها الوثيقة بالأشخاص البارزين في كل مجتمع وكبار رجال الدولة تعمل تلك المجموعات على الحفاظ على مصالحها وأهدافها والسعي إلى عدم المساس بكل ما يتعلق بالمحظورات التي تضعها كل مجموعة من المجموعات لنفسها استنادًا على الأيدلوجيات والأفكار الخاصة بها.
واللوبي “Lobby” كلمة إنجليزية تعني الرواق أو الردهة الأمامية في فندق، وتستخدم هذه الكلمة في السياسة على الجماعات أو المنظمات التي يحاول أعضاؤها التأثير على صناعة القرار في هيئة أو جهة معينة، وقد تبلور هذا المصطلح في الولايات المتحدة الأمريكية خلال عام 1830 عندما بدأت مجموعات المصالح تمارس الضغوط على الكونغرس وحكومات الولايات.
فاللوبي عبارة عن جماعة قانونية منظمة تدافع عن قضايا ومواقف ومصالح معينة، محددة لدى السلطات العامة في الدولة، يجمع بين أفرادها مصالح مشتركة وتنشط فى سبيل تحقيق هذه المصالح عن طريق الاتصال بمسؤولى الدولة ومؤسساتها ومحاولة إسماع صوتها مستخدمة كل ما تملك من وسائل متاحة وفى مقدمتها أسلوب الضغط، وتلعب اللوبيات دورًا محوريًا وهامًا في الحياة السياسية، حتى بات معروفًا بأن لوبيات الضغط القوية هي المُتخذ الحقيقي للقرارات وهي التي تصنع السياسة المُتبعة داخل الدولة وفي حالة وجود لوبي قوي من لوبيات الضغط في دولة معينة ينحصر دور سلطات تلك الدولة في إضفاء الصفة الرسمية على تلك السياسات والقرارات.
لوبيات الضغط والأحزاب السياسية
من ضمن الخصائص الأساسية لمجموعات الضغط هي أنها لا تعمل على الوصول للحكم ولا تسعى لأن تكون مُمثّلة في المناصب التنفيذية أو التشريعية في الدولة؛ فهي تسعى للتأثير على أصحاب السلطة لدفعهم للاستجابة لمطالب معينة سواء كانت اقتصادية او اجتماعية أو سياسية، ويكون ذلك بصورة غير مباشرة عبر وسائل مختلفة على رأسها إنشاء شبكة من العلاقات مع الحكوميين والبرلمانيين ورجال الدين والقانون والقضاء والباحثين والأكاديميين والسياسيين والإعلاميين والفنانيين وما نحوهم من أصحاب النفوذ، وتعتمد لوبيات الضغط في عملها على نوعين من الوسائل؛ الوسائل مباشرة عن طريق الاتصال بأصحاب القرار فى الدولة وبذل كل ما يمكن لاقناعهم بإصدار القرارات التى تخدم مصالحهم، ذلك بالإضافة إلى وسائل غير مباشرة مثل استخدام أسلوب الترغيب والترهيب عن طريق تعبئة الرأى العام لدفعه لحث أصحاب القرار على اتخاذ قرارات معينة تصب في مصلحته، فهي تسعى للتأثير في الدولة من جهة وعلى الدولة من جهة ثانية وفي الرأي العام من جهة ثالثة.
ويكون هدفها خلال ذلك هو أن تبقى وراء الكواليس أي أنه وعلى سبيل المثال، تعمل مجموعة الضغط من الخارج لإقرار أو إيقاف قانون معين في البرلمان دون أن يكون لها ممثلين داخله، ولهذا فإن الرصيد الحقيقي والمؤثر لأي لوبي من العلاقات ولاسيما في الاتجاهات المذكورة يعتبر أساسًا للتحرك والعمل والنجاح.
على العكس تمامًا يكون الحزب السياسي، فالأحزاب السياسية عبارة عن جماعة من الأفراد تربطهم مصالح ومبادئ مشتركة، في ظل إطار منظم لغرض الدخول في معترك السعي نحو السلطة والمشاركة فيها لتحقيق أهدافهم لخدمة للصالح العام ومن السيطرة على مقاليد الحكم في الدولة من خلال الوسائل الدستورية؛ لذلك فإن الحزب السياسي، وعلى عكس اللوبيات، يسعى لحفظ حصته سواء في الحكومة أو في السلطة التشريعية مما يعني أن اللوبيات هي من تؤثر وتضغط على الحزب السياسي ولا يمكن للحزب أن يضغط عليها.
لوبيات الضغط والديموقراطية
تعد لوبيات الضغط مكونًا أساسيًا من مكونات الخرائط السياسية في كل دولة، حيث إنها تلعب دورًا هامًا في الأنظمة السياسية المختلفة وتسعى للحفاظ على مصالحها بغض النظر عن طبيعة النظام السياسي المتبع في الدولة، ويظهر دور اللوبيات بشكل بارز في الدول التي تعتمد على النظام الديموقراطي الليبرالي كأساس للحكم.
ففي معظم الديمقراطيات الليبرالية، تميل الوبيات إلى استخدام البيروقراطية، وهي تطبيق القوانين بالقوة في المجتمعات المنظمة وذلك بالاعتماد على الإجراءات الموحدة وتوزيع المسؤوليات بطريقة هرمية، بصفتها قناة التواصل الرئيسية للتأثير، حيث يقع اللوبي في الأنظمة السياسية الديمقراطية هرميًا بين الحكومة والبرلمان ومؤسسات المجتمع المدني، وتحديدًا بعد الحكومة والبرلمان وقبل مؤسسات المجتمع والأحزاب فهو فوق مؤسسات المجتمع المدني والأحزاب تنظيميًا وتأثيرًا ودون الحكومة والبرلمان من ناحية الصفة الرسمية.
لذلك يلعب اللوبي دور الوسيط بين مؤسسات المجتمع المدني التي تمثل الشعب من جهة والحكومة والبرلمان من جهة أخرى، فحين ينعدم اللوبي أو يضعف يؤدي ذلك إلى ضعف في العلاقة والتفاعل بين المؤسسات الأهلية والحكومة والبرلمان، وتزداد الهوة بينهما وبالتالي تضعف العلاقة بين الشعب والحكومة والبرلمان، فالشعب بعد أن يختار ممثليه في البرلمان والحكومة عبرالانتخابات لا يتركهم يتصرفون وحدهم كما يرون وحتى الانتخابات القادمة، بل تتم متابعة أولئك والضغط عليهم عبر اللوبيّات المختلفة.
يعني ذلك أن عدم وجود لوبيات قوية يهدد مستقبل الديمقراطية ويقود إلى نشوء مراكز ضغط غير قانونية تفتقر إلى التنظيم والشفافية والتركيز، ويضعف أداء البرلمانيين والحكوميين، كما يبقي دور الأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني هامشيًا ويقود إلى ضعف في العلاقة والتفاعل بين الشعب والدولة بالمعنى الأعم.
غير أن وجود لوبيات قوية بشكل أكثر من اللازم يفرغ النظام الديموقراطي من فكرة أساسية يعتمد عليها ألا وهي الحرية في إبداء الرأي والتعبير وحرية الاختيار، فعلى سبيل المثال، وجود مثل تلك اللوبيات يجعل من عملية الاقتراع مجرد عملية لشرعنة العمليات التشريعية والتنفيذية في الدولة، فلتلك اللوبيات أصرح إعلامية ضخمة تؤثر في العملية الانتخابية بشكل كبير بل لديها من العلاقات داخل أجهزة الدولة ما يجعلها مسيطرة بشكل كبير على المسار السياسي والاقتصادي للدولة، وتبقى السياسات المفروضة من قبل اللوبيات ثابتة حتى وإن تغيرت الحكومات وتعاقبت؛ مما يطرح حينها سؤالًا عن جدوى الأنظمة الديموقراطية وفكرة تداول السلطة مادامت هناك حالة من حالات تقويض الدولة المفروضة من اللوبيات.
أنواع لوبيات الضغط
يعتمد تعريف نوعية لوبيات الضغط بشكل أساسي وكلي على أنشتطها، وهناك العديد من لوبيات الضغط في العالم سواء كانت لوبيات اجتماعية أو سياسية أو ثقافية إلا أن أنواع اللوبيات الأكثر وضوحًا تكون مثل منظمات مكافحة التشهير والتي تُصدِر ردودًا أو انتقادات على الازدراءات الحقيقية أو المزعومة من أي نوع، تتضمن الكلام أو العنف، الصادرة من فرد أو مجموعة ضد فئة معينة من الشعب أو معتقد من معتقداته.
كما تبرز لوبيات الضغط السياسي بشكل قوي، وهي عبارة عن لوبي لتغيير قانون أو الإبقاء على قانون معين، وتمول الشركات الكبرى جماعات ضغط سياسي مهمة للغاية ومؤثرة على المشرعين؛ مثلاً في الولايات المتحدة الأمريكية، فقد ظهرت لوبيات الضغط السياسي لأول مرة، فبعد أن وجدت بعض المؤسسات الاقتصادية والمجموعات ذات المصالح نفسها بعيدة عن التأثير عبر آلية اتخاذ القرار السياسي في الكونغرس الأمريكي، ظهرت لوبيات تمثل مصالحها من أجل إيجاد مواقع لها قريبة من المشرّعين في واشنطن، بقصد ممارسة نوع من الضغوط والإغراءات للدفاع عن مصالحهم حتى تكون القوانين التشريعية التي يضعها الكونغرس متلائمة مع تلك المصالح، وتمتلك بعض جماعات الضغط السياسي موارد مالية ضخمة تحت تصرفها، وكثرت بعدها اللوبيات السياسية داخل أمريكا والتي يعد من أهمها “اللوبي اليهودي” والذي يتكون مما يقارب 34 منظمة يهودية سياسية في الولايات المتحدة تقوم بجهود منفردة ومشتركة من أجل مصالحها في الولايات المتحدة ومصالح دولة إسرائيل.
لكن كل تلك اللوبيات تعتبر أوهن من بيت العنكبوت إذا ما قورنت بلوبيات السلاح ولوبيات المال فمثلًا، تُعد شركات السلاح الأمريكية أهم لوبي في الولايات المتحدة، ويعدهم المراقبون صانعي القرار الحقيقيين، فهم القوى الخفية التي تدير وتنتج برامج ومخططات الحرب للحزب الحاكم في أمريكا ما بعد الحرب الباردة، وبات جليًا أن المتضرر من المشروع الإمبراطوري الذي تعمل له الإدارة الأميركية لم يعد يقتصر على العالم العربي والعالم الثالث، بل أصبح الضرر يشمل دول العالم الصناعي المتقدم في أوروبا وأسيا، وتفيد الدراسات التي أُجريت في العقد الأخير من الزمان أن الحرب الباردة التي أنتجت سباق التسلح لم تنته إلا سياسيًا، إذ إن مصانع السلاح لم تتوقف سواء في الولايات المتحدة أو في دول حلفائها مثلما بقيت مستمرة في الكيان الصهيوني.
أما لوبيات المال فهي تمارس نشاطها في الميدان الداخلي وتتسم نشاطاتها بأنها غير وطنية، أي أنها لا ترتبط ببلد أو وطن بل ترتبط تلك اللوبيات بوجود الشركات العابرة للقارات متعددة الجنسيات التي هي شركات عملاقة ورأس مالها ومركزها الأساسي داخل الدول الكبرى مثل أمريكا واليابان، ولا يقتصر عمل لوبيات المال في ممارسة الضغط على متخذي القرار داخل بلدانها ولكنها تمتد بأيديها بقوة نحو البلدان التي تمارس فيها استثماراتها، وهنا تظهر بعض الممارسات المرتبطة بالرشوة واستغلال النفوذ والإغراءات.
قلاع اقتصادية
بالنظر إلى اللوبيات المالية نجد أن تلك اللوبيات تُعَد قلاع اقتصادية عالمية قد تجاوزت بقوتها الاقتصادية قوة دول مجتمعة، ويرى الدكتور عبد الغني عماد، وهو أستاذ في الجامعة اللبنانية، أن هناك “مؤسسات ضخمة تعنى بالفكر الإستراتيجي، وبتحويله إلى خطط وخرائط وبرامج وأولويات يطلق عليها Think Tanks، وهذه التسمية التي تمزج الفكر بفلسفة القوة لم تأتِ مصادفة، فهي تعبر عن التحالف بين الفكر والسلاح في الولايات المتحدة، وهذه المؤسسات الإستراتيجية وبيوت الخبرة السياسية تمثل قوة ضاغطة وفاعلة تعمل بنشاط قل مثيله في العالم، وهي تتموّل وتتمتع بميزانيات ضخمة من كبريات الشركات الأمريكية المعولمة”.
ويشير إلى أن “هذه الشركات العملاقة الممولة يقارب إنتاجها ما يساوي 25 في المئة من الإنتاج العالمي”، يذكر على سبيل المثال أن خمسة منها “جنرال موتورز” و”وال مارت” و”إكسون موبيل” و”فورد” و”ديملركرايسلر” يتجاوز ناتجها القومي 182 دولة في العالم، بل إن شركة “إكسون” يفوق دخلها دول “الأوبك” مجتمعة، وشركة “جنرال موتورز” يساوي دخلها دخل الدانمارك، وشركة “بكتيل” للمقاولات، يساوي دخلها إسبانيا، وشركة “شل” يساوي دخلها فنزويلا، وأن هذه الشركات وغيرها هي طليعة القوى الصانعة للعولمة، وهي الأسخى تبرعًا وتمويلاً لمرشحي الرئاسة الأمريكية ولمراكز الأبحاث وبيوت الخبرة السياسية والإستراتيجية مثل مؤسسة التراث (أُنشِئت منذ 30 سنة) ومركز مانهاتن للدراسات (أُنشِئ من 25 سنة) ومؤسسة المشروع الأمريكي (أُنشِئ منذ 60 سنة).
خلق حروب من نوعيات جديدة
بدأ العالم مرحلة جديدة من نوعها، يواجه فيها الصنف البشري حروبًا جديدة من نوع خاص، خلقت تلك الحروب داخل أنابيب الاختبار في المعامل التي كانت تعمل على تطوير فيروسات تفتك الآن بحياة الإنسان وتضعه أمام حرب بيولوجية لا يستطيع مقاومتها.
فعلى سبيل المثال نجد فيروس “السيدا” (الإيدز) والذي بدأ كفيروس في القردة في غرب أفريقيا ثم تحول إلى فيروس قاتل مع تدخل علمي معملي أخرجه عن نطاق التحكم ليتحول إلى واحد من أشد أمراض العصر فتكًا، كذلك فيروس “الإيبولا” التي تشير بعض التقارير إلى أن لوبيات صناعة الدواء والسلاح في العالم تعمل على تسخير وسائل الإعلام لتهويل الوضع وترويع العالم من الفيروس المميت لترويج اللقاحات المضادة له وهو السيناريو الأقرب للواقع، حيث يجري في مخابر غربية صناعة فيروسات متطورة وراثيًا.
وأشارت بعض الأبحاث والدراسات إلى أن إنتاج فيروسات مميتة في مخابر غربية ونشرها ليس محض خيال بل تعود حقيقة جذورها إلى سنة 1763، عندما أرسل السير جيفري أمهرست، قائد الحملة الإنجليزية إلى الهنود الحمر، مناديل وأغطية لمرضى مصابين بالجدري، فكانت النتيجة انتشار هذا المرض بين جميع السكّان الأصليين لأمريكا قبل قدوم الإنجليز، كما أكدت التقارير والأبحاث العلمية أن العالم يشهد أعمالًا سرّية لتطوير الأسلحة البيولوجية الفتّاكة في تحالف بين لوبيات صنّاع السلاح والدواء.
هذا المقال هو الأول من ضمن ملف “جماعات الضغط” على نون بوست