إذا بحثت عنهم وأنت في طريق صحراوي، ويعترضك بعض البلطجية يطلبون أموالك، لن تجدهم، إذا اقتحم بيتك أحد اللصوص واتصلت عليهم لتستنجد بهم، سيغلقون في وجهك الخط، جرب أن تتصل بهم لتبلغ عن حادث به عشرات القتلى، ربما يستهزأون بك ويطيلون معك الحديث، ويحضرون بعد عدة ساعات، أو قد لا يجيئون من الأساس.
بدلا من ذلك: أبلغهم بأن هناك مسيرة مكونة من أطفال إحدى المدارس الابتدائية يرفعون شارة رابعة في وسط الطريق، ستجد وزارة الداخلية بمدرعاتها ومصفحاتها وكلابها وضباطها بعد عشرة ثواني أمام البيت .. هكذا هي الشرطة في مصر.
حينما سألوا مدير أمن أسوان اللواء حسن عبد الحي عن سبب تقاعص الأمن في حماية الأهالي بعد نشوب صراعًا دمويًا بين عائلتين في قرية “الرقبة” غرب مركز “دراو” بوسط أسوان، بعد وقوع اشتباكات مسلحة ومعارك بالأسلحة النارية والثقيلة بمدينة “دراو” ما تسببت في مقتل 4 أشخاص وإصابة 18 آخرين، واستمرت المعركة يومين كاملين، كان رد مدير الأمن، لقد كانت المعركة مسلحة، ومن الطبيعي أن يخشى الضباط على حياتهم.
واقتصر دور الأمن حينها على تطويق المنطقة، ثم السعي لإقامة صلح بين العائلتين.
لن تجد ضابط الشرطة المصرية أسدًا هصورًا، إلا حينما تكون المعركة مع متظاهرين عُزّل في الشوارع، أو مع فتيات جامعيات يهتفن داخل اسوار الجامعة، ولن يثبت لك ذكوريته سوى باغتصابه الفتيات اللاتي يخطفهن داخل المدرعة.
تدّعي وزارة الداخلية في مصر أن مهمتها هي الحفاظ على الأمن والنظام، ولكن حينما تسير في شوارع مصر، وتتعرض للسرقة بالإكراه في وضح النهار، وداخل إحدى حافلات النقل العام، ستعرف وقتها أنه لا يوجد في مصر أمن، فقط نظام .. نظام مستبد وشرطة تحميه.
في أثناء تولية اللواء “حبيب العادلي” وزيرًا للداخلية، تغير شعار الشرطة من”الشرطة في خدمة الشعب” إلى “الشرطة والشعب في خدمة الوطن”، لا يُمانع الشعب المصري في أن يخدم وطنه ودولته، بل ويسعى لمساعدة الشرطة في تلك المهمة، ولكن أحدًا لا يشير له على الدولة، أين هي؟!
يبحث المواطن المصري عن دولة يدفع لها الضرائب منذ ولادته، من أول طابع يضعه فوق شهادة الميلاد، إلى دمغات يدفعها لاستخراج شهادة الوفاة.
حين يريد عملاً يقتات منه، لا يجد أمامه سوى القطاع الخاص، حيث عمل بلا كرامة ولا حقوق ولا ضمانات، يسعى لامتلاك منزل يأويه، فيذهب بعيدًا خارج الوطن ويقضي عمره بأكمله، فقط ليوفر الثمن اللازم لسقف يحمي شيخوخته، تُقطَع عنه الكهرباء فيشتري مولدًا كهربائيًا، ويشتري له الوقود، كي لا يعيش في الظلام، يريد شربة ماء، فيشتري موتورًا كي تصل المياه لمواسير منزله، ثم فلترًا لتنقيتها كي تصبح صالحة للاستهلاك الآدمي، يمرض فيذهب لطبيب في شقة مستأجرة تحت اسم عيادة، حيث لا يوجد تأمين ولا مستشفيات، يريد أن يعلم أولاده، فيذهب بهم لمدارس خاصة، أو يحضر لهم المدرسين داخل البيت، يتمنى العيش في شارع نظيف، فيشترك مع أبناء الحي في استئجار سيارة تلقي لهم بالقمامة بعيدًا، تُسرَق سيارته من أمام المنزل، فيدفع فدية لبلطجية الحي كي يعيدوها إليه.
يتساءل المصري عن الدولة فلا يجدها إلا حينما تطالبه بدفع فواتير الكهرباء المقطوعة والمياه الملوثة والشحيحة، وضرائب الطرقات المحطمة والشوارع القذرة، والمدارس المهترئة، والمستشفيات التي لا تختلف كثيرًا عن المراحيض العامة، أو حينما يخرج إلى الشوارع مطالبًا بحقه في العيش كآدمي، حينها سيجد ضابطًا يقبض راتبه من الضرائب التي يدفعها هو للدولة، ويُمسِك في يده سلاحًا، قد دفع المواطن ثمنه للدولة، يصوب على رأسه ورقبته كي يرديه قتيلاً.
هي دولة الظلم والفساد والاستبداد التي أقامها العسكر بقيادة عبد الناصر في خمسينات القرن الماضي، وخرج المصريون في يناير 2011 لتغييرها، ثم أعادها العبيد والنظام المتجذر ثانية في يوليو 2013.
وها هم اليوم قد خرجوا في الذكرى الرابعة لثورة يناير، يبحثون مجددًا عن دولة يحلمون بها، وقد كتبوا بدمائهم فوق شوارع القاهرة وميدان المطرية وكافة محافظات مصر، أنهم لن يعودوا إلا بعد سقوط دولة الفساد العفنة، والقصاص من القتلة والفسدة، وبناء دولتهم الجديدة.
ومن يداوم طرق الباب .. يوشك أن يُفتَح له.