المكالمة الهاتفية الأخيرة بين الرئيس الأميركي باراك أوباما ورئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو لم تعرض على الملأ، وهنا سنحاول مقاربة ما قد حدث في هذه المكالمة حسب تقدير المحلل السياسي البارز لقناة الجزيرة مروان بشارة.
نتنياهو: شالوم شالوم، ما هذه المفاجأة اللطيفة، كيف الأحوال؟
أوباما: سيادة رئيس الوزراء، دعنا نتخطى المجاملات، أنا لست ممتناً لمحاولاتك المستمرة لتقويض سلطتي أمام الكونغرس، وخاصة في هذه الأوقات وحول الملف الإيراني بالذات.
نتنياهو: لم أفعل شيئاً من هذا القبيل، أنا فقط قبلت دعوة رئيس المجلس جون بوينر للتحدث مع مجلس الشيوخ ومجلس النواب في الكونغرس، هل من المعقول أن أرفض؟ سبق لي وأن توجهت بخطاب مماثل في عامي 1996 و 2011، وسأحظى بشرف القيام بذلك مرة أخرى.
أوباما: لا يا “بيبي”، لا تفعل هذا، لا تستهن بذكائي، أنا أعرف كيف قام سفيركم بالاتفاق على الخطاب مع قادة الحزب الجمهوري في الكونغرس، أنت تحاول أن تضعف مكانتي منذ البداية، ناهيك عن قيامك بدعم رومني في مواجهتي، ليس من الأخلاقي أن تلتف خلف ظهر رئيس الولايات المتحدة الأمريكية وتقحم نفسك في نقاش داخلي أمريكي ما بين البيت الأبيض والكونغرس حول موضوع متعلق بالسياسة الخارجية للولايات المتحدة.
نتنياهو: عفواً سيادة الرئيس، ولكن برنامج إيران النووي لا يعتبر شيئاً محلياً أو حصرياً بالسياسة الأمريكية، تعلمون جيداً أننا نشاطركم القلق حول هذه القضية، وأنتم لم تطلعونا على أي تفاصيل منذ بدء المفاوضات مع آية الله، تصوّر شعورنا ونحن نراقب وزير الخارجية الأمريكي كيري وهو يمازح وزير الخارجية الإيراني ويذهب في نزهة معه؟
أوباما: لم أتصل بك لأناقش حس الفكاهة لدى جون، إدارتي كانت واضحة وأبقتكم على اطلاع حول التقدمات في المفاوضات، ولقد أوضحت مراراً وتكراراً أن جميع الخيارات مطروحة على الطاولة، وأنني لن أسمح لإيران بتطوير برنامج أسلحة نووية.
نتنياهو: حقاً، وقلت أيضاً إن استخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا هو خط أحمر، وإن منظمة التحرير الفلسطينية ستعاقب إذا سلكت طريق الاعتراف بالدولة أمام الأمم المتحدة.
أوباما: هل تعي ما تقوله؟ ألم أقم بنزع الأسلحة الكيميائية من النظام السوري، ألم أحبط محاولة الفلسطينيين في مجلس الأمن حتى بدون استخدام حق الفيتو؟ هل هذه الطريقة التي تشكرني بها، هكذا ترد الجميل لأمريكا؟
نتنياهو: باراك..دعنا نتخطى العواطف، نحن بالطبع نقدر دعمكم، ولكنك لست زعيماً حاسماً يفي بتهديداته.
أوباما: حسناً، هذا تحذير لك: إذا تابعت سلوكك لتقويض سلطتي بخصوص الملف الإيراني، سوف تدفع ثمناً باهظاً.
نتنياهو: ها قد عدت إلى هذا ثانية، لم أقم بشيء جديد يستحق كل هذا الحنق منك، لا شيء جديد هنا، لقد قلت هذا لمرات كثيرة في الكثير من المناسبات والخطابات، حكومتي تعتقد أن ردع إيران يتم بالعصا وليس بالجزر، والتهديد باستخدام القوة هو الذي سيوقف إيران وليس الاسترضاء الدبلوماسي، دعنا نتفق على أننا مختلفين هنا.
أوباما: حسناً، إدارتي تفكر بطريقة مختلفة، وإذا أردنا أن نتفق على أن نختلف، فيجب عليك أن تبتعد عن سياسة واشنطن، تماماً كما تبتعد واشنطن عن سياستكم.
نتنياهو: هذا ليس عدلاً سيادة الرئيس، من السهل أن تنظّر عندما تكون بعيداً عن ساحة الحدث؛ منطقتنا عدائية وخطرة والمتطرفون هنا يتجولون في كل مكان.
أوباما: دعك من هذا، أنت تتحدث وكأن إسرائيل لا تمتلك أسلحة نووية ولا يمكنها الدفاع عن نفسها، إن احتلالكم ومستوطناتكم وتقويضكم المستمر لعملية السلام تجعل الأمور أسوأ لبلدينا.
نتنياهو: لا، نحن لم نعد نستطيع أن ننتشر بشكل أكبر في الضفة الغربية، خاصة في ظل التطرف المتصاعد والمنطقة الآيلة للانهيار، نحن لن نسمح لعباس بإقامة دولة تحكم فيها حماس، هذا لن يحدث.
أوباما: لقد قلت لك مرات عديدة، أن دولة فلسطينية منزوعة السلاح هي دولة جيدة لإسرائيل، ولكن كما قلتَ سابقاً، نحن متفقين على أن نختلف حول هذا الموضوع، وعلى الرغم من الضغوط العربية والأوروبية المستمرة، لم أحاول التأثير على السياسة الإسرائيلية أو عمليات اتخاذ القرار، لا بل كنت أدافع عنكم في كل مكان حتى عندما كنت مقتنعاً بأنكم على خطأ.
نتنياهو: نحن لا ندعو القدس ويهودا والسامرة بأنها مدن محتلة، ومع ذلك، فإننا نقدر دعمكم.
أوباما: سبق لنا وأن اتفقنا على تقسيم المهام، لإسرائيل الكلمة الأخيرة في فلسطين، ولكن الولايات المتحدة لها الكلمة الأخيرة في المنطقة بشكل عام وفي القضية الإيرانية بشكل خاص، لأنكم كدولة ليس لديكم القدرة أو الشرعية أو النفوذ للتعامل مع القضايا الكبيرة الملتهبة في الشرق الأوسط، لذلك يجب تتركوا الأمر لنا، وكفوا عن التدخل في واشنطن، وتوقفوا عن استفزاز إيران وحزب الله، الضربات الجوية لقتل قياديين في سوريا قد تبدو فكرة جيدة، ولكنها في الحقيقة لها نتائج عكسية، فالعدو الرئيسي هو تنظيم الدولة الإسلامية.
نتنياهو: هل سمعت نفسك، حزب الله قوة القدس داعش حماس، هذه كلها منظمات إسلامية إرهابية، ونحن لا نفرق بينها.
أوباما: بنيامين، أنت لست في لقاء على قناة CNN، أنت وأنا نعلم بأن حماس لا تشبه داعش إطلاقاً، كما أن سياستكم الرامية لاستمرار نزع الشرعية من عباس هي ما يعزز حماس، إسرائيل لها كل الحق في الدفاع عن نفسها، ولكن المستوطنات غير قانونية، وهي تضر بفلسطين وبالدولة اليهودية.
نتنياهو: اسمح لي سيادة الرئيس، أنت مازلت جديداً في هذه المنطقة، سلفك وثقوا بوجهات النظر الإسرائيلية منذ فترة طويلة، لقد كنا عيون وآذان أميركا في هذه المنطقة المعقدة والعدائية، قاتلنا وهزمنا أعداء أمريكا المدعومين من السوفيت عندما كنتم في حربكم الخاسرة في فيتنام، تشاركنا الدروس والمعلومات الاستخباراتية حول تصنيع الأسلحة السوفيتية أثناء الحرب الباردة، نحن قمنا بعملكم القذر، ليس فقط في الشرق الأوسط، ولكن أيضاً في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، إسرائيل هي عون وليست عبء، سيادة الرئيس، عاملونا كصديق.
أوباما: هذا كان في الماضي، أما الآن فنحن بالحاضر، وفي حال كنت قد نسيت، أمريكا هي التي سلحتكم وجعلتكم أقوى دولة في المنطقة، حتى استطعتم الوقوف في وجه أي مجموعة من الأعداء، زودناكم بمساعدات مالية وعسكرية تزيد قيمتها عن 150 مليار دولار، وقمنا باستثماركم، أمريكا حمتكم في الأمم المتحدة، لا بل تسرتنا على جميع تجاوزاتكم وانتهاكاتكم، ولكن الآن الحرب الباردة قد انتهت، وجميع الدول العربية والإسلامية سعداء بالعمل معنا أو لصالحنا، وإنهم على استعداد للاعتراف بإسرائيل في حل ارتضيتم بحل الدولتين بحسن نية، وانسحبتم من الأراضي العربي المحتلة أراضي، وهذا إن حدث سيعود بفوائد كبيرة عليكم وعلى الولايات المتحدة.
نتنياهو: الحرب الباردة قد تكون انتهت، ولكن حالياً يجري التحضير لشن حرب عالمية أخرى ضدكم وضدنا، سيادة الرئيس، الإسلاميين والمتطرفين لا يكرهونكم بسببنا، بل يكرهونا لأننا امتداد لكم، نحن بحاجة للاتحاد لمواجهة هذه الأيديولوجية القاتلة، المطبقة من قبل السنة أو الشيعة، أو كلاهما، لا يمكننا التراخي مع إيران أو حلفائها بسبب داعش.
أوباما: هذه هي المشكلة في وجهات نظركم، إن قربكم من مناطق الصراع منعتكم من رؤية الصورة الكبيرة، أنتم دولة صغيرة تعمل ضمن منظور آني، وترى المنطقة باللونين الأبيض أو الأسود، أما أنا فأراها بتدرجات اللون الرمادي، الرؤساء الذين سبقوني عاشوا في ذات عقليتكم وعالجوا جميع تحدياتهم مثل المطرقة والمسمار، وانظر أين أودتنا هذه السياسة، بالنسبة لي فإني أحاول أن أوفق بين العديد من القضايا، وأبني تحالفات مختلفة على جبهات متعددة لمواجهة التهديدات الإقليمية والعالمية، وأنت لا تساعدني على ذلك.
نتنياهو: حسناً، ولكن بما أنك زعيم ديمقراطي، لماذا لا تدع الشعب يقرر ما هي السياسة الصحيحة الواجب اتباعها مع إيران؟
أوباما: شعب الولايات المتحدة أبدى قراره عندما انتخبني رئيساً للولايات المتحدة ورئيساً للأركان للمرة الثانية، والشعب يعرف جيداً موقفي من إيران والدبلوماسية التي أتبعها، إن شعب الولايات المتحدة لا يحتاج إلى خطاب آخر منك لكي يقرر.
نتنياهو: إذا لماذا أنت قلق جداً ؟
أوباما: أنا لست قلقاً. أنا منزعج، لقد أثرت حفيظتي، لقد سبق لي وصرحت أمام الكونغرس بأني سأعترض على أي قرار يُتخذ لفرض مزيد من العقوبات على إيران، ولا تنس، ليس لدي انتخابات أخرى للفوز بها، ولن أخضع للابتزاز من قبل اللوبي الإسرائيلي، وبالمناسبة، هيلاري أيضاً لن تخضع للضغوطات كونها صرحت أن فرض مزيد من العقوبات على إيران ستكون له نتائج عكسية.
نتنياهو: حسناً، فلننتظر ونرى ماذا سيحدث .
أوباما: سنفعل، ولكن في ذات الوقت، أنا باراك أوباما رئيس الولايات المتحدة الأمريكية أقول لك بأن تتراجع.
نتنياهو: عُلم .
أوباما: ولن أراك قريباً .
المصدر : الجزيرة الانجليزية