ترجمة وتحرير نون بوست من الألمانية
فوز حزب “سيريزا” كان صادما للعاصمة الأوروبية بروكسيل، حيث بات الجميع يرجون أن يكون رئيس الحكومة المرتقب “تسيبراس” مستعدا لتقديم التنازلات اللازمة ويخشون أن تتراجع حكومته عن الإصلاحات الاقتصادية التقشفية المتفق عليها مع الحكومة السابقة، كما يخشون أن يؤدي صعود حزب سيريزا اليساري إلى عودة قوية لليسار في باقي الدول الأوروبية.
فالحركة الاحتجاجية الاسبانية “بوديموس” القريبة في توجهاتها من حزب سيريزا دعت أنصارها للتجمع مساء الأحد بالتزامن مع إعلان النتائجـ واحتفلت بنتائج فوز حزب سيريزا الذي يطالب – مثل حركة بوديموس- بإنهاء سياسة التقشف القاسية التي يعتمدها الاتحاد الأوروبي.
ويتخوّف المسؤولون الرسميون في بروكسل كثيرا من مثل هذه التأثيرات السياسية الناتجة عن تقليد الحركات الأوروبية لبعضها البعض، وعبر أحد الموظفين السّامين في الاتحاد الأوروبي عن قلقه قائلا: “لو استطاع “سيريزا” فعلا فرض التراجع عن سياسة الإصلاحات وسياسة التقشف فإنه سيُعطي دفعا لقيام حركات تنادي بنفس المطالب في إسبانيا وإيطاليا وفرنسا”.
وأما عن موقف بروكسيل التفاوضي مع “سيريزا” فهو ليس موقف نزاع؛ فعندما يلتزم زعيم الحزب “ألكسيس تسيبراس” بوعوده الانتخابية ويدير ظهره للإصلاحات فإن المفوضية الأوروبية لن تستطيع مواجهته بالشيء الكثير، إذ أن الميزانية اليونانية الحالية – بدون مدفوعات الفائدة – تشهد قليلا من الفائض يسمح للدولة بتمويل ذاتها بنفسها ولو مؤقتا.
و تجدر الاشارة إلى أن “تسيبراس” لا يريد الخروج من منظومة العملة الموحّدة ( الأورو)، ولكنه يريد فرض تخفيف الديون لدى الدائنين الدوليين، وفي صورة عدم التوصل إلى اتفاق مع المؤسّسات المالية الأوروبية فإن اليونان ستجد نفسها في أقصى الحالات مجبرة على الخروج من منطقة اليورو.
الكثير من رؤساء حكومات دول الاتحاد الأوروبي لا يتمنون ذلك، ومنهم أنجيلا ميركل، ففي صورة خروج اليونان ستجد “المسيحية الديمقراطية” نفسها مضطرة لتبيّن لدافعي الضرائب من الألمان بأن ما قيمته 53 مليارا من القروض التي هي في ضمانة ألمانيا ذهبت ولو جزئيا بدون رجعة.
وتبعا لذلك تراجعت ليلة الانتخابات التحذيرات الموجهة إلى “تسيبراس” والتي تطلب منه أن يكون مستعدا للتنازل، وقد قال رئيس كتلة حزب الشعب الأوروبي في البرلمان الأوروبي “مانفريد فابر”: “إن الأوروبيون ليسوا مستعدين لأن يدفعوا من أموالهم من أجل وعود فارغة، أوروبا ستكون دائما سندا لليونان طالما التزمت هذه الأخيرة بالمعاهدات والاتفاقات المبرمة”.
وأضاف “هاربيرت رويل” صديق “فابر” في نفس الحزب قائلا: “مزيد الإلغاء من الديون اليونانية لا يمكن أن يحدث ولن يخفف عن الميزانية، إلغاء الديون الأوروبية يبدأ في سنة 2020 والفوائد في مستوى أدنى وآجال الاستحقاق طويلة جدا، وعلى اليونان أن تواصل في سياسة الإصلاحات إذا أرادت ان لا تخرج من منطقة اليورو، وسيرى السيد “تسيبراس” ذلك حتما”.
ويذكر أن بروكسيل نبّهت آثينا مرات عديدة إلى ضرورة الالتزام بالاتفاقيات، كما أكد “يوروم دايشوبلوم” رئيس مجموعة وزراء المالية الأوروبيين ل”شبيغل-اونلاين” يوم الجمعة قبل الانتخابات أن: “البحث عن قروض دون الرغبة في تلبية أي شرط لا يُجدي”.
و يرى الديمقراطيون الاجتماعيون والخضر في أوروبا أن بإمكانهم التفاوض مع “تسيبراس” حول إلغاء بعض الديون، حيث قال “أودو بولمان” رئيس النواب الديمقراطيين-الاجتماعيين في البرلمان الأوروبي أن: “على أصحاب القرار والمفوّضية والدول الأعضاء احترام إرادة الشعب اليوناني في الانتخابات، وهذا الكلام مُوجه كذلك إلى بعض أعضاء الحكومة الألمانية من الحزب المسيحي الديمقراطي والحزب الاجتماعي المسيحي والذين لازالوا يقدمون نصائحا تهديدية”.
أما في ما يخص الديون، يمكن اعتماد إلغاء “ملطّف” للديون يتم فيه تكييف دفع القروض حسب الحاجة، ومثل هذا الحل يمكن ل”سيبراس” أن يروّج له في بلده كنجاح. ولكن هل هو مستعد لذلك؟ من المؤكد أن هذا اليوناني اجتهد في الأشهر الأخيرة في ربط علاقات بالعواصم الأوروبية وقد أبدى بحسب معلومات أولية من بروكسيل استعداده للقيام بتنازلات، ولكن رغم ذلك يعتبره بعض المراقبون شخصا يعمل على الإقناع بعودة قوية لليسار في أوروبا.
وقال “فابيو دي ماسني” النائب اليساري في البرلمان الأوروبي بنبرة سعيدة: “اليونانيون صوتوا ضد الكآبة والرشوة وضد السيدة ميركل”. وتعيش المستشارة الألمانية أسبوعا عصيبا، فبعد إعلان رئيس البرلمان الأوروبي “ماريو دراغي” – على عكس رغبة الألمان- نيته القيام بشراء سندات بقيمة كبيرة، جاء صعود سيريزا ليكون بمثابة النكسة بالنسبة للألمان.
وقد حاول حزب “البديل لألمانيا” المناهض للسياسة الأوروبية أن يستغل هذه الفرصة سياسيا لصالحه، وظهر ذلك من خلال تصريح ممثلته في البرلمان الاوروبي “باتريكس فان شتروخ” مساء الانتخابات اليونانية التي قالت: “المستشارة ميركل ووزير المالية “شايبلو” ورئيس المفوضية الأوروبية “يونكار”، كلهم عليهم الاعتراف بفشل سياسة الإنقاذ وعليهم أن يتحملوا مسؤولياتهم وأن يستقيلوا”.
المصدر: شبيغل