بينما احتفلت اليونان، أمس، بفوز حزب سيريزا اليساري المعادي للتقشّف بالانتخابات العامة، وتنصيب زعيم الحزب أليكسيس تسيبراس رئيسًا للوزراء في غضون ساعات من إعلان النتيجة، اتجهت الأنظر إلى برلين، وإلى فرانكفورت أيضًا حيث مقر البنك المركزي الأوربي، لمعرفة الأجواء هناك، حيث تُعَد تلك النتائج بجلاء أخبارًا سيئة للسياسات الألمانية في التعامل مع أزمة اليورو، والتي ضربت دول الجنوب الأوروبي أكثر من غيرها.
بيد أن القليلين هم من اتجهت أنظارهم جنوبًا، ناحية إسرائيل، حيث تُعتبر تلك الانتخابات أيضًا أخبارًا سيئة في تل أبيب، بالنظر للسنوات القليلة الماضية، والتي شهدت تعميقًا للعلاقات بين البلدين في مجالات الدفاع والاقتصاد، لاسيما واليونان – التي ازداد موقفها ضعفًا في الملف القبرصي بمواجهة تركيا نظرًا لتراجع اقتصادها وكذلك نظرًا لتنامي قوة الوجود التركي بالمنطقة – قد وجدت في إسرائيل سندًا كبيرًا في ملفات عدة، خاصة والأخيرة قد شهدت توترًا في علاقاتها بتركيا على مدار السنوات القليلة الماضية.
قد يكون ذلك التوجه اليوناني الآن على موعد مع المراجعة، على أقل تقدير، حيث تُعَد مواقف حزب سيريزا من القضية الفلسطينية قريبة من الفلسطينيين وحقوقهم بشكل واضح، في حين يمثل حزب اليونانيين المستقلين الذي تحالف معه سيريزا تيارًا يمينيًا قوميًا معاديًا لليهود، وقد صرّح رئيسه مؤخرًا في إشارة عنصرية بأن اليهود لا يدفعون الضرائب في اليونان.
بالإضافة إلى ذلك، هناك حزب الفجر الذهبي ذو النزعات النازية والذي حل ثالثًا في البرلمان، وهو حزب معادِ لليهود بشكل كبير، ويطالب بعض المحللين الأوربيين بحظره، بل ويواجه بعض أعضائه بالفعل محاكمات وأحكام بالسجن، وكل هذا في بلد يعتبره المحللون الأكثر معاداة لليهود في أوروبا كلها.
***
يتضمن برنامج حزب سيريزا بوضوح تبني سياسة خارجية تدعم إنشاء دولة فلسطينية على حدود عام 1967، وتلغي التعاون العسكري بين اليونان وإسرائيل، وتعود إلى السياسة اليونانية الموالية للفلسطين، والتي عُرِفَت بها اليونان على مدار سنوات، خاصة حين كانت تركيا قبل أردوغان أحد أهم حلفاء إسرائيل في المنطقة.
باستمرار، ترتفع أصوات أعضاء حزب سيريزا، والمقربين من تسيبراس بوجه “الصهاينة” وإسرائيل، لاسيما الصيف الماضي أثناء الهجوم على غزة، فقد ظهر تسيبراس حينها في تظاهرة مساندة للشعب الفلسطيني وقال إن الهجوم الإسرائيلي إجرامي ويجب أن يتوقف، وأن العالم يجب أن يبذل قصارى جهده ليحقق ذلك.
“قتل الأطفال في فلسطين أمر غير مقبول، ويجب علينا أن ننسق جهودنا لتحقيق السلام، وإعلاء صوت التضامن مع الشعب الفلسطيني، حين يُقتَل المدنيون على شواطئ المتوسط في غزة، وهو نفس المتوسط الذي نطل عليه من الناحية الأخرى، فقد يكون الدور علينا نحن غدًا، لذلك لا يمكننا أن نقف ونشاهد”، هكذا قال تسيبراس منذ أقل من عام احتجاجًا على عملية الجرف الصامد التي تمت في غزة.
من ناحية أخرى، كان نيكوس كونستاندوبولس، رئيس سيريزا السابق، قد عرض خدماته كمحامِ للدفاع عن كل العرب الذين تواجههم تُهَم بالإرهاب وأحكام قضائية في اليونان، في حين شارك ثيودوريس دريستاس، أحد أعضاء البرلمان عن حزب سيريزا، في واحدة من المراكب المتجهة لغزة لكسر الحصار عنها في السابق.
ما إذا كانت تلك المواقف ستتغير بدخول السلطة، وما إذا كانت الملف الأوروبي سيهيمن في حين تبقى مواقف اليونان الأخرى على ما هي عليه، هو أمر ستكشف عنه الأيام، ولكن المؤكد أن العلاقات بين اليونان وإسرائيل ستشهد تراجعًا على أقل تقدير عن الحميمية التي شهدتها على مدار السنوات الماضية، وأنه إذا وقعت هجمة إسرائيلية أخرى كما جرى الصيف الماضي، فإن سيريزا لن يتوانى عن رفع صوته مرة أخرى، لاسيما والقضية الفلسطينية بشكل عام أحد الملفات التي يستفيد منها اليسار في أوروبا لتعزيز رصيده الشعبي.