أعلن الديوان الملكي السعودي يوم الجمعة 23 يناير، عن وفاة العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز عن عمر يناهز التسعين عامًا، وتولي ولي عهده سلمان من بعده، رحل الملك عبد الله في وقت تعيش فيه السعودية على صفيح ساخن، يفترض نجاح البلاد في تحقيق التوازن داخليًا بين شقي العائلة الحاكمة من السديريين والتويجريين وخارجيًا من خلال تحقيق اعتدال في موازين القوى مع العملاق الإيراني صاحب المذهب الشيعي الذي بدأ يحكم قبضته على العديد من المناطق في الشرق الأوسط.
رحل الملك بعد أن ترك تنظيم الدولة الإسلامية أشبه بالأيتام على مأدبة اللئام وهو التنظيم الذي دعمه السعوديون في البداية بالمال والسلاح لإسقاط نظام الأسد في سوريا، ثم قام النظام السعودي بقصفهم بالطائرات في ظل تحالف دولي يهدف إلى القضاء على التنظيم.
إنها السياسة نفسها التي اتبعتها السعودية مع صدام حسين والذي كان جدار الصد الأول لدول الخليج ضد التمدد الفارسي الشيعي الذي يضع عينًا على القدس وأخرى على الكعبة المشرفة وسلاحه في ذلك التهييج العاطفي، والتسويق بالانتساب إلى آل بيت النبوة.
رحل الملك في ظل تصنيف المملكة لجماعة الإخوان المسلمين – إحدى أبرز قوى الإسلامي السياسي السني في منطقة الشرق الأوسط وفي الدول العربية -، بالإرهابية، تصنيف أفقد المملكة عمقًا إستراتيجيًا كان بمثابرة الذخيرة التي يمكنها أن تستعمله زمن الأزمات، فالإخوان هم إخوة المذهب والذين لن يتعالوا على المملكة بحال من الأحوال، فالمملكة موطن الحرمين الشريفين ولاعب مهم في سياسة الدول العربية.
رحل الملك عبد الله بن عبد العزيز وترك اليمن تتخبط في صراع طائفي قد يكون أكبر المتضررين منه هي المملكة العربية السعودية، حيث إن إيران ردت على صناعة تنظيم الدولة الإسلامية في مجال حيوي كان بمثابة الغنيمة التي انقضت عليه بعد سقوط نظام صدام حسين، دفع إيران إلى الرد بالمثل من خلال إيجاد تنظيم شيعي بمقدوره طعن المملكة في الظهر متى فوضت له إيران ذلك.
رحل الملك عبد الله دون أن يحقق مطلبه بإسقاط الأسد في سوريا رغم كل ما أنفقته المملكة من أموال، رحل الملك وقد تراجع حليفه الإستراتيجي سعد الحريري في لبنان أمام تنامي قوة حزب الله الممسك بالسلاح باليد اليمنى والمفاوض باليسرى، رحل الملك والبحرين مازالت لم تلتقط أنفاسها بعد جراء الانقسام السني الشيعي الداخلي وتدخل قوات درع الخليج لحماية النظام الموالي للمملكة العربية السعودية.
رحل الملك والمعضلة المصرية لم تجد بعد طريقها إلى الحل، رحل الملك عبد الله بن عبد العزيز ومصر مازالت تشهد صعوبات اقتصادية، وبرحيل الملك عادت قناة الجزيرة إلى سيرتها الأولى، وعاد القرضاوي الذي صمت لفترة ليدعو إلى مواجهة النظام الحالي في مصر، رحل الملك وبرحيله أصبحت المصالحة المصرية القطرية في مهب الريح.
رحل الملك وقد ترك بعده صراعًا بين أجنحة العائلة الحاكمة قد يكون لخليفته موقفًا مغايرًا بما يسمح لتخفيض العداء العربي للملكة التي حصرت نفسها في زاوية زمن حرب لبنان عام 2006 وغزة عام 2008 بتحالفها مع الأردن ومصر، ثم حشرت نفسها ثانية في الزاوية من خلال تحالفها مع الإمارات لوأد ثورات الربيع العربي، رغم أنه كان بإمكان الإمارات والسعودية حماية حلفائهم خاصة علي عبد الله صالح، حسني مبارك وزين العابدين بن علي بضخ الأموال والاستثمارات ومنع سقوطهم.
رحل الملك وقد لا ننتظر طويلاً حتى نرى بوادر التغيير في السياسة السعودية التي قد تؤثر على المنطقة بأسرها، ليبقى السؤال الأهم أي دور لتركيا تجاه الصراع السعودي الإيراني؟ وأي نفوذ لدولة الخلافة في شرق أوسط اليوم؟