كارين أرمسترونج: الإسلام ليس أكثر دموية من المسيحية

cimage_8a9b98021f-thumbc

الهجمات الإرهابية في باريس جعلت من كتاب (حقول الدم: الدين وتاريخ العنف) فجأة كتاباً ضرورياً، هذا الكتاب الذي يقع في حوالي خمسمائة صفحة هو من تأليف الكاتبة والراهبة السابقة كارين أرمسترونغ، المشهورة بكتابة الكتب الأكثر مبيعاً مثل كتاب(تاريخ الله) وكتاب (قضية من أجل الله).

في هذه المقابلة تجيب أرمسترونج على سؤال مفصلي وأساسي: هل الدين هو السبب الرئيسي للعنف؟ المحادثة ستدور حول الإسلام والإرهابيين ومسؤولية الغرب في العالم الذي نعيش فيه.

أجرى المقابلة: ليزيت ثوفت

الكتاب الجديد (حقول الدم) ليس رواية ذات أحداث سعيدة، كون الدم يسيل بغزارة ضمن صفحات الكتاب، كارن أرمسترونج تصف بالتفصيل أعمال العنف التي تتميز بالارتباط بشكل وثيق مع تطور الدول والقوميات والثقافات، إنه كتاب هام، كونه يوثّق الواقع، ويفتح آفاقنا لندرك أن جميع الحضارات لها أصول استغلالية، بما فيها الحضارات الغربية.
كارين أرمسترونغ دخلت بثقة إلى بهو الفندق الذي أجرينا به المقابلة، امرأة متوسطة القامة وأنيقة، لها خصلة في شعرها الأشقر تستمر بالتوضع أمام عينيها، ابتدرت المقابلة بابتسامة مرحة ولطيفة رغم سوداوية المواضيع التي ستطرح، وبدأت المقابلة بالسؤال الأهم:

ليزيت ثوفت: هل هناك فرق بين عيسى (عليه السلام) ومحمد (صلى الله عليه وسلم) من حيث الدعوة إلى العنف، أو بعبارة أخرى، كيف تفسرين أن معظم الإرهاب الآن مستوحى من الإسلام؟

كارين أرمسترونغ: الإرهاب لا علاقة له بدين محمد، وإن العلاقة بين محمد (صلى الله عليه وسلم) وبين الإرهاب، مثل العلاقة ما بين عيسى (عليه السلام) والحروب الصليبية، لا يوجد تعاليم في الإسلام أكثر عنفاً من المسيحية؛ فنظرة على التاريخ كافية لنعرف بأن كل الأديان كانت عنيفة، بما في ذلك المسيحية، ولا يوجد في العالم الإسلامي ما يمثّل معاداة للسامية، هذه الفكرة هي ابتداعات حديثة، قام اليهود باستيرداها من المسيحية، حيث جاء المبشرون المسيحيون أولاً بهذه الفكرة، ومن ثم اقتسبتها عنهم دولة إسرائيل. اليهودية أصبحت في العالم الحديث ديناً عنيفاً، وهذا عائد لفكرة قومية الدولة اليهودية.

ليزيت ثوفت: إذن ما هو سبب الإرهاب الإسلامي؟ في كتابكِ أشرتِ إلى أن المسلمين تم إدخالهم إلى عصر الحداثة بشكل مفاجئ؟
كارين أرمسترونغ: في الحقيقة قلت أن المسلمين تم إدخالهم إلى عصر الحداثة بشكل أكثر عنفاً؛ فمثلاً في حرب العراق، ظن جورج بوش وتوني بلير أن مفهوم الحداثة الذي سيتم إدخاله إلى البلاد سيؤدي إلى اعتناق البلاد لمفهوم الديمقراطية على الفور، ولكن الأمور لا تجري بهذه الطريقة؛ فبالنسبة للعالم الغربي أدت الحداثة إلى الديمقراطية، لأن الديمقراطية كانت تساعد على منحنا الحرية الصناعية، وهذه الحرية هي الأساس الاقتصادي لبلداننا، كونها تضمن للأشخاص حرية الابتكار، وهذا ما يجعل العجلة الاقتصادية في البلاد أكثر انتاجاً، ولكن بالنسبة للبلدان الشرقية، تم فرض مفهوم الحداثة إليهم عن طريق القهر الاستعماري، حيث لم يتوصل مواطنو هذه الدول للحداثة عن طريق حق تقرير المصير؛ فمثلاً في مصر تم إجراء الانتخابات العامة 17 مرة ما بين عامي 1922 و 1952، وفي كل مرة من هذه المرات فاز حزب الوفد بالانتخابات، لماذا؟ لأن البريطانيين سمحوا لهذا الحزب بالفوز، بمعنى آخر، كانت الديمقراطية بالنسبة لشعوب البلدان الشرقية عبارة عن مزحة سيئة.

وبالمثل، فلقد تم تقديم العلمانية إلى شعوب الشرق من قبل ضباط الجيش بشكل عنيف، حيث تم قطع رواتب رجال الدين، ومن ثُمّ تم إيقافهم عن العمل، وأحياناً تعرضوا للتعذيب حتى الموت، والشاه قتل مئات المتظاهرين العزل في الضريح المقدس في إيران لأنهم تظاهروا ضد ارتداء الملابس الغربية، وبالمقابل نحن في الغرب دعمنا باستمرار حكام مثل صدام حسين الذي قام بسلب شعوبه حرية التعبير، كل هذه العوامل ساعدت في دفع الإسلام نحو العنف؛ فعندما يتعرض أي شخص للهجوم، فإنه دائماً سيتطرف في دفاعه عن نفسه، ولكن مع ذلك، فهناك نسبة صغيرة من المسلمين يوافقون فعلاً على الإرهاب؛ فمثلاً عند سؤال المسلمين عمّا إذا كانت هجمات 11 سبتمبر لها ما يبررها أم لا،  أجاب 93% بأنها غير مبررة وكانت الأسباب التي قدموها نابعة من الدين، أما نسبة 7%  الذين أجابوا بنعم، كانت أسبابهم نابعة من المفهوم السياسي بشكل كامل.

رسالتي لا تقول أن الدين ليس له علاقة بالعنف، بل على العكس من ذلك، دائماً ما يتم توريط الدين في العنف، وذلك نتيجة لإقحام الدين في السياسية والحرب، وإن محاولة فصل الدين عن هذه الأمور صعبة للغاية ومعقدة بشكل كبير؛ فمثلاً حتى عام 1700 م لم يفكر أي شخص بفصل الدين عن الدولة، كان الدين يحكم جميع تفاصيل الحياة، ولكن الأمور لدينا تطورت واستطعنا الوصول إلى مفهوم الفصل، أما بالنسبة للأشخاص الذين لم يصلوا للحداثة المطلوبة فإن التمييز بين الدين والدولة يعتبر تمييزاً تعسفياً، وبالنسبة لهم تشكل العدالة ومساعدة الفقراء ووقف معاناتهم مشاكل دينية رغم أنها مسائل سياسية؛ فمثلاً يذكر عيسى (عليه السلام) في الكتاب المقدس أن الله لا يتقبل صلوات الأشخاص الذين يتلون صلواتهم ويهملون محنة المحتاجين أو المظلومين، ونحن هنا بالغرب قمنا بفصل الصلاة عن تلبية الحاجات، جعلنا الصلاة مفهوماً دينياً، وتلبية الحاجات مفهوماً إنسانياً أو سياسياً، وكان هذا الفصل مهماً بالنسبة لنا، كما أنه كان مهماً بالنسبة للدين، لأنه قام بتحريره من عنف الحكومات التي تستعمله لتحقيق غاياتها.

ليزيت ثوفت: هل يمكننا الاستنتاج من الكتاب بأن كل الحضارات متأصلة أو متجذرة في العنف؟
كارين أرمسترونغ: الغالبية العظمى من التاريخ والحضارة بُني على العنف، وبدون ظلم الناس والأرستقراطية القديمة لم نكن لنمتلك حالياً أياً من العلوم والفنون التي نعتمد عليها اليوم؛ فالاقتصاد قديماً كان يعتمد على عمل الفلاح، حيث كان يتم اعطاءه ما يكيفه لسد رمقه هو وعائلته، ويُأخذ باقي الانتاج، نعم، لقد كان هذا شيئاً فظيعاً، والحضارة الأحدث وهي حضارة أثينا، أيضاً تم بناؤها على أساس الاستغلال؛ فالبارثينون تم تمويله من ضرائب بعض المدن اليونانية فقط بدون المدن الأخرى، لذلك كان هذا الصرح يعتبر مجانياً للبعض ولكنه كان مكلفاً للبعض الآخر، وحتى في العصر الحديث فإننا لا نزال نمارس ما يشبه حضارة أثينا؛ فأي دولة لا يمكنها الاستغناء عن جيشها وهي تموله على حساب ضرائب الشعب، وهذا الأمر ما زال مستمراً، ولكن قديماً وحديثاً كان دائماً يوجد أشخاص وقفوا بوجه الظلم وقالوا “هذا خطأ”، وهذه المعارضة كانت جزءاً أيضاً من الظلم الديني المتمثل بالحملات الصليبية أو الهجمات الجهادية.

ليزيت ثوفت: أيان حيرسي علي كتبت في إحدى الصحف أن الوقت مناسب للاعتراف أن الإرهاب الإسلامي جزء من الإسلام، هل تنصحيها بقراءة كتابكِ؟
كارين أرمسترونغ: لا أعتقد بأنها ترغب بذلك، أيان متزوجة من شخص مروّع وهو نيال فيرغسون، وهو مهندس الحرب الكارثية على العراق، هذه الحرب التي ساعدت على تعظيم شأن تنظيم القاعدة.
بجميع الأحوال، فإن الهجوم على مجلة شارلي ايبدو لم يكن بسبب التعصب لحب النبي والتفاني بالدفاع عنه، المسألة ليست دينية بحتة، السياسة تلعب دوراً مهماً بها؛ فالقاعدة هي تنظيم سياسي عميق، وهذا الهجوم الاستراتيجي كان يستهدف أحد الرموز المقدسة للغرب، وهو رمز حرية التعبير، وهذا الرمز مقدس بالنسبة للغرب بذات درجة تقديس الشرق للنبي؛ لذا فإن الهجمات هدفها إثارة غضبنا، وإن إعادة طبع صور النبي على الغلاف أثار سعادة القاعدة، لأن هذا سيساعدهم على تجنيد أناس أكثر لخدمتهم، أنا لا أقول أنه من الخطأ أن تعيد نشر الصور على الغلاف، ولكنني أقصد بأنهم سيعملون على استخدام حرية التعبير هذه لهدف سياسي بامتياز.

ليزيت ثوفت: ماذا كان من المفترض أن يحدث؟
كارين أرمسترونغ: لا أعرف، لكن أعتقد أن أحد الأشياء التي يجب علينا القيام بها هو الحداد على المسلمين أيضاً، منذ فترة تم قتل 165 طفل باكستاني من قِبل حركة طالبان، كما تم ذبح ألفين قروي في نيجيريا من قِبل جماعة بوكو حرام، نحن لم نقم بإجراء المسيرات للتضامن مع هؤلاء، والانطباع الذي نظهره هو أننا لا نبالي، وإن حياتهم ليست ذات قيمة بالنسبة لنا، لذلك أعتقد أننا يجب أن نعرف أننا لسنا الوحيدين الذين يتم قتلنا من قِبل المتطرفين، بل هناك الكثير من المسلمين يموتون يومياً على أيدي المتطرفين أيضاً.

ليزيت ثوفت: هل يمكن أن يعاني الارهابي من صدمة نفسية؟
هذا تابع لنفسية الشخص، فالبعض منهم قد يتأثر، والبعض الآخر –مثل بن لادن- شرير بطبيعته، ولكن بشكل عام يتفشى الخوف واليأس فيما بينهم، خلال الفترة الماضية تم إجراء مقابلات ومسوحات من قِبل الأطباء الشرعيين، مع أشخاص أدينوا بالإرهاب منذ أحداث 11 سبتمبر ومع مئات الأشخاص المعتقلين في غوانتانامو وسجون أخرى، وأشار أحد الأطباء الذي يعمل بذات الوقت كضابط في وكالة الاستخبارات المركزية إلى إن الإسلام لا علاقة له بالأفعال الإرهابية المرتكبة من قِبل هؤلاء الأشخاص، المشكلة كانت بالجهل في الإسلام، ولو تمت تنشأة هؤلاء الأشخاص على التعاليم الإسلامية الصحيحة فلن يكونوا ليقدموا على أفعالهم، فقط 20% منهم تمت تنشئتهم على التعاليم الإسلامية العادية، أما الباقون فهم إما حديثي الإسلام – مثل المسلحين الذين هاجموا مؤخرا البرلمان الكندي- أو مسلمين غير ملتزمين (أي أنهم غير مواظبين على الذهاب إلى المساجد) مثل الأشخاص الذي قاموا بتفجيرات في ماراثون بوسطن، أو أنهم تعلموا التعاليم الإسلامية بأنفسهم، مثل الشابين اللذان غادرا بريطانيا للانضمام إلى الجهاد في سوريا، وتعلما التعاليم الاسلامية من كتاب تم شراؤه من موقع أمازون بعنوان الإسلام للمبتدئين.

في كثير من الأحيان يبدأ الأشخاص بتقديم تبريرات لا معنى حول حوادث الإرهاب؛ فمثلاً أشار عدد من الباريسيين إلى إن الحكومة لم تتعامل مع المشاكل القائمة في الضواحي، حيث ينتشر اليأس والبؤس، وذلك على الرغم من أن الشعب الفرنسي تلقى عدة تحذيرات قبل انفجار الوضع من خلال أعمال الشغب التي ضربت الدولة، ولكن مع ذلك لم تقم الدولة باتخاذ أي إجراء حيال ذلك، المشكلة تتمثل بأن المهاجرين لا يشعرون بالانتماء إلى مجتمعاتنا، وحياة هؤلاء سيصبح لها معنى عندما يقومون بالأعمال الإرهابية؛ فالحكومة الفرنسية تقمع أي تعبير ديني، وهذا يسبب حنقاً لدى الأشخاص؛ مما يؤدي إلى الشعور باليأس.

منذ فترة تحدثت إلى أحد المؤرخين اللامعين، وقال لي في معرض حديثه بأن السبب الرئيسي الذي يدفع الشباب إلى الحرب هو الملل، أو التململ من الوضع، وهذا الموضوع يجب أن نأخذه على محمل الجد في مجتمعاتنا، مثلما نأخذ حرية التعبير على محمل الجد؛ فالشعور باليأس والبؤس بالإضافة إلى التراجع الاقتصادي قد يؤدي إلى الانحراف، علينا أن نتذكر كم نحن محظوظون، أنا –على سبيل المثال- اكتسبت علمي من خلال رحلاتي ودراستي، والآن بدأت أشعر كم أنا محظوظة بهذا العلم، ومع العلم تأتي المسؤولية؛ فإذا أوتيتَ تعليماً جيداً، يجب أن تستعمله للقيام بإصلاح المجتمع.

ليزيت ثوفت: من خلال قراءة كتابكِ لاحظت أنكِ أشرتِ إلى حمام الدماء والدموع الذي يجري ضمن تاريخنا العالمي؟
كارين أرمسترونغ: ليس فقط الدماء والدموع، بل البؤس والقهر والظلم، الظلم الكبير الذي نمارسه على العالم، نحن نتحدث عن التنوير منذ زمن طويل كما لو أن المسيح قد عاد إلى الأرض، لكن دعونا نلقي نظرة على مؤسسي الولايات المتحدة، هؤلاء الذين قالوا بأن جميع الرجال خلقوا متساوين، ولكنهم بذات الوقت لم يكن لديهم مشكلة في استرقاق العبيد الأفارقة، هذا يقودنا للقول بأن الحرية في التاريخ كانت فقط حرية الأوروبيين، ونحن ما نزال نستمر في هذا النهج، بسبب الطمع في النفط؛ فمثلاً  نحن ندعم حكام السعودية، الذين يسلبون من شعوبهم حقوقهم الأساسية.

ليزيت ثوفت: ماذا عن المدون السعودي رائف بدوي الذي حُكم عليه بالجلد من قِبل حكام السعودية؟
كارين أرمسترونغ: نحن لا نأبه بمصيره طالما أننا نحصل على النفط، على الرغم من وجود منظمة العفو الدولية، إلا أننا نستمر في تذكير الناس أنه يجب علينا أن نكون متوازنين في سياساتنا.

ليزيت ثوفت: ألم تشعري بالحزن وأنت تقومين بكتابة هذا الكتاب؟
كارين أرمسترونغ: نعم، ولكن هناك أيضاً الجانب الآخر من هذا الموضوع، فمثلاً شخص مثل كونفوشيوس تحدث عن القاعدة الذهبية، والمسيح وبولص حاولوا تطبيقها، والبشر ما زالوا يحاولون، نحن بحاجة إلى أن نجهر بصوتنا بالحلول البديلة عن العنف التي تستند إلى الواقع والعدالة.

ليزيت ثوفت: هل يجب أن نحقق هذه الحلول البديلة بعيداً عن الدين؟
كارين أرمسترونغ: نعم يمكننا تحقيق الحلول بدون الدين، ولكن مثلاً هولندا دولة علمانية يمكن تحقيق هذه الحلول ضمنها بعيداً عن الدين، أما الولايات المتحدة فهي ليست دولة علمانية؛ فأنا مثلاً عندما أحاضر هناك تكون ردة فعل الأشخاص حول تجنيب الدين مختلفة تماماً، هم لا يريدون تحقيق الحلول بعيداً عن الدين، ويُقال بأن أمريكا هي ثاني أكبر بلد ديني في العالم بعد الهند، لذا بإمكاننا إنشاء نموذج علماني من رؤيتهم الدينية، عن طريق تكريس فكرة حرمة كل البشر، فكل إنسان ثمين، ونفسه محرمة ويجب عدم العبث بها، سواء أكان ذلك يتعارض مع مصالحنا الاقتصادية أم لا.

ليزيت ثوفت: إذن أنتِ تقولين بأن الدين هو كبش الفداء؟
كارين أرمسترونغ: نحن نقوم بإلقاء اللوم في العنف الذي جرى في القرن الـ21 على الدين، ومن ثم نقوم بتجنيبه، بحجة أننا لا نتدخل في الأديان، ولكن في الحقيقة فإننا يجب أن نتعامل مع الوضع سياسياً؛ فالهجوم على المتجر اليهودي في باريس كان بسبب الوضع الفلسطيني، وبسبب داعش، ولا علاقة له بمعاداة السامية، نحن نعمي عيوننا عن محاولات الاسرائيليين لاحتلال فلسطين، ولا نتحدث عنها ونلقي بالتبعات على الدين فقط، نحن متورطون للنخاع في كل هذه الأحداث، ولا نعرف ما يجب علينا القيام به.

من السذاجة أن نعتقد أننا يمكننا خلق عالم بدون حروب، وأنا قمت بكتابة هذا الكتاب لأنني أشعر بالخوف من مصيرنا القادم، لقد صنعنا القنابل التي يمكنها محو العالم، والقانون الدولي يسمح باستخدام هذه الأسلحة النووية في حال تهديد أمن الأمة، حتى لو كان إطلاقها سيؤدي إلى تدمير الأمة بأكملها، هذا ما يسمى بالرغبة الانتحارية، وهي مماثلة للعقلية الإرهابية التي يعمل بها الجهاديون على تفجير أنفسهم وهم يعلمون بأن مصيرهم الموت، والفرق بينهما بأن هذه الأخيرة هي شكل بدائي من رغبة الانتحار، ولن يمر وقت طويل قبل أن يمتلك تنظيم القاعدة أو أحد هذه الجماعات نوعاً من الأسلحة النووية. الوضع خطير، ونحن مضطرون لفتح أعيننا ومشاهدة ما يحدث، إن الموضوع ليس له علاقة بالأديان أو بالإسلام أو غيره.

ليزيت ثوفت: ولكن الكثير من الأشخاص والسياسيين يعتقدون بأن الدين هو المسبب؟
كارين أرمسترونغ: إن قومية الدولة هي أحد المشاكل الأساسية لدى الدول، وهذه القومية تعمل على خفض قدرة الدولة على استعياب وتفهم الأقليات، هذه النظرة سببت بعضاً من أسوأ جرائم القرن الـ20، مثل الهولوكوست على سبيل المثال؛ فالتركيز على اللغة والثقافة ضمن مفهوم الدولة، يجعل القومية تصبح هي القيمة العليا في المجتمع.
القومية لا تتواءم مع عولمة العصر الحديث؛ ففي الوقت الحالي لا يمكننا أن نفكر فقط بدولتنا، العالم لم يعد صغيراً، نحن قمنا بإنشاء الاقتصاد العالمي، وبنينا جسور التواصل ما بين الأمم؛ لذا نحن متصلون ببعضنا البعض بشكل كبير بحيث إذا انخفض سوق في أحد أجزاء العالم، ستنخفض الأسهم في جميع أنحاء العالم في ذات اللحظة.

ليزيت ثوفت: ماذا عن البيئة الحاضنة؟
كارين أرمسترونغ: لها تأثير أيضاً، ونحن مسؤولون بطريقة أو بأخرى عن هذه البيئة؛ فأحداث باريس اليوم سوف يكون لها انعكاسات على الشرق الأوسط، أعود وأقول نحن مرتبطون سياسياً، وتاريخنا مشترك؛ فمثلاً بريطانيا مسؤولة تاريخياً عمّا يحدث في الشرق الأوسط والهند وباكستان، وأحد أشكال المسؤولية تتمثل في رسم الحدود بين هذه البلدان في فترات ما بعد الاستعمار، لقد تم وضع هذه الحدود بشكل انتهازي ومضحك، وأدت هذه الحدود إلى العديد من أحداث العنف.

ليزيت ثوفت: من المستغرب أنكِ تقولين في كتابك أن الشريعة الإسلامية تحض على السلام؟
كارين أرمسترونغ: نحن شوهنا صورة الشريعة الإسلامية؛ فالعالم الإسلامي يطبّق الشريعة الإسلامية، لأنه تاريخياً كانت البديل عن استبداد الدولة، شرع الله يقول بأن لا أحد يمتلك الحق بأن يملي على أي أحد ماذا يفعل، لأن كل شخص سيد نفسه وهو مسؤول أمام لله وحده، وحالياً لا يمكن لأي حكومة أن تحكم بهذه الطريقة، وطالما أن الحكومات يتوجب عليها أن تعترف بأن الشريعة هي حكم الله، فلقد عملت على صناعة النسخة التي توافقها من أحكام الشريعة الإسلامية، ولكن في الحقيقة روح الشريعة الإسلامية لم تكن أبداً في يوم من الأيام شغفة بقطع اليدين.

ليزيت ثوفت: ماذا عن انتهاكات حقوق المرأة في الإسلام؟
كارين أرمسترونغ: حقوق المرأة هي مشكلة أساسية في جميع أنحاء العالم، وإحدى السمات المميزة للحداثة تقوم على تحرير المرأة، ولكن عندما ينقم الأشخاص على التغيير والحداثة يعودون لسلب حرية المرأة، وفي الحقيقة الأمر سيان أيضاً لدى المسيحيين، وبعضهم -خاصة في الولايات الجنوبية من الولايات المتحدة- يقولون إن المرأة يجب أن تبقى في المنزل، كما إن الكنيسة الكاثوليكية لا تسمح للمرأة أن تكون من ضمن الكهنة، والأمر بالمثل عند اليهود.

المشكلة في العالم الإسلامي هي أن الحكام متخبطين وغير مستقرين ولا يحظون بتأييد شعبي كبير، لذا فإنهم يعملون على الإبقاء على الأحكام الصارمة التي تبقي النساء تحت سيطرة الرجال، للحصول على التأييد الذكوري، ومن وجهة نظري، أرى بأن النساء المسلمات سيعملن على تحويل الإسلام من الداخل.