يعتبر المتابعون لما يحدث في منطفة الجولان السورية أنه بوادر حرب جديدة تخوضها إسرائيل مع تنظيم حزب الله اللبناني، فالضربة الإستراتيجية الخطيرة التي وجهتها إسرائيل للتنظيم منذ عشرة أيام، والتي نجحت فيها في اغتيال ستة من قيادات التنظيم من بينهم جهاد مغنية ابن القيادى الراحل عماد مغنية، كانت ضربة موجعة للتنظيم الممول من إيران، بالإضافة أيضًا إلى نجاح إسرائيل في قتل أحد قادة الحرس الثوري الإيراني في هجوم القنيطرة في وقت سابق من الشهر الجاري.
من ناحية حزب الله أيضًا، جاءت عمليته لتزيد من احتمالية نشوء تلك الحرب، حيث قام حزب الله، وبعد 10 أيام فقط من الضربة التي تلقاها من الجانب الإسرائيلي، بهجوم لاستهداف سيارتين عسكريتين إسرائيليتين بمزارع شبعا بصواريخ مضادة للدبابات ونجح من خلاله في قتل جندى وضابط برتبة نقيب، بالإضافة إلى إصابة 8 جنود من بينهم 3 في حالة خطيرة.
تتابعت ردود الأفعال الرسمية بعد حادثة اليوم، فرئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو أعلن أن حزب الله وإيران مسؤولان عن الهجوم الذي استهدف جيش الاحتلال الإسرائيلي اليوم، ويهدد بأن من يقفون وراء الهجوم سيدفعون الثمن غاليًا، وصحيفة “معاريف” نقلت عن العميد موتى أن جيش الاحتلال الإسرائيلي يستعد بقوات كبيرة لخوض معارك مع حزب الله، ومن جانبه أيضًا قال وزير الدفاع الإسرائيلى موشيه يعلون إن كلاً من إيران وحزب الله يحاولان ويواصلان المحاولة للمساس بأمن إسرائيل بكل وسيلة كانت سواء من هضبة الجولان أو من لبنان، بهدف استهداف عسكريين ومدنيين إسرائيليين، وأضاف: “إن إسرائيل تعرف كيف ترد بكل قوة وحزم ضد كل من يريد أن يتحداها ويريد المساس بأمنها، فلن نسمح للمنظمات الإرهابية بالمساس بنا”.
وفي غزة أيضًا جاء رد الفعل بالمطالبة بتشكيل جبهة مقاومة فلسطينية لبنانية موحدة للرد على أي هجوم قد يفكر فيه قادة جيش الاحتلال الإسرائيلي حيث قال خالد البطش القيادي في حركة الجهاد الإسلامي: “نؤكد أن جبهة المقاومة من لبنان إلى شبعا إلى القنيطرة والقدس وإلى غزة جبهة موحدة، وأى جهة يستهدفها الاحتلال ستصبح مشتعلة”، مؤكدًا أن العدو لا يفهم إلا لغزة القوة، وأضاف البطش “أن حزب الله بذكائه وضع إسرائيل في مأزق إما أن تسكت أو ترد وتذهب إلى حرب واسعة، في كل الحالات فإن نتنياهو يغامر بمستقبله السياسى”.
إلا أنه وعلى الرغم من كل تلك الردود التي تدق طبول المعركة والجلسة العاجلة المقرر عقدها لمجلس الأمن اليوم لبحث تطور الأوضاع، فالواقع على الأرض والذي يقرأه المحللين الغربين يقول إن احتمالية وقوع حرب واسعة النطاق بين الطرفين صعبة وأن كل طرف من الطرفين لديه العديد من الأسباب التي تمنعه من خطوة البدء في حرب واسعة كحرب عام 2006.
فمن ناحية تنظيم حزب الله وإيران، نجد أن إيران، باعتبارها الداعم الأساسي لتنظيم حزب الله، لا ترغب أيضًا في دفع المنطقة لصراع أكبر بين التنظيم وإسرائيل لعدة أسباب منها أن طهران تلعب لمصلحتها الشخصية واندلاع مثل ذلك الصراع قد يؤثر على المحادثات حول برنامجها النووي، كما أن الخسائر الاقتصادية الضخمة التي تلقتها إيران في الفترة الأخيرة بسبب ضربة انخفاض أسعار النفط تجعل طهران تفكر ألف مرة قبل الدخول في جبهة حرب جديدة ترهقها ماديًا ومعنويًا.
والحال نفسه عند تنظيم حزب الله، فالوضع بالنسبة له ليس بالشكل المثالي الذي كان عليه عام 2006، وبالرغم من النجاح الكبير الذي حققه حزب الله في فتح جبهة جديدة بالجولان، لأنه بوجود مدخل أكبر إلى قطاعات الجولان يكون لدى الحزب منطقة غير لبنانية جديدة يستطيع استغلالها لاستهداف إسرائيل، إلا أن مساندة حزب الله لنظام بشار الأسد في سوريا جعله مشتتًا ومنهكًا في حرب مستمرة في سنتها الرابعة والتي جعلته يخسر العديد من أفراده، كما أنه وبسبب تدخل حزب الله في سوريا فقد خسر الحزب جزءًا لا يُستهان به من شعبيته في الداخل اللبناني والذي كان يدعمه بشكل كامل في الحرب الأخيرة.
أما من الجانب الإسرائيلي فقد شكك العديد من المراقبين الإسرائيليين في قيام قادة إسرائيل بالدخول في حرب جديدة، بعد شهور من الهجوم الدامي على قطاع غزة وقبل أسابيع من الانتخابات المقرر لها مارس المقبل، وأشاروا إلى أن هذا سيقوم بإغراق إسرائيل في حرب ممتدة مع خصم خاض معارك أكبر وأعنف من حركة حماس التي تحكم قطاع غزة، حيث قال عاموس يادلين، وهو رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية السابق، لصحيفة لوس أنجلوس تايمز الأمريكية: “ينبغي على إسرائيل الرد لكن بأسلوب يجعل التصعيد تحت السيطرة، وهذا ليس بالأمر السهل، لكنه فن التفكير الإستراتيجي”.
ومن ناحية أخرى فرئيس الوزراء الإسرئيلي “بنيامين نتنياهو”، وبغض النظر عن تصريحاته، فإن هناك العديد من الضغوط التي تمارس عليه من قِبل المعارضة الداخلية والتي تمنعه من التهور والبدء في حرب جديدة، فعلى سبيل المثال قام حزب ميرتس اليساري على صفحته الرسمية على موقع فيسبوك بوضع شعار “لا للحرب الثالثة مع لبنان” في إشارة إلى صراعي 2006 و 1982، وتقول زهافا جالون رئيسة حزب ميرتس في منشور بموقع فيسبوك “الغرق في المستنقع اللبناني لا يخدم مصالح مواطنينا، لقد تكبدنا الكثير من الألم والدماء والفجيعة خلال العام الجاري”.
كل المؤشرات تؤكد أن ما يحدث مجرد علمية لقلب الموازين في المنطقة ومحاولة من كل طرف للحصول على أكبر مكسب والحفاظ على هيبته في المنطقة، لكن كل ذلك دون الخوض في حرب جديدة لن تُحدِث أي نتائج إيجابية لأي طرف من الأطراف.