ترجمة من الفرنسية وتحرير نون بوست
كان أحمد عزّ الأمين العام لحزب حسني مبارك، الحزب الوطني الديمقراطي الذي يفترض أنه انتهى، متّهمًا بسرقة مليارات من الجنيهات المصرية، ولكنه خرج من السجن منذ أغسطس 2014 بكفالة قدرها خمسة مليون جنيه ونصف أي ما يعادل سبعمائة وسبعين ألف يورو، وهو يستعد الآن للعودة لواجهة الأحداث السياسية في مصر، حيث يفترض أن يتم تنظيم الانتخابات التشريعية في شهر مارس، ورغم أن الشكوك تحوم حول إمكانية الالتزام بهذا الموعد فإنه يبقى قائمًا حتى إشعارٍ آخر.
عودة قدماء الحزب الوطني الديمقراطي
من بين التهم التي تمّ توجيهها لأحمدعز، تهمة الاستحواذ على شركة وطنية كبرى لصناعة الحديد مقابل مبلغ زهيد وهي الشركة التي تسمى اليوم “حديد عز” بفضل قربه من جمال مبارك نجل الرئيس والمرشح لخلافته، ولكن عز ليس الوحيد الذي استفاد، فعملية الخصخصة المصرية كانت عملية نهب بأتم معنى الكلمة، وبالإضافة إلى ذلك فأحمد عز متهم بتزوير الانتخابات البرلمانية سنة 2010، وقد أعلنت الصحف المصرية مؤخرًا عن عودته.
وعودته للنشاط الاقتصادي هي أمر طبيعي دون أدنى شك، إذ إن شركته واصلت عملها عندما كان يقضي عقوبته بالسجن، ولكن هل يعود للنشاط السياسي؟ محاميه أعلن أن لا شيء يمنعه من ذلك إن أراد.
أسامة دياب المختص في قضايا الفساد في مركز مصري للبحوث والدفاع عن حقوق الإنسان يقول “مع أن عز لا يحظى بشعبية حقيقية في مصر وينظر إليه كرمز حقيقي للفساد، فإنه وهو في العقد الخامس من عمره لايزال قادرًا على العودة مجددًا”.
ويدور حديث غير مؤكد حول كون أحمد عز يقف وراء تحالف جديد يضم أحزابًا صغيرة منها الجديدة والقديمة وتلك الحليفة التاريخيّة للحزب الوطني الديمقراطي، من بين هذه الأحزاب حزب الغد الذي يترأّسه مصطفى موسى وهو رجل أعمال متوسط الثراء دخل عالم السياسة تحت حكم مبارك، وهو يقول بكل صراحة إن أعماله لم تكن على ما يرام عندما قدم إلى مصر من الجزائر في أواخر السبعينات لأنه لم يكن يعرف أحدًا ثم أقام بعد ذلك علاقات مع أشخاص متنفذين؛ فسارت الأمور بشكل أحسن ودخل لعالم السياسة في نفس تلك الفترة، وقد لازم السيد مصطفى، الصمت خلال السنوات الأخيرة التي شهدت حراكًا ثوريًا، لكنه يشعر الآن أن وقته قد حان، ولأنه رجل وطني فهو منشغل بتطوير البرنامج الاقتصادي لكتلته الانتخابية، إنه يطرح سياسات الليبرالية الجديدة في عمومها مع تزيينها بإشارات لمشاكل الفقراء والشباب، الفئتان اللتان تمثلان ثلثي الشعب، يتكلّم مصطفى موسى باسم ائتلاف للأحزاب الصغيرة التي تساند بكل تأكيد الرئيس المصري المشير عبد الفتاح السيسي، ولكن من وراء هذا الطّرح نستشف قلق رجال الأعمال حيال التسلط الاقتصادي للجيش والحكومة.
أعلن عبد الفتاح السيسي بأنه “يجب بناء مدن جديدة في الصحراء لتعزيز الإنتاج الفلاحي في الأراضي السقوية، وتوفير عمل لملايين الشباب العاطلين وتسيير الحصول على سكن لائق بالإيجار، ويجب طلب الدعم من المصريين المغتربين الذين يبلغ عددهم أثنى عشرة مليون مع ضمان عائدات هامة على استثماراتهم في مصر”.
وخلال الأشهر الأخيرة أطلق الرئيس المنتخب في مايو 2014 إشارات تبعث على القلق، فعلى الرغم من نجاح دعاة الليبرالية في رفع الدعم الهائل على مواد أولية مختلفة وعلى الطّاقة التي ترهق ميزانية الدولة وتُعطّل قدرة مصر على المنافسة، فإن المشير- الرئيس على ما يبدو مفتون بالمشاريع الكبرى على طريقة عبد الناصر حيث تتخذ الدولة القرارات دون تشاور مع القطاع الخاص وحيث يلعب الجيش دورًا محوريًّا، وهذا يعيد للأذهان التوتر الذي شاب أواخر عهد مبارك بسبب استياء الجيش من التعاظم المستمر لنفوذ رجال الأعمال والمسؤولين المساندين لليبرالية الجديدة من حاشية جمال مبارك.
علاوة عن ذلك ناشد السيسي رجال الأعمال والمصريين بالخارج الذين التصقت بهم صورة البقرة الحلوب أن يتبرعوا للصندوق الوطني “تحيا مصر”، وحسب وسائل الإعلام فقد استجاب الكثير منهم لهذا النداء إمّا تجنبًا للمشاكل أو كعربون شكر على التساهل معهم في قضايا التهرب الضريبي، فيما تبقى نتائج واستعمالات هذا الصندوق غامضة، فالوطنية تقتضي عدم الإفصاح عن القلق وطرح الأسئلة، رغم أن الأمر محير، إذ كيف يأمر السيسي رجال الأعمال بتمويل مشاريع تتسم بالاشتراكية عوض مطالبتهم بكل لطف بالاستثمار؟
سياسة التحالفات
يتهرب السيد مصطفى موسى من الأسئلة المتعلقة بوجود قدماء الحزب الوطني الديمقراطي في الائتلاف الذي ينتمي إليه ولكنه يؤكد أن هذا الائتلاف ليس مرتبطًا برئيس الوزراء السابق أحمد شفيق الذي خسر دورة الإعادة في الانتخابات الرئاسية لسنة 2012، بالرغم من أن هذا الأخير هو مؤسس أحد الأحزاب الشريكة في هذا الائتلاف، ويجيب بالقول: “هنالك أشخاص لا أحد يريد أن يسمع عنهم، ولكن هناك آخرون من كبرى العائلات في الأرياف ممن يتمتعون بالسلطة والنزاهة والاحترام يمكن الاعتماد عليهم لأن كلمتهم مسموعة”، ويعترف السيد مصطفى موسى أن الأمر لا يتعلق فعلاً بالسياسة، بل بالقدرة على استقطاب الناخبين باستعمال المال والوعود والولاءات شبه الإقطاعية، وعن هؤلاء يقول السيد علاء عرفات الباحث السياسي في مركز البحوث والتوثيق الاقتصادي والقانوني والاجتماعي “إنّهم ليسوا رجال سياسة، هم يريدون فقط أن يكون لهم نفوذ على البرلمان”.
ويشرح السيد مصطفي موسى أنه يشعر هو وحلفاؤه أنه يتم التعامل معهم بتعالٍ من قبل الكتلة المساندة للحكومة التي هي بصدد التشكل والمسماة “قائمة الجنزوري”، وهذا هو سبب القطيعة بين الطّرفين، ويعدد السيد مصطفى بفخر رجال الأعمال الموجودين على رأس الأحزاب المكونة للائتلاف وممتلكاتهم المتعددة من مقاولات ومدارس خاصة وصناعات غذائية وتعليب وقنوات تلفزيونية، ولكنه ينفي تلقيهم أي تمويل من أحمد عز، ويقول إنه من المستبعد أن ينجح سياسيون بحجمه هو ومن معه في استقطاب رجل في حجم أحمد عز؛ لذلك يرجح أن يقف عز إلى جانب قائمة الجنزوري ولكن ليس بشكل رسمي، ويُذكر أن الجنزوري هو رجل اقتصاد شغل منصب رئاسة الحكومة في عهد مبارك وفي عام 2011.
وتشهد الساحة السياسية أيضًا عودة رجل سياسة آخر من عهد مبارك ، وهو عمرو موسى الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية الذي نجح بذكاء في النأي بنفسه عن النظام القديم وعن الاصطفاف الحزبي بعد الثّورة، وبما أنه رجل أعمال ملياردير منحدر من عائلة ثرية جمع ثروته من المقاولات والاتصالات فإنه هو أيضًا لا يتحالف مع الأحزاب الصغيرة، ويفكر نجيب ساويرس وحزبه الجديد “المصريين الأحرار” الذي أسسه بعد انتفاضة 2011 ليقود المعارضة ضد الإخوان المسلمين في التعاون مع حزب الوفد الجالس نظريًّا في مقعد المعارضة رغم أن هذه المعارضة ظلت معارضة صورية منذ عشرات السنين.
بالتأكيد فإن ائتلاف السيد مصطفى موسى يضم وحده مئات المرشحين، ولكنه يتطلع أيضًا لتحالفات مع قائمة الجنزوري، فعلى كل حال لا يوجد بينهم اختلاف أيديولوجي بل هو مجرد تنافس سياسي، وعلاوة على ذلك فرجال مصطفى موسى أيضًا معروف عنهم أنهم من الحرس القديم.
دوام الباشوات
هناك اليوم بعض الدماء الجديدة في مكاتب حزب الغد التي تقع وسط المدينة والتي تم تجديدها وتأثيثها مؤخرًا دون إسراف في الفخامة، ويوجد مثلاً مساعد شاب للسيد مصطفى موسى يبدو أنه متكلف وغير صبور ومن الناس الذين يحبون إعطاء الأوامر، يشبه تمامًا الديك الصغير، وهو لا يتكلم الإنجليزية جيدًا ولا أي لغة أخرى باستثناء العربية، ولكن يبدو عليه أنه يمقت الشخص المكلف بالحضور الإعلامي للائتلاف على شبكات التواصل الاجتماعي لأنه يتقن الإنجليزية والفرنسية ولغات أخرى، هذا الأخير هو شخصية كاريكاتورية من زمن آخر، فقد تزوج وطلق العشرات من السائحات الأوروبيات أثناء عمله في مجال السياحة، وهو يقول أنه يعمل في مجال السياسة اليوم لأن السياحة تشهد ركودًا، الأمر بهاته البساطة بالنسبة إليه إذ لم تكن له علاقة بالسياسة من قبل، وربما ينطبق نفس الأمر على كثيرين داخل هذا الائتلاف.
السياسة إلى حد ما هي أمر وراثي، يقول السيد مصطفى موسى “كان والدي في حزب الوفد، وكان نائبًا في مجلس الأمة، وقد تعلمت السياسة منه”، ويضيف أن “السياسة مثل إدارة الأعمال هي تقاليد أسرية، لقد بنى والدي نصف الجزائر الحديثة، خلال إدارته لمكتب دراسات هناك، وعند وصولنا إلى مصر، بدأنا في العمل بشكل أساسي في مجال الخرسانة والبناء “.
وهذا ليس مستغربا بالنسبة لسامح سمير، وهو محام متطوع في المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، يعمل معظم الوقت في هذه الأيام على حالات السجناء السياسيين، فقد وُلد هو أيضًا في عائلة سياسية، ولكن على الجانب الآخر إذا جاز التعبير، أي في الشق الناصري، ويقول “رغم تغيّر مواقفي، فهذه هي ثقافتي السياسية، أعضاء حزب الوفد هم الباشوات، الأثرياء الذين لا يدخرون جهدًا للعمل من أجل الحفاظ على النظام القائم “.
مصطفى موسى هو رجل وطني، وهو أيضًا رب عائلة، إنه منتصف الليل تقريبًا، وبينما كان لقاؤه التحضيري للإستراتيجية الانتخابية للتحالف يشارف على الانتهاء، رن هاتفه أثناء الحوار، فاعتذر عن المقاطعة وراح يطمئن ابنته المراهقة: نعم، سيكون لديه الوقت لطباعة مقالها.
لقد أجابها باللغة الإنجليزية، فصحيح أن مكاتب حزب الغد والائتلاف الحاكم تقع في وسط المدينة، بل ومن المفارقات أنها تقع بالقرب من البورصة والأزقة المعروفة بمقاهيها الفوضوية التي تجذب شباب ميدان التحرير، ولكن هذا ليس عالم مصطفى موسى، فهو ينتمي إلى تلك الفئة من المصريين الذين يجدون راحة أكثر في التحدث باللغة الإنجليزية، الذين حتى لو كانوا لا يعيشون كلهم في الأحياء أو الضواحي الراقية والمحصنة أمنيًا فإنّهم يرسلون على الأقل أطفالهم إلى أفضل المدارس الخاصة حيث التعليم بلغة ونظام المدارس الأجنبية، فالخدمات في المستشفيات والمدارس الحكومية المصرية مجانية ولكنها في الواقع عديمة الفائدة تقريبًا، فهي لا تحتوي على أية معدات، والموظفون يتقاضون أجورًا زهيدة لا تكفي لتحفيزهم وضمان انضباطهم، و”الباشوات” يعرفون جيدًا أنه لا يجب توقع شيء من هذه الخدمات العمومية التي من المفترض أن يكون المصريون البسطاء سعيدين بها.
المصدر: سليت الفرنسية