مواصلاً “ثورته” التي بدأها منذ اللحظة الأولى لتوليه السلطة في المملكة العربية السعودية، قام الملك سلمان بن عبد العزيز بإجراء عدد من التعديلات الوزارية التي اعتبرها المراقبون جذرية بدرجة كافية لتُعد انقلابًا على سياسات العاهل الراحل عبد الله بن عبد العزيز.
فقد أصدر الملك السعودي سبعة وثلاثين أمرًا ملكيًا مساء أمس الخميس، شملت تعديلات وزارية أساسية وتغييرات جذرية في مفاصل الدولة السعودية، كان منها تشكيل مجلس للشؤون السياسية والأمنية يرأسه محمد بن نايف، ولي ولي العهد ووزير الداخلية، وبعضوية عدد من الوزراء.
ورغم أن البيان لم يعلن صلاحيات المجلس الجديد، إلا أنه يُتوقع أن يكون اللاعب الأهم في سياسات المملكة، خاصة وأنه يضم في عضويته وزير الخارجية سعود الفيصل، وعدد من الوزراء والمستشارين الفاعلين في صياغة سياسات المملكة.
كما تم الإعلان عن تشكيل مجلس للشؤون الاقتصادية والتنمية برئاسة الأمير محمد بن سلمان وبعضوية وزراء من بينهم وزراء البترول والمالية والتجارة والصناعة. المملكة التي قررت الاستعانة باحتياطياتها النقدية الضخمة بسبب أزمة انخفاض أسعار النفط قد تتطلب إدارة نقدية أكثر حرصا وحكمة مما سبق، خاصة أن المملكة قامت بإرسال مساعدات لمصر وحدها على مدار الأشهر الماضية تجاوزت 12 مليار دولار، في إطار دعم الحكومة المدعومة من الجيش، عقب الانقلاب العسكري الذي ساعدت السعودية على تنفيذه.
من ناحية أخرى فإن التزامات المملكة في المنطقة، لا سيما تجاه سوريا ولبنان (وقد وعدت المملكة سابقا بمساعدة الجيش اللبناني بثلاثة مليارات دولار)، ستأكل من الموازنة السعودية للعام الجديد، وهي المثقلة بالفعل وهو ما سيحتاج إلى الكثير من الحنكة في الإدارة.
وقام الملك سلمان بإعفاء نجلي الملك الراحل من منصبيهما، حيث تقرر إعفاء الأمير مشعل بن عبد الله من إمارة مكة المكرمة، وإعفاء الأمير تركي بن عبد الله من إمارة الرياض، وتعيين الأمير فيصل بن بندر بن عبد العزيز أميرًا على الرياض، وتعيين خالد بن فيصل بن عبد العزيز أميرًا لمكة المكرمة.
إلا أن متعب بن عبد الله، والذي يُقال إن والده الراحل كان يؤهله ليتولى ولاية العهد بدلاً من مقرن بن عبدالعزيز برعاية رئيس الديوان السابق خالد التويجري، احتفظ بمنصبه الهام كوزير للحرس الوطني.
التويجري، بحسب مراقبين، فقد رجاله في التعديلات الأخيرة، إذ إنه كان رئيسًا للديوان الملكي، ورئيسًا لديوان مجلس الوزراء، والسكرتير الخاص ومستشارًا للملك الراحل، وأمينًا عامًا لهيئة البيعة، وكان بذلك مسيطرًا على مقاليد الأمور في المملكة.
كما تم تغيير وزراء العدل والشؤون الإسلامية والزراعة، إلا أنها لم تطل وزارات الخارجية والمالية والنفط. الإبقاء على وزير النفط يعكس رضا القيادة السعودية الجديدة عن السياسات النفطية التي تبناها علي النعيمي وزير البترول، والذي تسببت سياساته وضغطه في مجموعة أوبك بخفض أسعار النفط إلى حدها الأدنى منذ أكثر من ست سنوات، بعد أن رفض خفض الإنتاج السعودي، أما الإبقاء على وزير الخارجية سعود الفيصل، ففيه إشارة واضحة إلى دور الفيصل في العلاقات الخارجية للمملكة، لاسيما علاقته الهادئة مع إسرائيل.
وقام الملك سلمان بإعفاء رئيس المخابرات السابق، المقرب من دوائر صنع القرار الغربية، الأمير بندر بن سلطان، أمين عام مجلس الأمن الوطني من منصبه، وعزل الأمير خالد بن بندر بن عبد العزيز من منصبه كرئيس للاستخبارات العامة وتعيين الفريق خالد بن علي بن عبد الله بدلاً منه.
وبحسب الكاتب البريطاني ديفيد هيرست، فإن أيًا من خطط بندر لم تكن ناجعة، فبالإضافة إلى الفشل الواضح في سوريا ومصر، أبرم في اليمن، على سبيل المثال، تحالفًا مع الأعداء القدماء للسعوديين هناك، أي الحوثيين، ورغم ذلك فقد السعوديون كل ما لديهم من نفوذ في اليمن، الذي طالما اعتبروه ساحتهم الخلفية، وبسبب بندر لم تفقد السعودية كل تواصل ذي معنى مع إيران فحسب وإنما أيضًا مع تركيا.
ومن بين التكليفات الجديدة أيضًا تم تعيين الأمير منصور بن مقرن بن عبد العزيز مستشارًا في ديوان والده ولي العهد.
وشملت التعيينات أيضًا تعيين عبد العزيز بن سلمان بن عبد العزيز نائبًا لوزير البترول والثروة المعدنية، وإعفاء رئيس هيئة مكافحة الفساد من منصبه وتعيين خالد بن عبدالمحسن بن محمد المحيسن بدلاً منه، وإعفاء الدكتور عبداللطيف بن عبد العزيز بن عبد الرحمن آل الشيخ من منصبه كرئيس لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتعيين عبد الرحمن بن عبد الله بن محمد السند بدلاً منه.
ولم يحظ آل الشيخ برضا الإسلاميين ومحافظي المملكة الذين اتهموه بأنه جاء لغربلة جهاز الهيئة في عهد الملك الراحل، وهو ما عارضه المحافظون بشدة، أما السند فقد كان يشغل سابقًا منصب مدير الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، وحصل على الدكتوراة في الفقه المقارن من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وكانت الرسالة بعنوان “أحكام تقنية المعلومات”.
وعادة ما تتعرض الهيئة لانتقادات داخلية وخارجية بسبب ممارساتها التي توصف بأنها مخالفة لحقوق الإنسان، ويؤمن كثيرون أن الملك الراحل عبد الله كان قد حاول إبعاد “المتطرفين” عن المناصب المتنفذة في هيئة الأمر بالمعروف وفي هيئة كبار العلماء، إلا أن التعيينات الجديدة أثارت قلق البعض.
الخوارج يسابقون الزمن في محاولة لترسيخ انهم عائدون
ونحن ننتظر خلال ألايام القادمة
موقفا واضحا من خادم الحرمين
فالعودة للخلف ستكون كارثة
— قينان الغامدي (@qenanalghamdi) January 27, 2015
التقارب بين الوهابيين وآل سعود قد يُرى على أنه تدعيم لسلطة الملك الجديد، الذي يبدو أنه لن يسير على خطى سلفه من ناحية إقصاء المحافظين وتقريب ذوي التوجهات الأكثر ليبرالية. لكن هذا الحُكم لا يعضده تعيين مدير قناة العربية عادل الطريفي وزيرا للإعلام، والقناة معروفة بتوجهاتها الليبرالية، والمعادية للخط المحافظ داخل المملكة وخارجها.
وأعفى الملك سلمان، عبد العزيز بن محمد بن ناصر التويجري رئيس المؤسسة العامة للموانئ من منصبه وتعيين نبيل بن محمد العامودي، كما قرر إعفاء الشيخ محمد بن عبد الكريم العيسى من عضوية هيئة كبار العلماء، بعد أن تداول المتابعون أنباء حول استقالته من وزارة العدل.
كما أمر الملك بصرف راتب شهرين لكل موظفي الدولة، ولجميع طلاب وطالبات التعليم الحكومي داخل المملكة وخارجها، وصرف معاش شهرين للمتقاعدين وصرف مكافأة إعانة شهرين للمعاقين وصرف مبلغ ملياري ريال دعمًا للجمعيات المرخصة، دعم مجلس الجمعيات التعاونية بمبلغ مئتي مليون ريال، تقديم دعم مالي للجمعيات المهنية المتخصصة المرخص لها مقداره عشرة ملايين ريال لكل جمعية، ودعم كافة الأندية الأدبية المسجلة رسميًا بالمملكة بمبلغ عشرة ملايين ريال لكل نادٍ، وكذلك للأندية الرياضية.
وحتى الآن لا يتمتع الكثير من السعوديين بالخدمات الأساسية من الكهرباء والمياه، فقرر الملك سلمان بن عبدالعزيز اعتماد عشرين مليار ريال لتنفيذ خدمات الكهرباء والمياه. وقرر الملك أيضًا العفو عن السجناء في الحق العام، وترحيل غير السعوديين منهم، والتسديد عن المدينين في مبالغ مالية أقل من 500 ألف ريال.
مجموع ما أعلن الملك عن إنفاقه أمس بلغ أكثر من 110 مليار ريال، أو ما يوازي 30 مليار دولار، وهو ما رآه بعض المراقبين خطوة استباقية لتجنب إغضاب شرائح مختلفة من السعوديين في الأيام الأولى للملك الجديد.