بينما ازداد التوتر في الشارع المصري مؤخرًا منذ الذكرى الرابعة لثورة الخامس والعشرين من يناير، والذي أدى إلى عودة بعض التظاهرات الرافضة للانقلاب، يبدو أن سيناء هي الأخرى قد اشتعلت مجددًا بهجوم هو الأعنف منذ هجوم الرابع والعشرين من أكتوبر المنصرم في مدينة العريش، حيث قام مسلحون بالهجوم على أهداف تابعة للجيش والشرطة بسيناء مساء أمس وصباح اليوم، باستخدام قذائف الآر پي جيه والعربات المفخخة، ليقتلوا على الأقل 28 في هجمات متفرقة ومتزامنة، طبقًا للتصريحات الرسمية في مصر، وأكثر من 42 بحسب مصادر صحفية متفرقة.
في أول ردود الأفعال الرسمية، وجه المتحدث الرسمي باسم القوات المسلحة اللوم إلى جماعة الإخوان المسلمين عبر بيان نُشِر على صفحته على الفيسبوك، ولكن التصريحات التي أطلقتها جماعة أنصار بيت المقدس عن طريق تويتر وأعلنت فيها مسؤوليتها الكاملة لا تدع مجالًا للشك في هوية مرتكبي تلك الهجمات، لا سيما وجماعة الإخوان المسلمين، والتي تُعَد معاقلها الرئيسية في القاهرة والدلتا، لا تمتلك تلك القدرة على شن هجمات واسعة وعنيفة بهذا الشكل، على عكس أنصار بيت المقدس التي أعلنت ولاءها لداعش منذ أشهر وتتلقى منها دعمًا طبقًا لمصادر عدة، وتعتبر نفسها ولاية سيناء التابعة للدولة (داعش).
نص بيان داعش عن العمليات الإرهابية في سيناء مع صورتين@MaLek pic.twitter.com/aBzbRHryKO
— محمد الجارحي (@MGar7ey) January 31, 2015
https://www.facebook.com/Egy.Army.Spox/posts/608017975995855
تأتي تلك الهجمات في إطار الحملة العسكرية التي تشهدها شمال سيناء لمواجهة الإرهاب، خاصة بعد أن قامت أنصار بيت المقدس بعملية 24 أكتوبر التي أدت لمقتل 30 مجندًا، وهو ما أدى لفرض حظر التجوال في مساحات واسعة بالمحافظة، بما فيها العريش، لمدة ثلاثة أشهر (25 أكتوبر – 25 يناير) انتهت منذ أيام، ولكن تم تمديدها مرة أخرى في ذكرى الثورة، وهو حظر يعارضه الكثيرون من سكان المحافظة.
بدأ الهجوم الأول مساء الخميس بتفجير داخل الكتيبة 101 العسكرية في العريش، عاصمة محافظة شمال سيناء، وهو ما أدى إلى سقوط 25 قتيلًا وإصابة ما لا يقل عن 50 منهم مدنيين، بالإضافة إلى التدمير الكامل الذي لحق بفندق تابع للقوات المسلحة، وبمقر جريدة الأهرام الحكومية الواقع بمواجهة المنشآت العسكرية، والذي صرّحت الجريدة أنه تم تدميره بالكامل.
في غضون دقائق كان هناك ما لا يقل عن 20 سيارة إسعاف قد بدأت في حمل المصابين من القاعدة العسكرية للمستشفيات المجاورة التابعة للجيش، هذا وظهرت الطائرات الأباتشي بعد الهجوم لتحلق في سماء العريش فوق موقع الحادث.
لحق ذلك الهجوم مقتل رتبة كبيرة في الجيش المصري في رفح المصرية نظرًا للهجوم على كمينَين، وإصابة ستة أخرين بنقطة عسكرية، ثم انفجار قنبلة في إحدى طرقات مدينة السويس مما أدى إلى مقتل ضابط شرطة، ثم هجوم على نقطة عسكرية أخرى في العريش أدى لإصابة أربعة مجندين، طبقًا للمصادر الأمنية.
في صباح الجمعة، ذاعت أنباء عن مناوشات بين مسلحي بيت المقدس والجيش المصري في الشيخ الزويد، حيث تم استهداف ما لا يقل عن ثلاثة كمائن في المدينة، وقال شهود عيان بأن الاقتتال استمر لأكثر من ساعة وشهد تدمير كامل لعربة مصفحة تابعة للجيش المصري، كما ظهر فيديو على يوتيوب لتلك المناوشات إلا أن الموقع قام بحذفه لاحقا.
يقول محمد صبري، أحد قاطني مدينة العريش، والكاتب بموقع ميدل إيست آي، “سمعنا فجأة دوي انفجار في الثامنة والنصف مساءً بعد ساعة ونصف من بدء الحظر، ثم تبعه اثنان آخران، وكانت أصوات التفجيرات أشبه بالأصوات التي كنا نسمعها أثناء حرب غزة الأخيرة المجاورة لنا، وأدت لهزة عنيفة طالت منزلنا وكسّرت النوافذ فيه.. لاحقًا سمعنا أصوات إطلاق الرصاص، وكان البعض خائفًا من نقل المصابين لكيلا يُصاب هو الآخر، وكانت حصيلة المصابين حوالي 14 جراء الأضرار التي لحقت بالمنازل ومنها طفل رضيع كما سمعت.. يقول البعض أن المسلحين يحاولون تجنّب إصابة المدنيين باختيار توقيت كهذا بعد الحظر لا يكون فيه المدنيون بالشوارع، ولكن التوقيت في الحقيقة لا يسعفنا كثيرًا في نقل المصابين نظرًا لأننا قد نتعرّض لأخظار شديدة هنا جراء خرق الحظر المفروض أثناء نقلهم للمستشفيات، بل وقد نواجه القتل بطريقة أخرى.. “
يقول بعض المحللين أن ما جرى بالأمس هو تصعيد غير مسبوق من أنصار بيت المقدس، وتحدٍ للعمليات العسكرية الجارية الآن لدحر تلك الجماعة في سيناء، لا سيما وقد تمت هجماتها في ثلاث مدن وفي غضون ساعات، ونجحت في إصابة أهداف عسكرية وأمنية عدة، وفي تفادي إسقاط ضحايا من المدنيين قدر الإمكان، وهو دليل على اهتمام الجماعة بصورتها بين أهالي سيناء، والتي نجحت في استقطاب الكثيرين من شبابها لصفوفها، خاصة بعد تصعيد الجيش في الأشهر الأخيرة والذي أثار حفيظة السكان هناك.
من ناحية أخرى، قامت القوات المسلحة بتصعيد عملياتها مجددًا ماضية قدمًا في استراتيجيتها تجاه تلك الجماعة، والتي يقول المتحدث الرسمي بأنها حققت ضربات قوية في الأشهر الماضية، وأن هجمات الأمس واليوم ليست سوى دليلًا لمدى الغضب الذي تشعر به تجاه خسائرها مؤخرًا، هذا وقامت صباح اليوم طائرات الأباتشي المصرية بالتحليق مجددًا في سماء سيناء وأغارت على المواقع التي تعتقد القاهرة أنها بؤر لجماعة أنصار بيت المقدس.