ترجمة نضال عبدالرحمن وتحرير نون بوست
كُتب هذا المقال بواسطة إحدى المدُونات السعوديات والتي تخشى من محاكمتها بتهمة الإرهاب بسبب هذا المقال، لذلك فضلت نشره كمجهولة.
[النظام السعودي وحشي وظالم، لكنه يبقى في السلطة بسبب الاتفاق الديني الدائم]
لقد توفي الملك عبدالله الذي حكم البلاد منذ عام 2005 تحت ظل ظروف إقليمية سياسية واقتصادية واجتماعية حرجة، وقد ترأس نظامًا ينتهج عدم التسامح مع المعارضة، سواء كانت سلمية أم لا، سواء للتعبير عن آرائهم الناقدة للسياسة أو للمؤسسات الدينية، وقد حوكم آلاف من هؤلاء بالسجن أو بالمنع من السفر خارج البلاد، مثالاً على ذلك حالة الـ 11 عضوًا الذين حُكم عليهم بالسجن لفترة طويلة، وهم تابعون لمنظمة حقوق مدنية (حسم) تعمل على وضع حد للاعتقال التعسفي والسعي لتفعيل نظام ملكي دستوري.
لكن قادة الغرب كانوا دائمًا ما ينظرون إلى الملك عبدالله كصديق، في الواقع رئيسة صندوق النقد الدولي كرستيان لاجارد قالت عنه: “لقد كان مناصرًا قويًا للمرأة بطريقة حكيمة جدًا” – على الرغم من واقعة سجن امرأتين سعوديتين ناشطتين لقيادتهن السيارة بتهمة الإرهاب في أوائل ديسمبر الماضي – وفرض غرامات على وسائل الإعلام التي “تؤجج الرأي العام وتشوّه سمعة البلاد”.
هناك علامة صغيرة تشير إلى أن حقوق الإنسان في البلاد بدأت تتحسن قليلاً، وليد أبو الخير محامي رائف بدوي الذي حُكم عليه بالسجن لمدة 15 سنة وجُلد علنًا لإنشائه منظمة مستقلة لحقوق الإنسان، حُكم عليه بموجب القانون الجديد الذي يتعامل “تهم” التواصل مع المنظمات الدولية، أو إعادة تأويل النصوص المقدسة أو القرآن – أو حتى الإلحاد – كجريمة إرهاب!
الملكية المطلقة في السعودية تعني أن الملك لديه السلطة الوحيدة لتعيين المسؤولين واتخاذ القرارات السياسية، مما يعني أنه حرفيًا يصبح وصيًّا على رعاياه، لذا ينبغي أن يكون هو المسؤول الوحيد عن أي انتهاكات حقوقية يتعرض لها أحد رعاياه.
لكن في الواقع فوَض الملك صلاحياته: محليًّا إلى وزير الداخلية وخارجيًا إلى وزير الخارجية ، وتقسيم الصلاحيات هذا قد يترك المراقبين في حيرة، ففي الوقت الذي تم فيه تقييد حقوق الإنسان داخليا، خارجيًا شاركت المملكة في المسيرة العالمية مع قادة الدول في فرنسا هذا الشهر لإدانة العنف ضد حرية التعبير، وتحالفت أيضًا مع الدول الغربية ضد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) ، وأنشأت مركزًا عالميًا لحوار الأديان، وحظيت بمكانة بارزة في مجلس النساء التابع للأمم المتحدة.
ولكن هذه اللفتات لم تساعد النساء السعوديات، قلة منهن يشغلن مناصب عليا محدودة، ومعدل العاملات الإناث في السعودية يُشكل أحد أقل المعدلات في العالم، بالإضافة إلى أنهن لا يملكن حق السفر بشكل حر نظرًا لأن نظام الدولة يتحكم بذلك عن طريق نظام الوصاية.
الهرم السياسي والإداري في المملكة والملك الجديد سلمان يتحدثون عن أن التوجه إلى الديمقراطية والتحديث بشكل سريع قد يسبب زعزعة في بنية البلاد الدينية والعرقية، وفي غضون ساعات من تولي سلمان الحكم، قال: “سنواصل التمسك بالسياسات الصحيحة التي اتبعتها المملكة العربية السعودية منذ إنشائها”.
نائب ولي العهد الجديد الأمير محمد بن نايف، هو الثاني في الترتيب للوصول إلى العرش، تمت الإشادة به من قِبل الولايات المتحدة كأحد المهندسين لبرنامج إعادة تأهيل المتطرفين الدينيين، ولكن جذور أسباب التطرف واضحة: الناس الذين يُمنعون من المشاركة وتمثيل وطنهم كما يجب، يفرون إلى أراضي المنازعات هربًا من الاضطهاد، وبن نايف كان من أسباب ذلك؛ فقد كان رئيس الاستجواب والمسؤول عن قرارات سجن ومنع سفر رؤوس الليبراليين والمُصلحين، وعلى الرغم من أن هذا جعله يواجه انتقادات دولية قليلاً، إلا أنه بعد أيام من حبس ناشطتين سعوديتين لتحديهما حظر قياد السيارة ، تم استقباله من قِبل الرئيس باراك أوباما في المكتب البيضاوي في البيت الأبيض، ومن المفارقة وفقًا لتصريح البيت الأبيض أن الاثنين التقيا لمناقشة “نزع الأيدلوجية المتطرفة”.
يمكن القول إن بن نايف الآن هو أقوى رجل في السعودية ، إنه داهية في تقديم نفسه للعالم، ويجذب بلطف السكان المحافظين والمواكبين للقرن الـ21، بالإضافة إلى أنه يتحدث الإنجليزية بطلاقة وتم تدريبه في مكتب التحقيقات الفيدرالي وشرطة سكوتلانديارد.
ولكن داخل المملكة العربية السعودية هو ديكتاتور عتيد، لا يسمح للمواطنين بالتواجد بنفس الغرفة معه، وبعد طلب ناشطتين سعوديتين في السنة الماضية مقابلته، تم إحضارهما إلى غرفة فارغة مع كاميرتين في كلا الجانبين وتلفاز ذي شاشة ضخمة، حيث ظهر فيها وقام بالحديث معهما لمدة قصيرة.
إستراتيجية الأمير هي إبقاء سقف الحقوق المدنية منخفضًا، وتعزيز قوة الاتفاق مع المؤسسات الدينية الوهابية، بحيث تُبقي الحكومة الناس في المساجد وبالمقابل تبقى المساجد كحامي الحمى للعائلة الملكية، وللأسف يبدو أن خطته قد نجحت.
المصدر: الجارديان