يوم هادئ في المطرية

MB-protesters-at-Matariya-district-2

ترجمة وتحرير نون بوست من الفرنسية

يقع حيّ المطريّة في شمال شرقي القاهرة وهو حي فقير ولكن ليس لدرجة البؤس، وهنا يقوم الميكروباص والتوكتوك بإنزال وتحميل الركاب دون أدنى احترام لقواعد المرور.

إنه يوم العطلة الأسبوعية، عند منتصف النهار وكما هو الحال في كل أنحاء مصر يتوجه أغلب السكان إلى لمسجد لآداء الصلاة جماعةً، الطقس صاف مع بعض الرياح والبرودة، عند جانبي الشارع الكبير المسمى “شارع الحرية” تصطف مبان صغيرة مكونة من طابقين أو ثلاثة ومتاهة من الأزقة الغير معبدة التي لا يتجاوز عرضها المترين أو ثلاثة المؤدية لقلب الحيّ، في الساحة المركزيّة وفي محيط المسجد الرئيسي، تقف العربات المصفحة وبجانبها أفراد الشرطة الملثمين وضابط بزي مدني يتمشى حاملاً بندقية مضحكة تذكّرنا ماسورتها البالغ طولها حوالي المتر بفيلم غربي قديم، ولكن هذه البندقية يمكن أن تطلق رصاصًا حقيقيًّا، رغم أن المارة يحاولون تجاهل هذا الحضور الأمني.

هنا كما في بقية الأماكن، المساجد الصغيرة كثيرة، يُنصت المصلّون لخطبة الإمام الذي يخضع بدوره لرقابة شديدة، ويؤدون الصلاة وبعضهم يصلّي في الشارع مفترشًا جريدة أو زربيّة، وما إن تنتهي الصلاة وتبدأ جحافل المصلين بالتدفق للخارج حتى ترتفع الصيحات ويتجمع مائتان أو ثلاثمائة شخص، المشاركون أغلبهم من الرجال وهم شباب تغمرهم الثّقة وفيهم من يشعر بالسعادة لأنه يعبّر عن رأيه، ومعهم مجموعة من الشابات تشجعهم وترفع شعارات “رابعة”  شعار اعتصام الإخوان المسلمين، وأحدهم يحمل صورة الرئيس السابق محمد مرسي، ولكن هذه الأجواء السلمية خادعة، هنا يعلم الجميع أن الشرطة يمكن أن تطلق النار بهدف القتل في أي وقت، أو تنطلق رصاصة قناص لتردي أحدهم، أو يقوم ضابط يرتدي الزي المدني بإخراج سلاحه وقتل متظاهر دون أن يخضع لأي محاسبة، فذكريات الأسبوع السابق مازالت تخيم على الأذهان.

خلال يومي الخامس والعشرين والسادس والعشرين من يناير أثناء الذّكرى الرابعة للثورة، عرف الحي نوعًا من الانتفاضة، فقد خرج تمامًا عن سيطرة قوات الأمن المركزي التي حاولت ملاحقة واعتقال المتظاهرين فوجدت نفسها تائهة في الأزقة، واستوجب الأمر ثمانية وأربعين ساعة وخمسة عشر قتيلاً لاستعادة النظام ولم يبق من ذاك الزّحام سوى عربة “شيفروليه” بها آثار الطلق الناري ألمحها رابضة في المكان.

اتّهم الإعلام الحكومي والخاص الإخوان بإطلاق النار على الشرطة وادّعى بأن الأهالي تصدوا للمتظاهرين كالعادة، ويجب قراءة الصحف الإلكترونية الناطقة بالإنجليزية للحصول على قراءة مختلفة قليلاً للأحداث، مثل مقال أدهم يوسف بعنوان “جمهورية المطرية” في صحيفة الأخبار اليومّة الصادر يوم ستة وعشرين يناير.

في الحقيقة، ما لاحظته اليوم هو أن مواقف الأهالي تتأرجح بين التعاطف والتصفيق واللامبالاة، ولكن لا تسمع أي تعليق مساند للنظام،  ولا نشعر بوجود المخابرات، جهاز الشرطة السرية المخيف، كأني بالسلطة خرجت تمامًا من يد النظام الحاكم في هذه المنطقة المستعصية، ولكن الأهم بالنسبة للنّظام هو ما يحدث في وسط المدينة تحت عدسات الإعلام العالمي.

في قلب المدينة قُتِلت الناشطة شيماء الصباغ بدم بارد على يد شرطي، الجريمة تم تصويرها مباشرة ووجه الضحية جال العالم أجمع، ربما لهذا السبب تم التسامح مع مظاهرة التنديد بمقتلها رغم أن التظاهر ممنوع، فكتبت صحيفة مدى مصر يوم 29 يناير “مظاهرة نسوية للتنديد بمقتل الناشطة تنتهي سلميًّا”، رغم أن إحدى المتظاهرات قالت إن شرطيًّا هددها قائلاً “سنقتلكم”.

حتى أحمد النجار مدير الصحيفة اليومية الحكومية الأهرام كتب على “أهرام أونلاين” يوم 28 يناير نصًا مطوّلاً للتأسف على موتها بعنوان “دم شيماء والحلم المهدد بين الدولة والثورة”، في المقابل فإن قتلى المطرية الذين بلغ عددهم خمسة عشر بحسب الأهالي ليس لهم وجه، فهم فقراء، بل والأفظع من ذلك ربما هم إسلاميون.

يبدو أن الأحداث الدموية التي شهدناها الأسبوع الفارط لم تؤثر في عزيمة الشباب ولا في عزيمة الشابات اللاتي كن بالطبع متحجبات، ولكن لا تعوزهن الشجاعة، كانوا يرددون الشعارات مع لحن مصاحب بالتصفيق في مشهد إبداعي يعيد للأذهان ثورة يناير 2011، وسط أهازيج تؤكد حضور الإخوان المسلمين وأخرى تؤكد حضور الأولتراس وهي مجموعات من مشجعي كرة القدم التي تلعب دورًا نشطًا في التظاهر ضد النظام العسكري، الكلّ هنا توحّدهم نقمة كبيرة على الشرطة والجيش ناجمة في بعض الحالات عن التعذيب في أقسام الشرطة وهو نفس الشعور الذي كان قد حرك ثورة يناير – فبراير 2011 ولايزال متواصلاً.

“الشرطة والجيش.. إيد وسخة” شعار طريف باللهجة المصرية يطلقه المتظاهرون ردًا على شعار “الشرطة والجيش والشعب إيد واحدة”، وهناك أيضًا متظاهرون آخرون يشيرون إلى “غربان الشؤم التي حلت بديارهم” وأخرون يهتفون “يا ضابط ليه قتلت أختي ؟”.

لم تكد تمر عشرون دقيقة حتى وصلت مصفحات الأمن المركزي فتفرق الجمع على الشوارع المجاورة وواصلوا الهتاف، كانت هناك امرأة شابة ترتدي البرتقالي تواصل التقاط الصور وسط تواصل للهتافات الدينية من قبيل  “لن تركع أمة قائدها محمد”، إلا أن الشّرطة لم تخاطر بملاحقتهم، في النهاية،  كل المظاهرات الجانبية التي جابت أزقة الحي انتهت في كنف الهدوء، ولكن إلى متى الهدوء؟

إضافة يوم 31 يناير

كما هو متوقع صحف هذا الصباح تلفق الأكاذيب حول ما حصل بالأمس، صحيح أن عدد المتظاهرين تناقص نسبيًّا، ولكن لم تكن هناك مواجهات بين المتظاهرين والأهالي، كما ادعت صحيفة “الشروق” في صفحتها الثانية، رغم أنها تعد من الأقلّ سوءًا بين الصحف اليومية، أما “المصري اليوم” فأّكدت أن المتظاهرين طالبوا بعودة مرسي، وهو أمر لم أسمعه منهم أبدًا.

المصدر: موند ديبلو