أطلق أخيراً سراح صحفي شبكة الجزيرة الإنجليزية بيتر غريستي بعد أربعمائة يوم من الاعتقال في السجون المصرية. كم أنا سعيد بذلك. لقد كان اعتقال صحفيي الجزيرة الثلاثة مثالاً صارخاً على تردي حرية الصحافة في البلاد.
كان الرجال الثلاثة قد اعتقلوا بينما كانوا يقومون بواجبهم المهني، إلا أن المحكمة أصدرت حكماً بسجنهم بتهمة نشر الأكاذيب وتشويه صورة مصر.
إلا أن فرحتنا بإطلاق سراح بيتر غريستي لم تكتمل، فما زال الصحفيان الآخران قيد الاعتقال. ولقد تردد أن محمد فهمي، الذي يحمل الجنسية الكندية والجنسية المصرية، طلب منه التخلي عن جنسيته المصرية حتى يتسنى إبعاده إلى كندا. أما الصحفي الثالث باهر محمد، فلا يحمل جنسية أجنبية ولا يلوح في الأفق إطلاق سراحه.
تمييز المحكمة في التعامل معه كان واضحاً منذ اليوم الأول، فبينما صدر بحق زميليه حكم بالسجن سبع سنوات لكل منهما، فقد صدر بحقه حكم بالسجن عشرة أعوام. والحقيقة أن اعتقال الصحفيين المصريين بات الآن أمراً معتاداً في مناخ من القمع والتقييدات لم يكن موجوداً حتى في زمن الدكتاتور السابق حسني مبارك.
منذ الانقلاب الذي أطاح بالرئيس محمد مرسي في تموز/ يوليو من عام 2013 ووصول قائد القوات المسلحة السابق عبد الفتاح السيسي إلى السلطة، جرى اعتقال العشرات من الصحفيين، وقتل ستة منهم في العام الماضي وحده. وبناء على ذلك، فقد صنفت لجنة حماية الصحفيين مصر في المرتبة الثالثة من بين أشد بلدان العالم خطورة.
حظيت معاناة صحفيي الجزيرة بتغطية دولية كثيفة، وعلت أصوات كثير من الشخصيات الهامة والنافذة حول العالم مطالبة بإطلاق سراحهم، وعلى رأس قائمة من صدح بذلك الرئيس الأمريكي باراك أوباما. كما أنه بادر في الوقت نفسه المئات من الصحفيين ونشطاء ومنظمات حقوق الإنسان، بإطلاق حملة دولية ضخمة للتضامن مع المعتقلين.
من الأهمية بمكان ألا تتوقف هذه الحملة عند إطلاق سراح واحد من صحفيي الجزيرة الثلاثة، بل يجدر بها أن تستمر إلى أن يتم إطلاق سراح آخر صحفي مصري معتقل في سجون النظام.
ينبغي أن يعمم الموقف الأخلاقي الذي وقفه العالم تجاه صحفيي الجزيرة ليشمل كافة الصحفيين المعتقلين، وخاصة أولئك الذي يستمر احتجازهم في مصر. فالمصريون منهم ليس لديهم سفارات أجنبية تطالب بإطلاق سراحهم ولا حكومات تثير قضاياهم وترفع عقيرتها دفاعاً عنهم. للأسف، لا نشهد حراكاً مشابهاً للاحتجاج على استمرار احتجازهم.
لا ينبغي أن نميز بين صحفي غربي وصحفي مصري، فجميعهم احتجزوا بسبب ممارستهم لحرية التعبير، ولذلك فهم يستحقون منا كل الدعم والتضامن.
وهناك أيضاً قضية الإعلام المصري. فمن خلال الإعلان عن أنه في حرب شاملة ومفتوحة مع ما يسميه الإرهاب، يأمل النظام المصري في استمالة تعاطف ودعم الحكومات الغربية، وشعر بأن بإمكانه تبرير التضحية بحقوق الإنسان والحريات لأن الحرب على الإرهاب تتطلب وضع حد لكل الانتقادات الموجهة إلى النظام، كما يزعم. لا يجوز بحال أن تنطلي على أحد هذه التمثيلية المصطنعة، والتي ما فتئت العديد من الأنظمة العربية ترددها منذ أحداث الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر.
والأخطر من التوقيف والاحتجاز هو استخدام وسائل الإعلام ضد المعارضين السياسيين للنظام وتحويل محطات التلفزيون والصحف إلى أسلحة تشهر في وجوههم. ففي تشرين الثاني/ أكتوبر 2014، وقع سبعة عشر محرراً وثيقة تعهدوا من خلالها بعدم انتقاد الجيش المصري لأنه كان يخوض حرباً ضد الإرهاب ولأنه ينبغي إذ ذاك توقف جميع النقد الموجه إلى مؤسسات الدولة وأجهزتها.
لقد أغضبت هذه الخطوة المئات من الصحفيين الذين وقعوا على بيان ينتقدون فيه خضوع المحررين للضغط الممارس عليهم من قبل النظام. إلا أن المؤسسات الإعلامية التي يعملون فيها أجبرتهم على الالتزام بالتعليمات الواردة من النظام. في حالات نادرة، حاول مقدمو البرامج تناول قضايا حساسة إلا أنهم أوقفوا على الهواء بينما كانوا يقدمون برامجهم.
عندما حاول وائل الأبراشي، الذي يعمل في قناة دريم – وهي محطة داعمة للنظام، التطرق لقضايا الفساد في وزارتي الصحة والتعليم أطفئت عليه أنوار الاستديو.
باتت الصحافة في مصر اليوم رهينة في أيدي النظام – مهمتها خلق مناخ من الرعب الذي يغذي في نهاية المطاف التطرف والعنف وضيق الأفق السياسي.
وعد الربيع العربي بتعبيد الطريق أمام التغيير السلمي، وخاصة بين جيل الشباب. إلا أن ذلك الحلم قد تبدد، وحل محله كابوس يتمثل في وضع يمكّن فيه للتطرف.
كان رائعاً أن نسمع عن إطلاق سراح غريستي من السجن المصري، إلا أن من الواجب الآن على كل أولئك الذين تهمهم حرية التعبير الاستمرار في حملتهم للدفاع عن الصحفيين المصريين ولإنقاذ الإعلام المصري.
سيبقى ذلك واجباً أخلاقياً مناطاً بنا والتزاماً إنسانياً. إذا قمنا بذلك، فحينها ستكتمل فرحتنا.