انطلقت مشاورات تشكيل الحكومة التي طال انتظارها في تونس بتعيين الحبيب الصيد مُكلّفا برئاستها، ليفشل في حشد الدعم للتركيبة الأولى التي أعلنها منذ أسبوعين، ثم لينطلق في مشاورات جديدة وسّعت نظريًا القاعدة السياسية لحكومته بإشراك حزب حركة النهضة (محافظ، 69 مقعدًا في مجلس النواب) وآفاق تونس (ليبرالي، 9 مقاعد)، بالإضافة للأطراف المشاركة في النّسخة الأولى، وهي تباعًا حزب نداء تونس والحزب الوطني الحر ومستقلّون يغلب عليهم التوجه اليساري.
فكيف تفاعل الطيف السياسي مع حكومة الصيد في إصدارها الجديد؟
حركة النهضة تُرحب
قد تكون حركة النهضة الأكثر سعادة بهذه التشكيلة رغم التمثيل البسيط والذي لا يتماشى مع وزنها السياسي والشعبي (حقيبة التشغيل بالإضافة إلى 3 كتاب دولة) باعتبار أنها نجحت في أن تبقى في الصورة رغم تظافر العديد من العوامل والقوى داخليًا وخارجيًا من أجل استثنائها من التشكيل الحكومي ولسان حالها يقول: “قلنا من الأول حكومة وحدة وطنيّة .. ما سمعتوش الكلام”.
رسميًا، صرح عبد اللطيف المكي، القيادي بحركة النهضة بأن هذه الحكومة ليست الحكومة التي أرادتها النهضة والنهضة كانت تتمنى أن تكون ممثلة بأكثر من وزير في حكومة الحبيب الصيد، كما أضاف “في العموم، النهضة وافقت على الحكومة وهناك آراء مختلفة داخل الحزب ونفسه الشيخ راشد الغنوشي كان يفضل المزيد من التحسين وموقف الحركة لا يخلو من الملاحظات، فقد طالبنا منذ البداية بحكومة وحدة وطنية فيها شراكة سياسية، فالنهضة ليست في القيادة السياسية للحكومة ولا يمكنها إبداء رأي عام في الشأن الوطني بما أنها ستكون ممثلة بوزير فقط في مجلس الوزراء.”
وقال المكي أيضًا إن “ما تم الاتفاق عليه في اجتماعات جمعت النهضة بالحبيب الصيد وبرئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي تُرجم في مشاركة النهضة في الحكومة”، وأن كل من دافع على تشريك حركة النهضة في الحكومة يطمح لخلق ثقافة جديدة تقطع مع الإقصاء، وتلك ثقافة الحركة وهناك توجه لدعم حكومة الصيد ومنحها الثقة، لكن هناك بعض المستقلين من النواب والذين لا تلزمهم قرارات الشورى ستجتمع معهم الحركة عشية اليوم للحديث في ذلك.
من جهته صرح زياد لعذاري، الناطق الرسمي لحركة النهضة والمرشح لحقيبة التشغيل والتكوين المهني، بأن مسار تكوين الحكومة لم يكن اقتسامًا للكعكة بل تم البحث عن الوفاق، وبأن حركة النّهضة كانت تأمل أن تتواجد الجبهة الشعبية وغيرها من الكتل وأن حركة النّهضة لا تبحث عن الأوزان والأحجام بل هي، بهذه المشاركة الرمزية، تبحث عن دعم الوفاق والاستقرار في البلاد ولذلك لم تكن تبحث عما يليق بوزنها .
نداء تونس ينفي الانقسام
رجح رئيس كتلة نداء تونس في مجلس نواب الشعب محمد الفاضل بن عمران، أن تحظى حكومة الحبيب الصيد بأغلبية مريحة بالنظر إلى التمثيل البرلماني للأحزاب السياسية المشاركة فيها، وأكد في تصريح إعلامي أمس الإثنين، بقصر باردو أن تكثيف المشاورات يدخل في باب البحث عن أقصى قدر ممكن من التوافق حول تركيبة الحكومة في إطار سياسة الوفاق التي انتهجتها البلاد خلال الفترة الماضية، وبخصوص إمكانية خروج بعض نواب حركة نداء تونس عن كتلتهم والتصويت ضد الحكومة احتجاجًا على تشريك حركة النهضة فيها نفى بن عمران وجود انقسامات في صلب الحركة، مبررًا بعض المواقف المعلنة في هذا الشأن باحتجاج بعض نواب الحركة على عدم تواجدهم ضمن تركيبة الحكومة وفق تقديره، من ناحيته عبر الأزهر العكرمي المرشح لمنصب الوزير المكلف بالعلاقات مع مجلس نواب الشعب في حكومة الصيد عن تفاؤله بالتوافق الحاصل حول الحكومة والذى سيتبعه توافق طيف هام من القوى السياسية داخل مجلس نواب الشعب في اتجاه منحها الثقة.
وعلى عكس ما صرح به رئيس كتلة النداء، ورغم أن السبسي حسم من قرطاج في تشكيلة الحكومة (تواجد النهضة رغم بيان المكتب السياسي للنداء الرافض لتشريكها خير دليل)، تواصلت الاحتجاجات من طرف الوجوه اليسارية داخل الحزب الحاكم على تشريك النهضة خاصة مع ما راج في الكواليس من اعتذار سعيد العايدي وتهديد البكوش هو الآخر برفض وزارة الخارجية وحسب بعض الأخبار في انتظار التأكيد، سيعقد النائبان عن حزب نداء تونس، خميس كسيلة وعبد العزيز القطي، ندوة صحفية في بهو مجلس نواب الشعب تزامنًا مع الجلسة العامة التي ستناقش فيها تركيبة الحكومة، لإعلان موقفيهما من التشكيلة الحكومية التي أعلن عنها رئيس الوزراء المكلف الحبيب الصيد وللحديث عن الأوضاع والأجواء داخل “نداء تونس”، ومن المنتظر أن يشهد المؤتمر الصحفي الإعلان عن مفاجآت .
آفاق تونس
اعتبر الأمين العام لحزب آفاق تونس ونائب الحزب بمجلس نواب الشعب ياسين إبراهيم، أن وجود حركة النهضة في الحكومة إلى جانب طيف هام من القوى السياسية من شأنه أن يساهم في تفادي التجاذبات السياسية وفي تحقيق الاستقرار السياسي الذي سيكون معطى إيجابيًا لإنقاذ البلاد، وأكد إبراهيم أن حزب آفاق تونس متمسك بموقفه المتمثل في أن تكون الحكومة مفتوحة لكافة الأطراف، حيث يكون البعض حلفاء على غرار نداء تونس وآفاق والاتحاد الوطني الحر وأن يكون البقية شركاء مثل حركة النهضة، وذكر إبراهيم أن الحزب تناول خلال المشاورات مع الحبيب الصيد طيلة الأسبوع المنقضي العديد من الملفات الاجتماعية والاقتصادية ذات الأولوية والتي لابد من دراستها وإيجاد حلول لها خلال السنوات الثلاث المقبلة وذلك للخروج بتشكيلة حكومية مناسبة تحظى بثقة النواب.
حزب المُبادرة مستاء
عبّر حزب المبادرة الوطنية الدستورية عن استيائه من عدم إدراج من يمثله في حكومة الحبيب الصيد، معتبرًا ذلك إقصاء للعائلة الدستورية، وأضاف الحزب في بيان له أنه تم إقصاؤه في التركيبتين الأولى والثانية لحكومة الحبيب الصيد رغم مشاركته في وضع برنامجها، مشيرًا إلى أنه قرّر القيام بمزيد المشاورات مع أعضائه ومع نواب الحزب في مجلس نواب الشعب قبل اتخاذ الموقف النهائي من هذه الحكومة.
وقد صرح كمال مرجان، رئيس الحزب، بأن “كل العائلة الدستورية وقع إقصاؤها بما في ذلك المنتمين لحزب نداء تونس، وحزب المبادرة لم يقرّر بعد منح الثقة من عدمها لحكومة الصيد”، ليُضيف “لم يُطلب مني تولي أي منصب في الحكومة وحتى لو طُلب مني ذلك فإني لم أكن لأقبل، كما أن الحزب مستاء ليس من أجل عدم التشريك في الحكومة، وإنما بسبب طريقة التعامل خاصة بعد المشاورات الناجحة التي خاضها الحزب مع نداء تونس والصيد حول التركيبة والبرنامج.”
الجبهة الشعبية ترفض
قال المنجي الرحوي النائب في مجلس الشعب عن الجبهة الشعبية بأن قرار عدم منح الثقة للحكومة نهائي؛ بما أنّها لم تحترم شرطين أساسيين كانا قد اشترطتهما الجبهة على الحبيب الصيد وهي عدم مشاركة بقايا نظام بن علي وأيضًا عدم مشاركة حركة النهضة في الحكومة.
كما اعتبر الرحوي أن هذه الحكومة هي إعادة إنتاج لمنظومات سابقة أثبتت فشلها وعداءها للشعب، مستشهدًا بوزير الداخلية الناجم الغرسلي الذي قال إنه من المحسوبين على نظام بن علي ويجب أن يسقط بكل الأشكال، ذلك أنه يعتبره إهانة مباشرة للثورة.
وأشار الرحوي أنه تم زيادة فقرة على المقاس في التعريف بالمعارضة في مجلس النواب، ذلك أن حركة النهضة بإمكانها الانضمام إلى المعارضة بعد فترة.
نعم ستمر .. ولكن بأي أفق؟
بتشريك حركة النّهضة وآفاق تونس، تصبح الحكومة مدعومة بأربع كتل من أصل الخمس الأولى في المجلس، ورغم أن بعض نواب الحزب الحاكم (نداء تونس)، قد يصوتون ضد حكومتهم احتجاجًا على الحضور الرمزي لحركة النهضة عبر وزارة وحيدة في حجم القنبلة الموقوتة، وهي وزارة التشغيل، إلاّ أن الإصدار الجديد لحكومة الصيد سيحظى بتزكية مريحة رغم كل ما شابها ويشوبها من تساؤلات حول البرامج والتوجهات.
الثابت أنها ستمر ولكن ضمن أي أفق؟ كم سيكون عمرها المتوقع بعد إقرارها؟ سياسيًا، ما هي مهمتها؟ وهل ستمثل خطوة نحو الأمام في إطار التسوية بين المحافظين وورثة النظام القديم؟