لقد عاشت القارة الأفريقية عصورًا من الظلام والاستبداد قبل الرسالة المحمدية، وإلى أن دخلت الدعوة الإسلامية ربوع أفريقيا أضاءت لها شموعًا منطفئة ومصابيح معطلة، وأنارت لها طريقها المظلم، وعاشت معظم البلاد الأفريقية في رخاء ويسر إلى أن جاءت حركة ما عُرف بالكشوف الجغرافية في التاريخ على يد الغرب الأوروبي الفقير آنذاك.
وبدأ ما عُرف بعد ذلك بالحركات الاستعمارية والتي عاثت في الأرض فسادًا ونهبت الثروات وخربت الديار، والأهم والأدهى أنها فرقّت بين شمل الأمة الواحدة وجعلت الكل يسعى ويثور من خلال نعرات قومية وأيديولوجيات عقيمة لا تسمن ولا تغني من جوع، بعدما كانت تقوم على أسس عقائدية.
فأعتقد أن تلك الحالة التي يرثى لها في قارة أفريقيا ويشملها العالم العربي وبقية أنحاء العالم الإسلامي، إنما وجدت بهوان وضعف واستكانة الخلافة الإسلامية العثمانية، ثم بانهيارها؛ تمزقت الأمة الواحدة وأصبح كل حزب بما لديهم فرحين.
إن دول أوروبا الاستعمارية بدأت في أواخر القرن التاسع عشر في حركة سباق على القارة الأفريقية سُمِّيت بـ “التدافع على أفريقيا” لأنه كان سباقًا مسعورًا مستميتًا، وبعد انتهاء هذا الاستعمار الأول والذي كان من أدواته الغُزاة والمُنصِّرين (حركات التنصير)، بدأ استعمار آخر بأدوات أخرى لهذا التدافع الجديد من أبناء البلد الواحد الذين نشأوا وترعرعوا فى أحضان أوروبا وأفكارها الاستعمارية.
إن أفريقيا بعد الاستقلال العسكري من الاحتلال الأوروبي أصبحت كما يقول الجغرافى الفذ جمال حمدان واصفًا الأوضاع السياسية في أفريقيا بعد هذا الاستقلال المزعوم: “إن التقسيم السياسي الحالي هو المحصلة النهائية لتاريخ اصطناعي بحت، ولهذا فهو نمط مفروض من الخارج، وليس نبتًا داخليًا أو انبثاقًا طبيعيًا من أسفل، فالدول الأفريقية في معظمها ليست نتيجة توسع تاريخى لمجتمعات سياسية في أوطان طبيعية ولكنه نتيجة توسع قوى دخيلة في فراغات سياسية، فالدول الحالية لم تحدد بالنمو من الداخل، بل بالتجزئة من الخارج، ولذلك لا تمثل أوطانًا وأممًا حقيقية بل مجرد رُقع وسكان” [1].
إن الاستعمار الأوروبى صنع من قارة أفريقيا نموذجًا فريدًا من حالة عدم الاستقرار السكاني، حيث قامت الهجرة من وإلى القارة الأفريقية بشكل متفرد، حيث كانت الهجرة الخارجية تقوم على حملات التهجير القسري وذلك بتهجير عشرات الملايين إلى ما يسمى بالعالم الجديد، وهذا ما أدى إلى تناقص سكاني خطير أو بالأحرى إبادة للشعوب الأفريقية، أما عن الهجرة الداخلية فقد فرض الاستعمار الأوروبي بضعة ملايين من الدخلاء الأوروبيين ليكون استعمارًا سكانيًا أصاب حيوية القارة.
وعلى الجانب الاقتصادي نجد أن الاحتلال الأوروبي قد استنزف – ولايزال – خيرات القارة الأفريقية، وبخضوع القارة بكل ما يعنى من أنماط الإنتاج والتسويق والتصدير، وكل ما يحمل من اقتصاديات تابعة ومشاكل تنمية.
إن العالم الغربي يريد لأفريقيا أن تظل متخلفة، فقيرة، محرومة، متناحرة ، متنازعة، يحارب بعضها البعض، يقتل بعضها البعض، ويقدم لها أدوات التدمير بسخاء [2]، وعلى إثر ذلك فإن العالم الغربى يريد لأفريقيا أن تموت.
ومن هذا المنطلق أرجو المقارنة بين أحوال البلاد الأفريقية في ظل الوجود الإسلامي والممالك التي حكمت وفق شريعته وبين الحياة في ظل الاحتلال الأوروبي وما بعده من اتباع لأساليبه التي تُستخف بها العقول.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] جمال حمدان، أفريقيا الجديدة (دراسة فى الجغرافيا السياسية) ، ص 395.
[2] جمال عبد الهادى، أفريقيا يراد لها أن تموت جوعًا ، ص 5.