بقاء إجباريّ، أو خروج بلا عودة

لأنه لم يبق الكثير من سكان المدن الغربية لمحافظة الأنبار، مدن (عنة، راوه، القائم )، إذ غادر أغلبهم مدنهم وهجروها بعد أن ازدادت معاناتهم، بين ضغوط داعش وتشريعاتها التي تقيّد وتسيء وتضّر حريات المواطنين، وعنفها تجاه كل من يرفض فكرها، وبين سوء الأحوال الاقتصادية والمعيشية، وتوقف الأعمال وتعطّل وصول الرواتب للموظفين العاطل أغلبهم عن العمل، وارتفاع أسعار كل شيء ارتفاعًا كبيرًا!
هذا إن لم تقم داعش بتهجيرهم قسرًا، بين من المنتمين للجيش والشرطة والوظائف التابعة لوزارة الداخلية، أو العاملين في النشاط المدنيّ ومساعدة النازحين، وحتى المنتمين للأحزاب باختلافاتها، إنها باختصار، حرب على كل من يعمل في وظيفة حكومية، ضد كل من في قلبه ذرة شك في عدل داعش وأحقية وجودها!
إذن .. كان على داعش أن تعمل على إبقاء السكّان، فمن ستحكم إن رحلوا؟ وعلى من تفرض قوانينها وضد من توجه أسلحتها، على من تفرّغ شهوتها للسلطة؟!
كان اليوم قرارها بألا يُسمح لأحد بالخروج من هذه المدن إلا بتصريح من داعش، وكفالة أحد سكان المدينة له، (السكان المنضويون تحت لواء داعش)، وهي بالتأكيد لن تسمح للجميع بالخروج، ولن يجرؤ الكثير من الناس على الخروج، إذ ستواجههم أسئلة وتحقيقات كثيرة، لماذا الخروج الآن؟ ما الداعي لذلك؟ وربما سيكون من سوء حظ المواطن إن طلب إذنًا بالخروج وكانت تدور حوله علامات استفهام أو اتهامات ما، فقد يكون مصيره الخروج فعلاً! نعم .. أعني الخروج من الحياة!
ليس هذا القرار جديدًا، إذ إن داعش تخاف من خروج السكان من مدنهم خشية انضمامهم للقوّات التي تتدرّب في قاعدة الأسد أو الحبانية لأجل مقاتلتها، فقد تكررت حوادث اعتقال لأشخاص غادروا المدن لفترات ثم عادوا، ويوم عودتهم قامت داعش باعتقالهم وتعذيبهم والتحقيق معهم خشية أن يكونوا تدرّبوا أو انضموا لقوات تحاربها وتتعاون للتخلص منها!
وليس هذا فحسب، الأمر بأخذ تصريح ليس أوّل ما تشرّعه داعش منعًا لخروج المواطنين من مدنهم، إذ إنها بلّغت كل المعلمين والمدرسين، أنهم في حال خروجهم من المدن ستصادر بيوتهم وتصبح “وقفًا” للدولة الاسلامية وملكًا لها، فمن لا يعمل من أجل “إعلاء راية الدولة” لا مكان له على “أرضها”! ثم شمل هذا القرار كل الوظائف الأخرى أيضًا، خروجك خسارة لأرضك وبيتك، وبقاؤك موتٌ بطيءٌ أو سريع!
وما بين قرارات وتشريعات داعش، والحياة في أرض تحكمها، وظروف اقتصادية سيئة جدًا، أو الخروج والتعرّض لخطر الطرق المريرة والوعرة ، موتٌ آخر! وللمواطن حرية الاختيار.