انعقدت الدورة العادية الرابعة والعشرين للاتحاد الأفريقي في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا بحضور زعماء الدول الأفريقية وفي أجنداتهم ملفات حارقة كمحاولات القضاء على وباء الإيبولا بالإضافة إلى ملف بوكو حرام وما يسمّى بالحرب على الإرهاب، وقد انطلقت الأشغال يوم الجمعة الفارط بالتقاط صورة جماعية لرؤساء الدول وبكلمات افتتاحية لكل من الرئيس محمد ولد عبد العزيز الرئيس المغادر للاتحاد الأفريقي، الدكتورة نكوسازانا دلاميني زوما رئيسة مفوضية الاتحاد الأفريقي، بان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة وممثّل نبيل العربي الأمين العام لجامعة الدول العربية، سام كوتيسا وزير خارجية جمهورية أوغندا ورئيس الدورة التاسعة والستين للجمعية العامة للأمم المتحدة، ومحمود عباس رئيس دولة فلسطين ورئيس منظمة التحرير الفلسطينية.
بالإضافة إلى كلمات رؤساء الدول والحكومات المنتخبين حديثًا من كل من تونس وموريشيوس وموزمبيق وزامبيا ومالاوي وليبيا، وقد احتضنت قاعة “نيلسون مانديلا” للمُؤتمرات مداولات المؤتمر إلى حين الإعلان عن البيان الختامي.
الحضور العربي
توزع التمثيل العربي في هذه القمة بين وفود رسمية قادها رُؤساء الدول مثل وفد موريتانيا (محمد ولد عبد العزيز) وتونس (الباجي قائد السبسي) ومصر (السيسي)، وأخرى ناب فيها الوزير الأول رئيس الدول كالجزائر التي جعلت على رأس وفدها وزيرها الأول عبد المالك سلال، وليبيا التي مثّلها وزير خارجيتها في حكومة برلمان طبرق محمد الدايري، في حين تواصلت مُقاطعة المغرب لفعاليّات هذه المنظّمة القارية التي انسحب منها عام 1984 احتجاجًا على اعتراف المنظمة بما يسمى “الجمهورية الصحراوية”.
بالإضافة إلى ممثلي الدول العربية الأفريقية، شارك محمود عباس، رئيس السلطة الفلسطينية في هذه القمة، كما سجلت جامعة الدول العربية حضورها عبر نائب الأمين العام للجامعة العربية السفير أحمد بن حلي نيابة عن الأمين العام نبيل العربي.
خلال الكلمة الافتتاحية، قال محمود عباس ‘إننا نعتز بعلاقات الصداقة التي تربطنا بدول وشعوب القارة الأفريقية، والتي ومنذ استقلالها هي محل اعتزازنا وثقتنا، ونعول عليهم اليوم لدعم تطلعات شعبنا الفلسطيني، لتمكينه من نيل حريته، وتكريس استقلاله واقعًا ملموسًا بإقامة دولة فلسطين المستقلة ذات السيادة، وعاصمتها القدس الشرقية”، وأضاف “نحن من طرفنا ندرك بأن أفريقيا التي وقفت معنا، ظلت على مدى العقود الماضية في المحافل الدولية تدعم حقوق شعبنا، وستستمر في دعمها وتضامنها المبدئي والمشرف”.
وتابع: “نحن على أتم الاستعداد للتعاون وإياكم لتقديم الخبرات والطاقات البشرية الفلسطينية القادرة على أن تسهم وتتبادل الخبرات معكم لما فيه خير الجميع، حيث لدينا فائض من الكوادر البشرية المؤهلة والقادرة على أن تضع خبراتها في خدمة دولكم الصديقة والشقيقة، ضمن مفهوم الشراكة والتعاون بيننا”.
على صعيد آخر، أكد الوزير الأول عبد المالك سلال بأديس أبابا أن الجزائر عازمة على المستويين الوطني والدولي على القضاء على الإرهاب في أفريقيا.
وقال سلال لدى مشاركته في أشغال قمة مجلس السلم والأمن إن “الجزائر رغم أنها تدرك مدى صعوبة المهمة إلا أنها تبقى عازمة على المستوى الوطني والجهوي والدولي في إطار إستراتيجية الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب والاتحاد الأفريقي على القضاء على آفة الإرهاب في قارتنا”.
وأضاف في تدخله حول قضية جماعة بوكو حرام في نيجيريا “أن مواجهة هذه الجماعة الإرهابية ضرورة حضارية وأساسية بالنسبة لأفريقيا”، مشيرًا إلى أن تهديد جماعة بوكو حرام يتوسع ويأخذ أبعادًا خطيرة ومقلقة تستدعي تدخلاً سريعًا وجدي وفعال لوضع حد لأعمال الإبادة والرعب التي تمارسها هذه الجماعة الإرهابية بصفة مستمرة.
وأوضح أن الجزائر تحي في هذه المناسبة مبادرة النيجر بعقدها يوم 20 فبراير الجاري اجتماعًا لوزراء الشؤون الخارجية والدفاع لبلدان حوض بحيرة تشاد بحضور الشركاء الدوليين لتبني إستراتيجية مشتركة مع نيجيريا لمواجهة جماعة بوكو حرام.
ودعا إلى ضرورة متابعة نتائج هذا الاجتماع من قبل البلدان المعنية وكذلك من طرف الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة.
من جهته أكد السفير بن حلي في تصريح صحافي تقدير جامعة الدول العربية للجهود والمساعي الأفريقية من أجل تحقيق وتعزيز الشراكات مع مختلف التجمعات الإقليمية والدولية ودعمها لسياسات الاتحاد الأفريقي نحو الدعوة للعمل على تمكين المرأة والنهوض بها والتي وضعت على رأس أولويات مفوضية الاتحاد الأفريقي، وأشاد بن حلي بالتعاون القائم بين الجامعة العربية والاتحاد الأفريقي لبناء شراكة عربية أفريقية ذات أبعاد إستراتيجية ثابتة لمواجهة نفس التحديات والتعامل مع قضايا وأزمات متداخلة ومتشابكة أفريقيا وعربية، وأكد بن حلي دعم الجامعة العربية لمواقف الاتحاد الأفريقي التي اتخذها لمواجهة الأزمات التي تتعرض لها الشعوب الأفريقية والعربية لمساعدتها على تجاوز سلبيات المرحلة الانتقالية، معربًا عن أمله في أن تؤدي هذه السياسات والمواقف إلى تحقيق المطالب والأهداف التي تتوق إليها شعوب القارة الأفريقية.
انتخاب موغابي رئيسًا للاتحاد الأفريقي
تم انتخاب روبرت موجابي، رئيس زيمبابوي، رئيسًا جديدًا للاتحاد الأفريقي لمدة عام، ليحل محل نظيره الموريتاني، محمد ولد عبد العزيز، عقب الانتخابات التي جرت خلال القمة الأفريقية في دورتها الرابعة و العشرين، ويُعد موجابي أقدم رئيس في أفريقيا (91 عامًا فبراير المقبل) وواحد من أكثرهم إثارة للجدل في القارة السمراء.
ويذكر أن موجابي متمسك بالسلطة منذ 35 عامًا بين رئاسة الوزراء ورئاسة الدولة بعد أن منحه المجتمع الدولي الثقة، خاصةً بعد القضاء على العنصرية التي يعاني منها السود في بلده، كما اشتهر موجابي بتجاوزاته الخطيرة ليصبح طاغية في بلده بعد أن ذبح 20 ألف شخص من أقلية عرقية وطرد المزارعين البيض من أراضيهم وتوزيعها بين عشيرته بالإضافة إلى سجن وتعذيب المنشقين عن نظامه؛ ما أدخل الاقتصاد في حالة شلل تام مع تضخم مالي رهيب؛ مما جعل أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية تمتنعان عن دعمه.
تاريخه الحافل بانتهاكات حقوق الإنسان، جعل من حدث انتخابه مصدر قلق وانزعاج لدى القوى الغربية، إلا أن الرئيس المثير للجدل لم يعبأ بهذه الانتقادات مُصرّحًا: “ما يقوله الغرب أو يفعله لا يعنيني”، كما أضاف “منذ عشر سنوات وأنا اتعرض لعقوبات وبلدي أيضًا يتعرض لعقوبات”، وقال “إذا أرادوا الاستمرار في ذلك فهذا من شأنهم، لكن هذه العقوبات سيئة فعلاً”، وتابع “إذا جاءتنا أوروبا بذهنية تعاون وليس بذهنية السيطرة علينا وعلى طريقة عملنا، فإنها ستكون على الرحب والسعة”.
وبحسب مراقبين، انتخاب موغابي يُعدّ رسالة سلبية تناقض ما تُعلنه هذه المنظّمة الأفريقيّة من أنّها تدعم نشر الديمقراطية.
مُخرجات القمة الأفريقية وبيانها الختامي
اُختمت القمة الأفريقية في دورتها العادية الرابعة والعشورن بتوصيات أهمّها ضرورة توحيد الجهود من أجل التصدي للإرهاب، ناهيك عن التنسيق القارّي بهدف التصدي لوباء الإيبولا الذي انتشر في أكثر من دولة من دول القارة السمراء وفتك بأكثر من تسعة آلاف شخص خاصة في ليبيريا وغينيا والسيراليون.
عمليًا وافق القادة الأفارقة على نشر قوة أفريقية في غرب أفريقيا للتصدي لحركة بوكو حرام، قرار قوبل بالتّرحيب من طرف الأمين العام للأمم المتحدة الذي صرّح بأنه يجب أن يكون هناك تعاون دولي وإقليمي للتعامل مع من أسماهم “الإرهابيين”، مشيرًا في المقابل إلى أن القوة العسكرية لن تكون “الحل الكامل”، بل إنه “يجب التصدي للجذور العميقة لهذا التطرف العنيف”.
وقد ورد على لسان موغابي أثناء تلاوته للبيان الختامي: “وجهنا نداء لوضع حد للأزمة بين المغرب والصحراء، وأكدنا على الدعم الكامل للشعب الفلسطيني في قضيته العادلة”، وأوضح أن “أبرز القرارات التي اعتمدتها القمة؛ أجندة العام 2063 للتنمية الأفريقية، وإنشاء صندوق لدعم مكافحة إيبولا، وإنشاء مركز للسيطرة على الأمراض، وتمكين المرأة اقتصاديًا، سياسيًا، واجتماعيًا، والمساواة بين الجنسين، ومحاربة زواج القصر والعادات الضارة ومنع العنف ضد المرأة، واعتماد مقررات التعاون والشراكة”.