بث تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، شريط فيديو لإعدام الطيار الأردني معاذ الكساسبةالأسير لديها، حرقًا داخل قفص حديدي في مشهد إجرامي بشع.
فقد أظهر الفيديو الذي أصدرته مؤسسة الفرقان التابعة لداعش، والذي بثته أمس الثلاثاء، اللحظات الأخيرة البشعة في حياة الطيار الأردني، معاذ الكساسبة (27 عامًا)، بمشاهدة منزل مقصوف من قبل التحالف الدولي، ثم وضعه في قفص حديدي قبل أن يعدمه حرقًا.
التسجيل المصور لم يعرف بعد توقيت تصويره على وجه الدقة، لكن مصادر أردنية أكدت أن معاذ قد تم إعدامه حرقا في الثالث من يناير الماضي، وهو ما وثقته تغريدات لسوريين من أهالي الرقة وأخبار متناثرة في عدة صحف دولية في الأسبوع الثاني من الشهر الماضي.
من يوم 8 يناير والخبر متداول في الرقة شرق سوريا “@raqqa_mcr: عندماجاءت أخبار حرق معاذ لم أستوعب الأمر وكتبت غير مؤكد pic.twitter.com/LQH2UUgYdq”
— Abdelrahman Ayyash (@3yyash) February 3, 2015
دخل “الكساسبة” ثابتًا يمشي بمفرده في مكان قالت مصادر إنه تعرض لقصف جوي من التحالف الدولي وقُتل فيه عدد كبير من نساء التنظيم. وأظهر الفيديو اصطفاف العشرات من أعضاء التنظيم، يرتدون زيًا موحدًا ملثمين مدججين بالسلاح، كما عرض الفيديو الكساسبة وهو يشاهد آثار الدمار الذي حلّ بالمكان الذي تم قصفه، بينما استعرض الفيديو صور قتلى القصف من أطفال ورجال.
#الرقة في هذا الموقع قتلت أكثر من 30 أمراة داعشية في غارة للتحالف وحرقن نتيجة الغارة فقامت #داعش بإعدام #معاذ فيه pic.twitter.com/TceYaUi2b2
— Abu Ibrahim Raqqawi (@raqqa_mcr) February 4, 2015
وأظهر الفيديو الكساسبة واقفا داخل قفص حديدي، وملابسه مبللة بما اتضح أنه مادة سريعة الاشتعال، مطأطئ الرأس تارة، ورافعها تارة أخرى حسب ما يبدو أنه استجابة لتوجيهات “مخرج” الفيلم. شارد النظرات يحدق الكساسبة، قبل أن يشعل شخص ملثم أسماه الفيديو “أمير أحد القواطع التي قصفها التحالف الصليبي” فتيل نار يمتد إلى القفص الحديدي، والطيار بداخله.
وعرض الفيديو عملية إحراق الكساسبة بشكل بشع، قبل أن يعرض جرافة تهدم القفص الحديدي الذي يحوي معاذ قبل أن تهيل عليه ركاما وصخورا وترابا في مشهد أرادت داعش أن تجعله شبيها بمشاهد ضحايا قصف التحالف للأراضي السورية والعراقية، وهو ما تأكد بعدما عرض التسجيل مشهدا تبدو فيه اليد المحترقة لمعاذ بارزة خارج الركام المدفون تحته.
وفي نهاية الفيديو، حدد تنظيم داعش عددًا من الأسماء لمن وصفهم بأنهم طيارين أردنيين مشاركين في التحالف ضده، وأنهم مطلوبون للقتل. وخصص التنظيم 100 دينار ذهبي (عملته المفترضة) لمن يقوم بقتل أي من الطيارين الذين عرض صور معظمهم وعناوين سكنهم، والذي قال إنهم مشاركون في الحملة الـ“صليبية“.
تضمن التسجيل في بدايته مقابلة مع معاذ، وهي ذات المقابلة التي كانت مجلة دابق الإنجليزية التابعة للتنظيم بنشر معظمها في نسختها الأخيرة.
وفي المقابلة عرف معاذ نفسه قائلا “كنت طيارًا برتبة ملازم أول، تخرجت من كلية الملك حسين الجوية عام 2009، وتابعت تدريبي حتى أصبحت طيارًا عام 2012 في السرب الأول في قاعدة موفق السلطي الجوية.”
وكان من بين ما قاله معاذ تفاصيل مهمة قصف مناطق الدولة موضحا “تم إبلاغنا بالمهمة قبل يوم واحد في الساعة الرابعة عصرًا، دورنا في المهمة كان أن نوفر الغطاء للطائرات المهاجمة، نحن نمسح المنطقة لندمر أي مضادات طائرات على الأرض ونوفر غطاءً في حال ظهرت طائرات للعدو، لاحقًا يأتي دور الطائرات المهاجمة والمزودة بصواريخ ذكية موجهة بالليزر، أقلعنا من القاعدة الجوية في مدينة الأزرق بمحافظة الزرقاء الأردنية إلى العراق، ثم ذهبنا إلى منطقة الانتظار حيث التقينا بطرف آخر يتكون من طائرات إف 15 السعودية، وطائرات إف 16 الإماراتية، وطائرات إف 16 المغربية، طرنا فوق الرقة لمسح المنطقة، ولاحقًا دخلت الطائرات المهاجمة لبدء الهجوم، تعرضت طائرتي للإصابة بصاروخ حراري، لقد سمعته وشعرت بالضربة.
وتابع معاذ: تواصل معي الطيار الأردني الآخر في الحملة، ملازم أول طيار صدام مرديني، وقال لي إنني أُصبت وأن النيران اندلعت في المحرك، وعندما راجعت شاشات الرصد أدركت أن المحرك قد أُصيب بأضرار بالغة وأنه يحترق، وبعدما بدأت الطائرة تحيد عن وضعها الطبيعي، طرت بالمظلة وهبطت في نهر الفرات، لكن المقعد علق في الأرض، وظللت هناك حتى اعتُقلت من قِبل جنود الدولة الإسلامية.
التسجيل المصور تضمن رسائل متعددة للاعبين كثر، في مقدمتهم الأردن واللاعبون الرئيسيون المرتبطون بالتحالف الدولي ضد تنظيم الدولة الإسلامية.
وتحدث معاذ عن مشاركة الأنظمة العربية في التحالف ضد داعش، مؤكدا أن الأردن تشارك بطائرات إف 16، والإمارات بطائرات إف 16 مجهزة بصواريخ موجهة بالليزر، والسعودية بطائرات إف 15 مجهزة بقنابل موجهة بالليزر، والكويت بطائرات تزويد بالوقود في الجو، والبحرين بطائرات إف 16، والمغرب بطائرات إف 16 معدلة، فيما تشارك قطر، وسلطنة عمان بالقواعد الجوية كما أظهر فيديو التنظيم.
ووجه الكساسبة رسالة إلى الشعب الأردني لم تعرضها المجلة وأشار إليها الفيديو : “اعلموا أن حكومتنا حكومة عميلة صهيونية، فلو كان صحيحًا أننا نريد الدفاع عن الإسلام، فلماذا لا نبعث طائراتنا إلى القوات النصيرية قوات بشار الأسد، التي تقتل الملايين من المسلمين، واليهود وهم أقرب منا وندافع عن المسجد الأقصى، وعن ممتلكات المسلمين في بلاد فلسطين“.
وأضاف في رسالته: “أما بالنسبة لأهالي الطيارين فكفوا عن إرسال أبنائكم، وأمروهم بعدم الذهاب إلى مثل هذه الطلعات في ضرب أهداف إسلامية، حتى لا يصير لأبنائكم كما صار لي أنا، وتتلوعوا على أبنائكم كما تلوع أهلي وزوجتي وأقاربي“.
وفي نهاية المقابلة التي نشرتها مجلة دابق، ولم يعرضها الفيديو سأل أعضاء التنظيم معاذ عما إذا كان يعرف ما سيفعلونه به فرد قائلا: نعم، سيقتلونني.
وعلى الرغم من طبائع التنظيم العنيفة، واستخدامه تقنيات عديدة في هذا السياق، فإن هذه الطريقة هي الأشد قسوة وعنفا وابتكارا على صعيد الصورة وآلية التنفيذ والإخراج، الأمر الذي سوف يثير جدالا ونقاشا حادا حول الأصول الفقهية والشرعية التي اعتمدها التنظيم لتسويغ هذه العقوبة المرعبة واقعيا ومشهديا. لكن التنظيم أراد أن يشرعن فعلته فأصدر فتاوى تبرر إعدام الطيار حرقا وقام بتوزيعها في مناطق سيطرته
فتاوى تبرير إعدام الطيار الأردني "معاذ الكساسبة" حرقا من قبل تنظيم #داعش #الرقة #معاذ_الكساسبة #كلنا_معاذ pic.twitter.com/oYRKQktnqz
— الرقة تذبح بصمت (@Raqqa_SL) February 3, 2015
وبينما هاجم المجتمع الدولي وممثلي المنظمات والدول والجماعات الإسلامية والمؤسسات الدينية المختلفة عملية الحرق، إلا أن آخرين أكدوا أن مسؤولية الجريمة تقع على عاتق الدولة الأردنية التي شاركت في العمليات ضد تنظيم داعش، وتهاونت في التفاوض بجدية مع التنظيم. إلا أن ما خفف من حدة ذلك الهجوم، خلاف بشاعة عملية القتل، كان تاريخ الإعدام الذي أوردت مصادر مختلفة أنه تم قبل أن تطلب داعش مبادلة أسيرتها بالسجين الياباني.
وفي رد فعل وصفه الكثيرون بأنه طفولي قامت الحكومة الأردنية بإعدام عدد من أعضاء تنظيم القاعدة، على رأسهم ساجدة الريشاوي التي طالب بها التنظيم في عملية مبادلة الطيار الأردني وأحد الصحفيين اليابانيين الذين قتلهما التنظيم في وقت سابق وبعد فشل عملية المفاوضات.
وبينما نقلت صحيفة نيويورك تايمز عن مسؤولين في الإدارة الأميركية أن الإمارات كانت قد علقت مشاركتها في الغارات الجوية ضد داعش منذ ديسمبر الماضي خوفاً على سلامة طياريها بعد أسر الطيار الأردني معاذ الكساسبة ولاحقا قتله حرقا. قالت مصادر أردنية إلى أن الأردن سيعزز من مشاركته في العمليات ضد التنظيم.
الصدمة وصلت إلى كل الأردنيين، الذين عبر الكثيرون منهم عن غضبهم الشديد ضد التنظيم، وضد الدولة الأردنية، لكن بشاعة عملية الحرق ستؤدي بحسب مراقبين إلى زيادة قمع السلطات للإسلاميين الأردنيين، لا سيما الجهاديين منهم، وهو ما قد يؤشر على الدخول في حلقة مفرغة من الفعل ورد الفعل بين الحكومة والإسلاميين.
القمع الأمني سيجد صدى له في الشارع بالطبع، الذي سيدعم الإجراءات العنيفة ضد المعارضة أو ضد الإسلاميين بشكل عام، وهو أمر شبيه بما يحدث في مصر، حيث تؤدي الهجمات التي يرتكبها تنظيم ولاية سيناء، التابع لداعش، ومجموعات مسلحة أخرى جنبا إلى جنب مع الخطاب الإعلامي الفاشي والتحريضي الذي يتبناه النظام العسكري المصري، إلى تبرير متزايد للقمع ضد المعارضة السلمية أو جماعات الإسلام السياسي.
الحراك الشعبي قد يكون أحد ردود الأفعال، لكن مراقبين يخشون أن يتعرض اللاجئون السوريون إلى ردود أفعال غاضبة من الأردنيين، لا سيما وأن الأردن عُرفت على مدار سنوات الأزمة السورية بأنها ليست المكان الأفضل لمئات الآلاف من اللاجئين السوريين في مخيماتها أو الذين استضافتهم مدنها.
وكانت تظاهرات تأييد لتنظيم داعش قد انطلقت في معان الأردنية في يونيو الماضي وتكررت عدة مرات كان آخرها في منتصف يناير الماضي، أي قبل حوالي ثلاثة أسابيع. لكن لا يبدو أن المؤيدين لتنظيم داعش سيواصلون تعاطفهم، كما أنهم لن يستطيعوا بأي حال إبراز ذلك التعاطف وسط الأردنيين الذين يصرح الكثيرون منهم على مواقع التواصل الاجتماعي بأن ما أحدثه قتل معاذ سيظل جرحا لن يندمل قريبا.