الاتحاد الأوروبي: النشأة والدروس المستفادة

unnamed

لا يختلف المتتبعون للواقع الدولي حاليًا في تشخيصهم له من جهة عدم احتكار الدولة القطرية بمعناها الضيق لأشكال تنظم الدول، فرغم أن حركات اليمين المتطرف قد صعدت في عدة نواح من العالم إلا أن العولمة كانت أول ملاذ نادى فيه عديدون ببرلمان كوني وحكم كوني، لكن بتعثرها ظهرت مشاريع تكتل قومية إقليمية ذات أبعاد اقتصادية نافستها وهي في طريق اكتساحها، ولعل الاتحاد الأوروبي الذي نحن بصدد تقديم إضاءات حوله من أبرز التكتلات التي استطاعت في ظرف دقيق مر بهزات عديدة وفي منطقة مهمة من العالم جمع شتات عدد كبير من الدول والرقي بها وحماية مصالحها وتوفير “الشوكة” و”العصبية” بمعناهما الخلدوني.

عودة إلى بداية تشكل هذا الاتحاد، لابد من التشديد على أنها كانت بداية اقتصادية بامتيار بين فرنسا وألمانيا انضمت إليه فيما بعد دول البينيليكس (مراجع)، وقد قام أساسًا على مجهودات رجال يعتبرهم الأوروبيون الآباء المؤسسين لما هم فيه الآن من رفاه ووحدة ذات وجوه عديدة ويصفونهم بالحكمة والرؤية الإستراتيجية النافذة التي أفضت إلى هذا الفضاء المتميز بالسلم والرفاه في الآن ذاته، وقد كان منهم المحامي والمناضل والمختص، لكن باختلاف ألسنتهم وجنسياتهم وعرقياتهم كان يجمعهم تطلع إلى فضاء أوروبي موحد وصلب وفي حالة من الرفاه الدائم.

  • Konrad Adenauer: أول مستشار ألماني كانت سياسة التصالح مع فرنسا إحدى ركائز سياسته الخارجية، عٌرف عنه علاقته القوية بشارل ديغول.
  • Joseph Bech: سياسي من لوكسمبورغ من الدافعين لإنجاح اتفاقية الصلب والحديد التي كانت نواة الاتحاد الأوروبي من خلال تجمع دول البينيليكس.
  • Johan Beyen: رجل أعمال وسياسي هولندي، أطلق خطة بيان للاندماج الاقتصادي الأوروبي، عُرِف عنه انفتاحه وتشجيعه للمشروع الأوروبي بلا هوادة.
  • Winston Churchill: الجندي المتطوع والمراسل الصحفي الحربي والوزير الأول البريطاني الشهير، كانت الحرب العالمية الثانية أبرز ما دفعه لإطلاق فكرة “الولايات المتحدة الأوروبية”، ناهض القومية والتعصب القطري بلا هوادة.
  • Alcide de Gasperi: وزير خارجية إيطاليا، صاغ السياسة الخارجية لبلده وسهر على تطبيق خطة مرشال للنهوض بالفضاء الأوروبي.
  •  Walter Hallstein: الرئيس الأول للجنة الأوروبية، عمل على إطلاق سوق أروبية مشتركة، شهدت الوحدة الأوروبية خلال ولايته تقدمًا ملموسًا.
  •  Sicco Mansholt: كان فلاحًا مناضلاً، أرسى دعائم برنامج فلاحي أروبي مشترك مندمج، كانت معاينته للمجاعة التي شهدتها هولندا سببًا في اقتناعه بأن لا وحدة أو تكامل أوروبي دون اكتفاء وأمن غذائي.
  •  Jean Monnet: سياسي ومستشار فرنسي كرس جانبًا كبيرًا من حياته للوحدة الأوروبية، غادر مقاعد الدراسة ولم يبلغ 16 سنة، ساهم احتكاكه بالمجتمع كسمسار وموظف في بنك في معرفة دقائق الأمور ليصل به الأمر منسقًا بين فرنسا والممكلة المتحدة في مجال الإنتاج الصناعي.
  • Robert Schuman : رجل قانون ووزير خارجية فرنسا أواخر الأربعينات، من أباء خطة مرشال كان وعيه بضرورة ربط المصلحة الاقتصادية بالوحدة عاملاً في نجاح خطته.
  • Paul-Henri Spaak: رجل سياسة بلجيكي ذو بصمة واضحة في صياغة اتفاقية روما، أجمعت دول عديدة من الاتحاد الأوروبي على رؤيته النافذة فانتخبته رئيسًا للجنة تفكير تعنى بالمسألة.
  •  Altiero Spinelli: صاغ رجل السياسة الإيطالي خطة أُطلق عليها اسمه، تقضي بإنشاء أوروبا الفيدرالية مرحلة مهمة قبل الوصول للوحدة، كانت خطته مصدرًا مهمًا من مصادر الإلهام لمن خلفه.

بعد التطرق إلى أهم رجالات الاتحاد الأوروبي الذين يحفظ لهم الأروبيون قدرهم، وجب التطرق إلى أهم المراحل التي عاشها الاتحاد منذ نشأته إلى حدود الساعة.

هذه المراحل يُقسمها المختصون إلى مراتب سبع حسب تقسيم زمني وفق أهم الأحداث التي شهدتها المنطقة أولها:

1- مرحلة التأسيس: من أجل أوروبا في سلم ودعة، بشائر التعاون (1945-1959)

•  كان الغرض الأول لبناء هذا الاتحاد (إضافة لاتفاقية الحديد والصلب ذات البعد الاقتصادي – السياسي الصرف) التصدي للتقلبات والحروب التي كانت تضرب المنطقة في تواريخ دورية بداية بالحرب العالمية الأولى ثم الثانية مع ما تخللهما من دمار، كانت اتفاقية الحديد والصلب التي جمعت (فرنسا – ألمانيا – بلجيكيا – إيطاليا – لكسمبورغ – هولندا) مبعثًا على إيجاد سلام دائم في المنطقة الأروبية، رغم ما كانت تشهده البلدان التي رزحت تحت الحكم الشيوعي من مواجهات وتظاهرات، في حين كان الاتحاد السوفياتي يعمل على إطلاق “سبوتينك 1” في حين كان الأروبيون منشغلون باتفاقية روما للشراكة الاقتصادية الأروبية (مرجع)، وفي ذلك مفارقة لعل نتائجها الآن معروفة.

2- الطفرة الاقتصادية: اقتصاد أوروبي صاعد (1960 – 1969)

شهدت الستينات ثقافة “الشباب” التي تجلت في نمط العيش والذوق العام المتغير والمتميز بتزايد الهوة الثقافية بين الأجيال التي صحبتها إجراءات عملية في الاقتصاد الأوروبي الذي حطت الدول الأروبية عنه المعالم الديوانية، وتم فيه الاتفاق على توحيد المراقبة المشتركة للمنتوجات الفلاحية في جزء منها، هذه الطفرة كانت موسومة بالثورة الثقافية الشبابية وهو ما يطرح أسئلة عميقة حول دور الشباب في الدفع بوحدة الكيانات السياسية.

3- أمة في عنفوان التجدد: الموجة الأولى من التوسع ( 1970 – 1979)

شهدت هذه الفترة انضمام كل من الدنمارك والمملكة المتحدة وأيرلندا، كما شهدت كذلك أوج الصراع الصهيوني العربي في أكتوبر 1973؛ مما نجم عنه أزمة طاقة، كما شهدت أيضًا أفول نجم معاقل اليمين في البرتغال وإسبانيا؛ مما سمح للاتحاد الأوروبي بتحويل مقدرات هامة من ميزانياته لخلق مواطن شغل والتركيز على السياسة الجهوية أو ما يطرح عليه الآن “الحوكمة المحلية الرشيدة”، وتم لأول مرة سنة 1979 اختيار نواب أوروبا في مجلسها البرلماني اختيارًا حرًا سريًا وديمقراطيًا في انتخابات مشهودة.

4- أوروبا في قلب التحولات: سقوط جدار بلدين وتداعيات ذلك

كانت أسماء سوليدارنوسش النقابي البولوني المعروف وقائده الكاريزمي لاش فالزلا أسماء رنانة ومعروفة لدى سائر الأوروبيين سيما بعد اضطرابات مشهورة أواخر 1980، يضاف إلى ذلك دخول اليونان العنصر العاشر في المنظومة الأروبية وانضواء كل من إسبانيا والبرتغال، تلى ذلك إمضاء العهد الأوروبي المشترك سنة 1986 والذي كان يهدف إلى وضع حواجز تنقل البضائع بين الدول الأعضاء في خطوة تجسيدية لفكرة “السوق الموحدة”،  لنصل إلى سنة 1989 وبالتحديد 9 نوفمبر، تاريخ سقوط جدار برلين، وفتح الحدود لأول بعد زهاء ثلاثة عقود بين الألمانيتين.

5- أوروبا جديدة .. أوروبا بلا حواجز (1990 – 1999)

مع سقوط آخر معاقل الاشتراكية؛ أصبح الأروبيبون في شرق القارة وغربها جيرانًا وأقرباء، فتم استكمال إجراءات السوق المشتركة سنة 1993 بتكريس الحريات الأربع:

– حرية تقديم الخدمات.

– حرية نقل السلع والبضائع.

– حرية تنقل الأشخاص.

– حرية تنقل رأس المال.

وشهدت التسعينات من القرن الماضي توقيع اتفاقيتين الأولى اتفاقية ماستريتش حول الاتحاد الأوروبي من جهة استكمال معالم التكامل، والثانية اتفاقية أمستردام سنة 1999.

فتوجه الأوروبيون لحماية المحيط والقيام بإجراءات مشتركة في مجالي الأمن والدفاع وتوسعت العائلة الأوروبية بدول ثلاث هي النمسا وفنلندا والسويد.

واجتمع القادة الأروبيون في “شنغن” في لوكسمبورغ ليمكّنوا تدريجيًا  مواطينهم من السفرر دون قيود؛ فتنقل ملايين الشباب الأوروبي بين بلد وآخر للدراسة، وتصاعد نسق استخدام الوسائط التكنولوجية فيسر التقارب وقرب المسافات.

6- موجة التوسع الثانية (2000 – 2009)

مع إطلاق الدول الأوروبية لعملتها الموحدة “اليورو”، ومع أحداث الحادي عشر من سبتمبر وما خلفتها؛ توجه اهتمام دول الاتحاد الأوروبي إلى مكافحة الجريمة المنظمة والتنظيمات العنيفة؛ مما ساهم بشكل غير مباشر في تجاوز بقايا الخلافات السياسية بين أوروبا الشرقية والغربية، وتمظهر ذلك في انضمام ما لا يقل عن عشر دول جديدة سنة 2004 وثلاث أخريات سنة 2007.

وكانت الأزمة الاقتصادية التي ضربت العالم سنة 2008 دافعًا آخر لمزيد من التعاون الأوروبي- الأوروبي ليس اقتصاديًا فحسب، بل كانت فرصة للتفكير في مؤسسات عصرية ناجعة وناجزة وإقامتها على أرض الواقع؛ فتم توقيع اتفاقية لشبونة في ديسمبر 2009.

7- عشر سنوات من الفرص والتحديات (2010 – 2020)

استهل العقد الحالي بمجموعة أزمات كان الطابع الاقتصادي سمتها الأبرز، لكن كان فيها أيضًا طفرة تكنولوجية ومعلوماتية مهمة من جهة اتساقها مع احترام المحيط والعيش الكريم، وهو ما يمكن ترجمته في عيش كريم مستدام وحوكمة رشيدة لا تتنافر مع المحيط بكل معانيه المادية منها والإنسانية.