جلسة عامة واحدة لم تكن كافية للمصادقة على الحكومة التي اقترحها الحبيب الصيد، رئيس الحكومة المكلّف، من طرف مجلس نواب الشّعب، فبعد يوم شاق وطويل نوقشت فيه تركيبة الحكومة وبرنامجها، أُجّل الحسم إلى اليوم رُبّما لاستكمال المداولات.
حكومة شاركت فيها حركة النهضة بحقيبة وزارية وحيدة وثلاث كتاب دولة، وعلى عكس حكومتي الترويكا 1 و2، اختارت النهضة أسماء جديدة يبقى أبرزها زياد العذاري، كأصغر وزير في التشكيل الحكومي الجديد.
الوزير الشاب الذي اختارته النهضة لحكومة الصيد
هو محام وخبير في القانون الدولي ويمارس المهنة في تونس وفرنسا، ولد يوم 30 مارس 1975 بسوسة وهو متزوج وأب لطفل.
أتمّ دراسته الابتدائية والإعدادية بمساكن والتحق منذ شبابه بالنشاط النقابي والجمعياتي؛ مما تسبب له في الإيقاف بالتتبعات العدلية، فتم طرده من المعاهد الحكومية وأتم دراسته الثانوية بمعهد خاص.
حصل على الباكالوريا في شعبة الآداب بملاحظة حسن جدًا، وكان في المرتبة الأولى وطنيًا، لكنه حُرِم من الجائزة الرئاسية بسبب نشاطاته السياسية.
درس القانون بكلية العلوم القانونية بتونس أين تحصل على الأستاذية وعلى شهادة الدراسات المعمقة في القانون الخاص، بالتوازي مع دراسة القانون درس الاقتصاد والمالية بمعهد الدراسات التجارية العليا بتونس.
حصل في ديسمبر 2000 على جواز سفره بعد 9 سنوات من حظر السفر ومن المراقبة الإدارية، وغادر أرض الوطن في نفس الشهر لمواصلة دراسته بالخارج.
التحق بجامعة السوربون بباريس وحصل على ماجستير في القانون الدولي المقارن وقانون الدول العربية، كما حصل على ماجستير آخر في قانون المالية والبنوك، تمكن من الحصول على شهادة الكفاءة لممارسة مهنة المحاماة من مدرسة تكوين المحامين التابعة لمحكمة الاستئناف بباريس، درس بالتوازي العلوم السياسية والعلاقات الدولية بمعهد الدراسات السياسية بباريس وهو من أهم المعاهد المختصة في فرنسا.
عمل كمدقق حسابات لأكاديمية القانون الدولي التابعة لمحكمة العدل الدولية بلاهاي في هولندا، كما التحق بالمدرسة الصيفية لأحد أعرق الجامعات الأمريكية وهي جامعة كولمبيا ودرس القانون المقارن.
تم ترسيمه بالهيئة الوطنية للمحامين بتونس بداية من سنة 2001، كما مارس المحاماة في العديد من كبرى المكاتب بباريس.
تخصص في القضايا المالية والاقتصاد وبالتحديد في قانون العلاقات الاقتصادية الدولية وقانون العقود والاستثمارات الدولية.
عمل كمستشار للعديد من الدول الأفريقية والمنظمات الدولية والشركات لوضع مخططات لمشاريع التنمية في الدول الأفريقية، حيث ساهم في تحرير العقود والتفاوض في العقود الدولية المتعلقة بالبناء والتصرف في المطارات والموانئ والطرق السيارة ومشاريع البنى التحتية.
ممارسته للمحاماة شملت كذلك مهام تتعلق بتسوية النزاعات الدولية وخاصة تلك التي تنشأ بين الدول والمستثمرين الأجانب.
فيما يخص نشاطه الجمعياتي كان زياد العذاري أحد الاعضاء المؤسسين لفرع رابطة حقوق الإنسان بجامعة السوربون بباريس، كما انضم ومارس نشاطات مع أكبر المنظمات الدولية لمكافحة الفساد وهي منظمة الشفافية الدولية.
زار في إطار نشاطه الجمعياتي العديد من الدول مثل سوريا ولبنان وتركيا والأرجنتين والأوروغواي، حيث التقى بشخصيات بارزة في المجال السياسي والاقتصادي والأكاديمي؛ مما مكّنه من تعميق مكتسباته وخبرته السياسية.
سياسيًا، كان العذاري ضمن نواب حركة النهضة عن جهة سوسة (الساحل التونسي) في المجلس التأسيسي إثر انتخابات 2011، و برز نجمه خاصة إثر بعض الطّلّات الإعلامية التي نجح أن يُقدّم عبرها خطابًا مُتّزنًا وهادئًا في فترة شهدت فيها حركة النّهضة فوضى للتّصاريح كلّفتها سياسيًا ما كلّفتها ليُكلّف تباعًا بمنصب الناطق الرسمي باسم حركة النّهضة، ثُمّ لينضمّ للمكتب التنفيذي لحركة النهضة تحت ضغط بعض الأصوات التي نادت بإضافة الشباب إلى تركيبته.
في الانتخابات الأخيرة، ترأس العذاري قائمة حركة النهضة عن جهة سوسة بعد أن كان أحد أعضائها في الانتخابات التي سبقتها وهو اليوم يستعد للتخلّي عن مهمته النيابية حسب ما يُمليه الدستور الجديد في علاقة بمنع ازدواجية المهام (نائب/ وزير).
وزارة في حجم الورطة
تم اقتراح زياد العذاري ليشغل منصب وزير التشغيل والتكوين المهني، وهي وزارة فخ، حسب بعض المحللين، باعتبار أن أكبر محورين يُؤرقان الشارع التونسي ويُحركان محرار الاحتقان الشعبي هما المعيشة والتشغيل، بل هنالك من ذهب لاعتبار أن تخلّي الحزب الفائز بالانتخابات ، أي نداء تونس، عن مثل هذه الحقيبة هو في الحقيقة تنصل من المسؤولية تجاه ناخبيه بعد أن وعدهم بالآلاف من مواطن الشغل، وهو أيضًا دسّ للسم في ملعقة العسل التي قدمها لغريمه الودود حركة النهضة من خلال تحميل وزيرها الوحيد مسؤولية “الفشل” في خلق مواطن شغل.
من جهة أخرى، سيُواجه الوزير الشاب صعوبات جمة خاصة في التفاعل مع المنظّمات التي تقدم نفسها إطارًا مدنيًا احتجاجيًا ناطقًا باسم المعطّلين عن العمل باعتبار سيطرة الجبهة الشعبية عليها وهي الجبهة التي أعلنت رفضها القاطع لتشريك حركة النهضة في هذه الحكومة، وبالتالي لن تدخر جهدًا في إفشال وزيرها خاصة وأن الهدف هذه المرة محدد وبعناية.
رغم الصعوبات السابق ذكرها، يخوض العذراي أول مسؤولية سياسية حقيقية داخل الدولة، وهو ما يُمثّل بداية تحد ذاتي لإبراز قدرته على التعاطي مع كل الظروف الصعبة، وهو أيضًا يخوض بالنيابة عن كثيرين رهان تجربة “جيل قيادي جديد” للوقوف حول إمكانياته الحقيقية، وقد يكون نجاحه فاتحة خير لتشبيب حركة دخلت في طور التّهرّم.
توجّه نحو الشباب .. أم استثناء؟
بالرجوع إلى التاريخ الحديث، نجد أن الحركات الإسلامية لا تمضي في سياق التشبيب إلا تحت ضغط الضرورة خاصة إثر مراحل سجن القيادات التاريخية (وما حدث لحركة النهضة في الثمانينات وما يحدث لحركة الإخوان المسلمين في مصر خير مثال) وعادة ما تنشغل بالواقع والآني عن مهمة التوريث الطبيعي للمهام القيادية، وإن حصُل التصعيد فيكون انتقائيًا حذرًا خوفًا من الاختراق تحت قاعدة “إلي نعرفه خير ملّي مانعرفوش”.
هذه الحقيقة المُثبتة تاريخيًا وواقعيًا تدفعنا للتساؤل إن كُنّا أمام خيار إستراتيجي تسلُكه حركة النهضة في اتجاه تشبيب كوادرها أم إننا إزاء استثناء قد تكون وراءه الصدفة أوالحظوة أو الحظ؟
عمومًا الإجابة ستتوضح معالمها قريبًا من خلال مراقبة مخرجات المؤتمرات المحلية والجهوية وما سيفرزه المؤتمر القادم لحركة النهضة المُزمع عقده في الصيف القادم من تقديم للشباب ومن إجراءات عملية لخلق الأطر والمحاضن التكوينية ولعل أبرزها مُضيها في تحقيق إنشاء “مجلس الشورى الشبابي”، فالتّشبيب السليم ينطلق من المهام القاعدية بهدف إعداد رصيد من القيادات الوسطى القادرة على حماية المشعل قبل وصول هذه الكتلة الاجتماعية الهائلة إلى سن اليأس والعجز.